محمد المير العبقري الأول في بطولة العالم للحساب الذهني

06 ديسمبر 2014
أشياء قليلة تغيّرت في حياة محمد بعد فوزه(إيفا رعيدي)
+ الخط -
أشياء أخرى تحدث على خط التماس بين جبل محسن وباب التبانة في طرابلس (شمال لبنان). غرفة في "مجمّع العزم التربوي" فيها مقاعد للدراسة ومكتب خاص بالمعلمة ولوح أخضر. جميع الطلاب متشابهون يرتدون الزي المدرسي الموحّد. تختلط البنات مع الصبيان في صف واحد هو السادس ابتدائي. تراوح أعمارهم بين عشر سنوات وإحدى عشرة سنة. لا يقيس الطلاب أعمارهم بعدد السنوات بل بالصف الذي وصلوا إليه. تدخل المعلمة، يقف التلامذة دفعة واحدة. لا تكاد تلقي عليهم التحية، حتى يسألها كلّ بدوره عمّا إذا كانت سوف توزّع المسابقات المصحّحة. تهزّ رأسها إيجاباً فيما تسحب الأوراق من المغلّف الأصفر. تخفق بعض القلوب.

تتلو المعلمة أسماء الطلاب، فيأتي كلّ بدوره لاستلام المسابقة. تنادي باسم محمد المير، فيأخذ ورقته ويعود بها إلى مقعده. العيون كلها عليه. الأجوبة كاملة صحيحة يشوبها خطأ بسيط. تلقي زميلة محمد نظرة إلى ورقته لتشمت به.

صحيح أن غلطة الشاطر بألف، لكن المير الذي فاز بلقب "العبقري الأول في العالم" للأطفال دون الـ12 عاماً في "بطولة العالم للحساب الذهني" التي جرت في ألمانيا، وبفارق كبير عن منافسيه، يدرك تماماً أن الكمال لله وحده.

أشياء قليلة تغيّرت في حياة المير بعد فوزه باللقب. يقول إن "الضجة الإعلامية التي تدور حوله هي بلا شك حدث جديد". الأمر الثاني هو أن بعض الناس يسيئون فهمه أحياناً، كالزميلة التي شمتت به لارتكابه هذا الخطأ الصغير. ليس هو بمتكبّر أو مغرور، على حدّ قوله، ولا يعتبر نفسه أفضل من أي كان. على العكس، يقرّ بأنه، وعلى الرغم من كونه ذكيّاً ولامعاً في الرياضيات والعلوم والدراسة بشكل عام، إلا أنه "فاشل" بالرياضة مثلاً. يقول والده، الذي يشجع منتخب البرازيل، ممازحاً إيّاه: "ليتك تصبح لاعباً في الفريق الألماني الذي تُشجّع، فتتسبّب بخسارته ونربح نحن". فيضحك محمد ملء قلبه وعينيه.

كمعظم أبناء جيله، يمضي وقتاً طويلاً في اللعب على هذا جهاز الآيباد. من حسن حظ أهله أن لكل من ولديهما، محمد ولارا، البالغة من العمر 6 سنوات، جهازه الخاص، لما في ذلك من فوائد أبرزها "درء الفتنة" بين الأخ وأخته. "إجمالاً، ألعاب أختي مختلفة". يقول إنه يتفهّم موقف شقيقته إن شعرت بالغيرة منه في بعض الأوقات. يضيف: "لارا سعيدة بنجاحي، أنا متأكد، لكنها ما زالت صغيرة".

المير صغير أيضاً. يتنقّل بعد دوام المدرسة من بيت جدّيه لأبيه إلى بيت جدّيه لأمه. في البيتين الطرابلسيّين له حصّة من الغنج والدلال. يقول المثل الشعبي إنه "ما أعزّ من الولد إلا ولد الولد". لذلك، لم يشأ جدّ المير لأبيه أن يرى حفيده يتعب كثيراً في التحضير للمسابقة، فما كان منه إلا أن عرض على ابنه وحفيده أن يتكفّل برحلة سياحية إلى ألمانيا لكليهما، بدلاً من أن يشارك بالمسابقة وينهمك بالدرس. كان لهذه الكلمات القليلة مفعولها، كأن يتذمّر من الدرس لدى عودته إلى المنزل. لكن ما إن يسأله والده إن كان يريد حقاً أن يربح البطولة، حتى يعود الطفل إلى "رشده" ويبدأ بحلّ المسائل الحسابية.

بدأت القصة حين انضم إلى مركز الحساب الذهني في طرابلس، وشعاره "أحضره طفلاً وخذه عبقريّاً". من خلاله، شارك بمسابقة تضم 400 شخص في بيروت، فاز خلالها برحلة إلى مخيم تدريبي في اليابان. وكانت المحطة التالية في ألمانيا، حيث أجريت المسابقة العالمية.
حين قرّر المشاركة في المسابقة، لم يكن والداه على علم بأن المطلوب أكبر بكثير مما تعلّمه محمد. عندها، صارت ساعات التحضير في البيت أطول: الوالد يحضّر، محمد يحلّ العمليّات الحسابية، والوالدة تصحّح. في المرّة الأولى التي عجز فيها عن الحل، بكى. لكنه حاول مجدداً، ونجح.

التعب والسهر والتحضير لم يمنعوا الجد، كما عائلته كلها، من أن يفرح ويفخر بحفيده. هو طفل مميّز منذ الصغر: حفظ سورة الفاتحة في عمر السنة ونصف السنة بمجرّد سماع أبيه يرددها. ذاكرته القويّة خوّلته حفظ عواصم دول كثيرة. أما كمية المعلومات التي تملأ رأسه، فهي نتيجة أسئلته الكثيرة. أما النتيجة النهائية للمسابقة، فوصلت متأخرة إلى لبنان. يقول محمد إن موعد إعلان النتيجة النهائية كان مقرراً عند الساعة السادسة والنصف. ومنذ ذلك الوقت وحتى الساعة السابعة والربع، لم تهدأ الاتصالات بين طرابلس وألمانيا، "وولعت طرابلس!".
وقبل أن يتسنّى له متابعة كلامه، انتبه إلى أن المطر في الخارج أصبح أكثر غزارة، فطلب من والده إحكام إغلاق الباب المطل على الشرفة، ثم ناداه وسأله: "بابا، كيف اليمامة التي تحطّ على شريط الكهرباء المبلل من مياه الأمطار لا يصيبها مكروه؟".
دلالات
المساهمون