محمد الخطيب: تكملة "الحياة" من دونهم

02 مارس 2017
(محمد الخطيب، باريس 2016، تصوير: جاك ديمرثون)
+ الخط -

هل يمكن لرحيل أمّ أن يشكّل وثيقة ولادة ابنها كفنان؟ تجربة المسرحي المغربي الفرنسي محمد الخطيب تردّ إيجاباً على هذا السؤال. دخل الأخير المشهد الفرنسي بقوّة مع عمله "نهاية جميلة" (Finir en beauté) الذي يتناول رحيل والدته إثر إصابتها بسرطان الكبد.

عملٌ، منذ عرضه للمرّة الأولى قبل سنتين في النسخة الموازية من "مهرجان أفينيون"، لا يكاد يخرج من صالة إلا ليعود إلى أخرى. وقد توّج هذا النجاح بنيل نصّ المسرحية، نهاية العام الماضي، "الجائزة الكبرى للأدب المسرحي" المكتوب بالفرنسية، إلى جانب أربعة نصوص أخرى.

على أن نصّ الخطيب ليس نصّاً بالمعنى التقليدي. فهو توليف لملاحظات يومية تأخذ شكل سرد مقتضب مدوّن باليوم والساعة، ولنصوص محادثات سجّلها مع والدته في المستشفى قبيل رحيلها، ورسائل هاتفية وبريدية تلّقاها من أصدقاء بعد وفاتها، إضافة إلى حواشٍ في أسفل الصفحات يُقدّم فيها "تعريفاته" لتعابير مثل "موت"، و"فقْد"، و"زرع كبد"، و"طبيب"، و"حِداد"، و"تعازي"، وغيرها.

لكنْ رغم تبعثرها الذي يجعل من نصّ المسرحية ما يشبه ثوباً مرقّعاً؛ تنجح هذه المواد المتنوّعة في إيصال مقترح الخطيب، بكل ما فيه من قوّة، إلى قارئه. ربما لأن الثوب الاجتماعي الذي يتناوله النص، أي مجتمع عائلة الكاتب، هو نفسه تركيبة معقّدة لرؤى ولغات اجتماعية غير متجانسة.

ينبني جلّ النصّ هنا، في هذه المساحة التناقضية، التي تجمع الأليف والغريب في الآن نفسه، بين حياة الشاب المثقف الفرنسي، التي تبدو متمرّدة وعارفة، وبين حياة والدته/ والديه، وأقاربه، البسيطة، التقليدية.

تكمن خصوصية نصّ الخطيب في ابتعاده عن المعالجة التقليدية، الشائعة، اجتماعياً ومسرحياً، لرحيل الأم. فهو لا يلجأ إلى منصّة الحداد ليعلن حزنه على فقدان عزيزته وليقدّمها في صورة مثالية. بل ينقل رحيلها بكلّ ما فيه من ثقل وفجاجة إلى النص. لغة لاذعة لا تُعفي أحداً، حتى الكاتب نفسه. لغة باردة، ساخرة، تنبني على مسافة من الحدث ومن العواطف. كأننا إزاء تنويع مسرحيّ على "غريب" كامو، مع فرقِ أننا هنا أمام حدث واقعيّ.

السخرية السوداء، الهجائية، التي تعرّي الذات، تعرّي في الوقت نفسه نفاق المجتمع الذي لا يكفّ عن التحايل بكلّ الطرق لتجنّب الشرخ الذي يُحدثه الموت. هكذا يرى الخطيب فكرة الحِداد: حيلة لتجاوز الذين يغادروننا، لتكملة "الحياة" من دونهم. ولهذا فإن محمد الخطيب لا يعيش حداداً، كما يكتب، بل أسىً. أسى مكتوب بصيغة ولغة تجعلان من نصه قطعة أدبية تبقى طويلاً في الذاكرة.

بشكل عام، تبدو الرغبة في اللا-مسرحة، أو تنزيل اللغة المسرحية إلى أرض الواقع، محركاً أساسياً لتجربة الخطيب. فبعد "نهاية جميلة" الذي تلعب بطولته عناصر حياته العائلية، يعمل الفنان، في مسرحيته الجديدة، "أنا، كورين دادا"، مع عاملة تنظيف في الستينات من عمرها. لم تدرس كورين المسرح ولا التمثيل، ولم يسبق أن قرأت الكثير من الكتب. إنها امرأة عادية لديها الكثير مما يمكن قوله ويهمّ سماعه.

المساهمون