محمد الأشعري: الأدب في مواجهة الانهيارات

12 مايو 2015
+ الخط -

ربما كانت الأندلس بحلّتها المغربية، واحدة من مفاتيح عالم الروائي والشاعر محمد الأشعري الكتابية. إذ حضرت في رواية "لعبة الأسماء" من خلال الموريسكيين، أو الأندلسيين القدامى النازلين إلى المغرب. وحضرت بطريقة مخاتلة في بعض قصائده. لكأنّ في هذا المفتاح ما يشفّ عن معانٍ شتّى، تتعلّق بالفقد والخسارة والمكان، طبعها الأشعري ببصمته الخاصّة كتابةً. بيد أنّها لم تأخذه بعيدًا من الواقع السياسي والثقافي في المغرب، فتجربته في هذا المجال طويلة وغنية.

* كيف ترى وضع الأدب في العالم العربي؟

لو اعتمدنا على العناصر الكمّية لتحليل هذا الوضع، فسنقول من دون تردّد إنه كارثي. فالعالم العربي لم يستطع إلى الآن تكوين "اقتصاد ثقافي"، يمنح الأدب ظروف إنتاج واستهلاك واسعين؛ فلا النشر، ولا سوق القراءة، ولا الترجمة ولا صناعة المحتوى على الشبكة، يمكن عدّها وجهة مفضّلةً للاستثمار. وكذلك، فإن أنظمة التعليم، والنمط التقليدي المهيمن على الحياة الاجتماعية والحياة السياسية لا يسهلان الأمر. لذلك، فإن هامشية الأدب في عالمنا العربي ليست هامشية تخصّ الاختيارات، سواءٌ أكانت فنيةً أم أخلاقية. وليست هامشية تمرّد أو انفلات من المؤسسة المركزية. إنها للأسف، هامشية وجود. إذ لم ينجح الأدب حتى الآن في أن يكون جزءًا أساسيًا من وجودنا الاجتماعي أو من هوّيتنا الثقافية. عندما نرى ما يحدث في العالم العربي من انهيارات سياسية، وحروب أهلية، وهيمنة الظلامية والتقليدية، فإننا نكاد نجزم أن هذه التربة لا يمكن أن تُنبت أدبًا. ثمّة نوع من الصمت التعبيري، شبيه بفقدان النطق أمام المشاهد المرعبة لقطع الرؤوس والاغتصاب الجماعي، واغتيال الآثار الإنسانية، واستمرار السلطات السياسية القاهِرة، سجينةَ منطقها التدميري الذي يخوض معركة بقاء ضدّ شعوب بأكملها. رغم ذلك، فإن من خصائص الأدب والفنّ عمومًا، ألا يخضع بشكلٍ كامل لسلطة الواقع وإكراهاته، بل أن يرتبط في وجوده كذلك، بقدرة الفرد على الحياة في أسوأ الظروف الإنسانية. لهذا السبب، تفاجئنا نصوصٌ أدبية من حين لآخر، وتفاجئنا ثقة أجيال جديدة في قدرة الأدب على إنقاذنا من براثن هذه القدرية التي تنسجها آليات الاضطهاد لتوهمنا أن الفكاك أمرٌ مستحيل. وتبعًا لذلك فإن إنتاج الجمال شيء مستحيل كذلك.

* تنتمي إلى الجيل الذي مارس الكتابة في خضم معتركٍ سياسي، كان يصعب فيه الانتصار للأدب على حساب السياسة. لكن، رغم ذلك كنت من ضمن الذين نجحوا في بناء تجربة أدبية لا تبتلعها القضية. كيف عشت هذه التجربة؟

من خصائص تجربة جيلنا في السبعينيات من القرن الماضي، أنه فتح عينيه على تجارب ثقافية كانت مؤمنة بدورها في محاربة الاستبداد السياسي، ومؤمنة بأن تأهيل القيم الحداثية في الأدب والتشكيل والسينما والمسرح والموسيقى، هو السبيل الأكثر جوهرية لمحاربة هذا الاستبداد. لذا لم تكن مصادفة أن تنبثق تلك الطاقة الكبيرة من خلال الشعر الحديث والفنّ التشكيلي والقصّة والرواية، ومسرح الهواة، وسينما المؤلّف، وغناء المجموعات، جنبًا إلى جنب مع انبثاق طاقة المقاومة السياسية من خلال اليسار بمختلف تعبيراته؛ في النضالات الطلابية والعمالية، وفي الحركة النقدية الواسعة التي قام بها الشباب تأثرًا بالموجة العالمية للمؤسسات السياسية، بما فيها المؤسسات الحزبية التي كانت قلاعًا أساسية في مواجهة الحكم آنذاك.
على أن هذه الفورة لم تكن أيضًا من دون أوهام. من أوهامها تحميل الأدب دورًا سياسيًا مباشرًا، أو عدّ البعد الثقافي تجلّيًا من تجليات الالتزام السياسي لا اختيارًا مستقلًا في حدّ ذاته. وهو الأمر الذي نجم عنه نقاشٌ حادّ حول علاقة السياسي بالثقافي، ممّا كان له أثرٌ عميق على السياسة وعلى الثقافة في آنٍ واحد. هذا المناخ العام هو الذي سمح لكثير من الأدباء بالانتباه مبكّرًا إلى خصوصية المغامرة الإبداعية، باعتبارها منتجةً لشكلٍ فنّي، وليست منتجة لأفكار أو مواقف فحسب. وسمح أيضًا، لأصوات كثيرة جرّبت استعمال الأدب في المعترك السياسي، أن تعود بعد انقشاع الأوهام إلى نبعها الأصلي. أي إلى الطفولة والحلم والآلام الصغيرة وعناصر الحياة اليومية، لتنسج منها تجربة جمالية متحرّرة من أثقال المطالب السياسية، ومن عزلة المثقف الذي "طردته " المدينة.
ثمّة ملاحظة متسرّعة، تبديها الصحافة أحيانًا، حول العودة "الخائبة" لكثير من فرسان اليسار في السبعينيات، إلى "الفردوس الأدبي" هروبًا من "جحيم الأحلام المخذولة". في نظري، فإن الأمر أكثر تعقيدًا؛ إذ إن هؤلاء، رغم الدور المحوري الذي أدّوه في النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين النساء والرجال، كانوا أيضًا أصحاب موهبة متحقّقة. فقد اعتنقوا الكتابة كخيار حياة، لا كتنويع في نضالاتهم السياسية فقط. وبحكم هذا الإخلاص للكتابة، أدركوا أيضًا أن مقاومة الاستبداد، واستنبات الحداثة في مجتمع محافظ، أمران لا يمكن تحقيقهما فقط بالعمل السياسي، بل أساسًا بالمراهنة على التغيير الثقافي البعيد المدى. وبشكلٍ مفارق، فإن الذين اقتنعوا مبكّرًا بخصوصية الإبداع واستقلاليته، عادوا ليقتنعوا أيضًا بأن التحوّل، رهين بما يحقّقه الإبداع من تحوّل عميق في تربة المجتمع.

* عملت، إلى جانب العمل السياسي المباشر، في الثقافة من خلال اتحاد كتّاب المغرب وكذلك من خلال عدد من الجمعيات الثقافية والحقوقية في المجتمع المدني، أكان هذا اختيارًا ثقافيًا أيضًا؟

بكلّ تأكيد كان كذلك، وكان أيضًا اختيارًا سياسيًا لا غنى عنه. فالدفاع عن الثقافة الحديثة، وعن التعبيرات الفنّية المرتبطة بها، كان أيضًا وسيلة أساسية لمقاومة الاستبداد، وخصوصًا أن هذا الأخير لم يكتفِ بالقمع السياسي، وبالمحاكمات الظالمة والاعتقالات والنفي ومنع المنظمات والجرائد، بل قام بهجوم ثقافي خطير، وصل إلى حدّ منع الدراسات الاجتماعية، وطرد الفلسفة من الجامعة، ومنع المجلات الثقافية، وبعض الأعمال الإبداعية، وتقليص الإنفاق العمومي على القطاع الثقافي إلى درجة مخجلة. في هذا المناخ، كان الانتصار لقيم الإبداع الحديث، والدفاع عن الفكر وعن حرية الفكر، مسألة جوهرية لا مجرد "تنشيط ثقافي". وأودّ بالتذكير في هذه المناسبة، أن النظام السياسي فكّر وقتها أن يقوم بنفسه بـ"التنشيط الثقافي" تحديدًا. فشجّع بعضًا من رموزه على تنظيم مهرجانات، تُوهم أن المغرب منفتحٌ على الأفكار والتعبيرات كلّها، في حين كانت أقلام كثيرة من أبناء الوطن تقبع في السجون.

* عندما تولّيت حقيبة الثقافة في حكومة التناوب، أكان الأمر متعلّقًا فعلًا بمشروع ثقافي مرتبط بالتغيير السياسي الذي شكّلته هذه الحكومة في تاريخ المغرب؟

لنقل إن تجربة النضال اليساري في المغرب، لم تكن لتغفل هذا الجانب عندما أتيح لها بعد انتخابات سنة 1997 أن تعمل في الشأن العام برئاسة المناضل الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي. وبالفعل، فإن أوّل تصريح حكومي قدّمه الوزير الأوّل الاشتراكي أمام البرلمان، تضمّن أفكارًا أولية حول المشروع الثقافي، من أبرزها؛ العمل على ترسيخ التعدّدية الثقافية عبر إيلاء الأمازيغية لغةً وثقافةً، مكانة أساسية. والعمل على تمكين المغرب ثقافيًا من خلال هيئات ثقافية ممأسسة. والعمل على إيجاد آليات لدعم الإنتاج الوطني في مجالات النشر والمسرح والسينما والفنون. وكذلك إدماج التراث الوطني ضمن رؤية تنموية، تجعل التراث ثروة للمستقبل لا ثروة من الماضي فحسب.
بطبيعة الحال، فقد خضعت هذه العناصر، في ما بعد، إلى كثير من التطوير والتدقيق، وخضعت بشكلٍ خاصّ إلى اختبار واقع التوفيق بين الإمكانيات والطموح، أي بين "الممكن والمستحيل". وبقطع النظر عن النتائج الملموسة في هذا الصدد، فإن أحدًا لا ينكر أن عمل حكومة التناوب في هذا المجال، فتح صفحة جديدة في علاقة الثقافة بالسياسات العامّة.

* فاجأتَ الأوساط الثقافية في التسعينيات بقصتك الطويلة "يوم صعب"، ضمن مجموعة قصصية. ثمّ فاجأتهم مجدّدًا برواية "جنوب الروح"، وكذلك فعلت عام 2010 عبر رواية "القوس والفراشة "، وصولًا إلى هذا العام مع رواية "علبة الأسماء". أهو مجرّد انتقال من الشعر إلى الرواية على سبيل التنويع والتجريب، أم أنه خيار استراتيجي في الكتابة؟

على عكس كثير من أصدقائي الشعراء، فأنا لم أبدأ مساري الإبداعي بالشعر، بل بالقصّة. فأوّل نص أدبي نُشر لي، كان قصّة قصيرة بعنوان "في انتظار موت الأب". نشرتها جريدة العلم سنة 1967، وكنت حينها تلميذًا في ثانوية "مولاي إدريس زرهون". لعلّي أبدو ها هنا وكأنني أدافع عن "شرعية" ممارستي للكتابة الروائية، وهو أمرٌ في غاية السطحية، لأن الشرعية الوحيدة هي قيمة النصّ، على نسبيتها البدهية.
عندما نقول إن وجود عناصر حكائية في تجربتي الشعرية هي التي قادتني إلى الكتابة الروائية، فإن ذلك يختزل العمل السردي إلى مجرّد بنية حكائية. والحال فإن العمل السردي أكثر من ذلك، فهو بناء وأصوات ورؤية فنّية مرتبطة بتاريخ الجنس الروائي وبإنجازاته العالمية. ولذلك فإن الحاجة إلى الرواية، هي حاجة استراتيجية مرتبطة بالحاجة إلى تفكيك الواقع وإعادة تركيبه. لأننا نحتاج وجوديًا إلى ابتكار مسارات رمزية لحياتنا غير المسارات المادية الوحيدة، التي هي غير قابلة للتعديل، إذ تنتهي بمغادرتنا لهذا العالم.
على أنني أزعم أن همومي العميقة تظلّ مع ذلك شعريةً حتّى في العمل الروائي. لأنني أهتمّ باللغة، وبالرؤية الشعرية للشخصيات والأمكنة. وأفضّل، حين يصعب العثور على الشعر في القصيدة، أن أبحث عنه في مكان آخر.

* رواياتك، كلّها، معنية بمسألة الزمن، لا بوصفه شيئًا خارجيًا يقاس بشكلٍ كمّي، بل بوصفه تحقّق لتجربة داخلية؟

منذ مجموعتي القصصية "يوم صعب"، أحاول أن أربط الكتابة بـ"الآن". أي أن اهتمّ بزمن الكتابة أكثرمن اهتمامي بأزمنة الأحداث والوقائع. الكتابة من "الآن" شيء أساسٌ في نظري، لأنها تمكّن النص من الإفلات من سطوة التأريخ، وتجعل المؤلّف طرفًا في "التجربة"، لا مجرد وسيط بارد. وبما أنني بصفة عامة أؤمن بأهمية التجربة الذاتية في كلّ عمل إبداعي، فإنني أعتبر "الآن" مرآةً لهذه التجربة، إذ حتى ونحن نستعيد لحظات بعيدة، من المفترض أن نكتبها كما لو كانت تحدث الآن. ولهذا الأمر تأثيرٌ بالغٌ على العلاقة باللغة، والإيقاع، والتوازن المطلوب بين التذكّر والنسيان. يدهشني دائمًا هذا الميل في مجتمعاتنا العربية إلى نفي "الآن" خارج آنيّته، كما لو أن صحّتنا النفسية لا تتحقّق إلا عبر تداخل أزمنة متناقضة، كزمن فيه فتوى قادمة من القرون الوسطى، تقول بجواز مضاجعة الزوجة الميتة نصف ساعة بعد خروج الروح، وتنتشر عبر شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في نهاية العشرية الأولى من الألفية الثالثة! أو زمن تعلن فيه الحكومة عن بلوغ عدد المشتركين في الهاتف النقّال أزْيَد من أربعين مليون مشترك، وفيه أيضًا يرسل وزير من الحكومة نفسها زوجته وأمّه لتخطبا له زميلة في الحكومة نفسها، ليدخل بها على سنّة الله ورسوله زوجةً ثانية. هذا التداخل في الأزمنة يتجاوز بكثير ما نفعله من ألاعيب تجريبية في أزمنة الرواية، لذلك أميل إلى الاعتقاد بأن أفضل ما يفعله الأدب والفنّ بصفّة عامة، هو ضبط عقارب الساعة على "الآن" التي تنفيه السلطة المستفيدة دائمًا من اللعب على الأزمنة.

* انشغلت رواياتك أيضًا بمآل الأمكنة وتحولاتها، وبما يخلّفه ذلك في دواخل الشخصيّات من آثار. بل إنك ذهبت إلى أبعد من ذلك، إلى أن مصير المدن يرهن مصير التجربة الديمقراطية، وحقّ الناس في الكرامة والجمال؟

بالفعل، ما يحدث في الأمكنة يحدث فينا. الأمكنة ليست مجرد ديكور نبثّ فيه الشخصيات والأحداث، بل هي شخصيات ومسارات. في "جنوب الروح" تلد الهجرة من الريف إلى ضواحي زرهون، قرية بومندرة التي تنمو وتزدهر وتشيخ قبل أن تقتلها هجرة أخرى. بيد أن هذا المسار لا يحدث فقط في الحجارة، بل في الأجساد والحيوات، والمشاعر والذاكرة المشتركة أيضًا. هذا بالذات ما تحاول الرواية الإمساك ببعض من تفاصيله، لا من أجل استعادة المفقود، لكن عبر بناء شيء آخر من فقدانه. لقد تعرّفت من خلال تجربة قصيرة في المجالس المنتخبة، إلى العلاقة الشائكة بين الناس والأمكنة. كيف تعيش المدن القديمة مثلًا، اتصالها وانفصالها مع المدن الجديدة والضواحي؟ كيف تفقد تمدّنها؟ كيف تعيش مدن الصفيح تحوّلها إلى أقفاص مبنية؟ وكيف يصبح البناء العشوائي مدنًا حديثة؟ ثم كيف يولّد التعمير السلطوي عنفًا منظمًا؟ وكيف يصنع الناس داخل هذا التعمير عنفًا مضادًا. كلّ هذا، حفّز انتباهي لما تقوله الأمكنة بفصاحة أكبر، وبحكمة أبلغ ممّا يقول المثقفون والسياسيون. وبالطبع، فإن هذا الانتباه يقع في صلب اهتماماتي الروائية.

* هل لك أن تدلي بشهادة عن رجلين بارزين في الحياة السياسية المغربية، هما: عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمن اليوسفي؟

بالنسبة إلى عبد الرحيم بوعبيد، فلم تكن لي به علاقة شخصية بالمعنى الدقيق للكلمة. كنا نلتقي أثناء العمل الحزبي فقط. ثمّ جمعتنا فترة قصيرة في سجن لعلو في بداية الثمانينات. وهناك، اكتشفتُ فيه قارئًا نهمًا للأدب وللرواية تحديدًا. أدهشتني آراؤه وتحليلاته لأعمال أونوريه دو بلزاك وغوستاف فلوبير، مثلما أدهشني ولعه بموسيقى الجاز، ومحبته لفرقة "الناس الغيوان". لكن الأهم، أن الدرس الديمقراطي في المغرب تعلّمناه على يديه. فهو الأب الروحي لمشروع النضال الديمقراطي، وهو صاحب مقولة "المقاعد لا تهمّنا"، أي أن انتصار الديمقراطية أهمّ من فوز الأشخاص. وهو الدرس الذي نحتاج باستمرار إلى إعادة تعلّمه.
أمّا بالنسبة إلى عبد الرحمن اليوسفي، فما كان المغرب ليعرف تحولاته الأساسية في نهاية التسعينيات، لولا الحكمة، والرؤية السياسية النفاذة، والإرادة القوّية التي طبعت عمل الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، داخل الحزب وفي المجتمع، وداخل الكتلة الديمقراطية، ومع الملكية. أقسم اليوسفي، في جنازة عبد الرحيم بوعبيد، أن يوصل مشروع رفيقه، إلى الأهداف التي كان ينشدها. وقد أدهش ذلك القسم كثيرًا من الناس. لكن الواقع أن اليوسفي كان يرى بوضوح أثناء تلك الجنازة المهيبة، طريق التحوّل الذي لا بدّ أن توضع البلاد على سكته، وقد مشى فيه بقوّة ومن دون تردّد. وأيًّا كانت الأعطاب التي حدثت في ما بعد، فإن التحوّل التاريخي حدث بالفعل سنة 1998، وكلّ محاولات العودة إلى الوراء ستبوء بالفشل. بهذا المعنى أفهم التفاؤل الذي عبّر عنه الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي أخيرًا، ولو أنني كما تقول العبارة الشهيرة لا أريد التنازل عن "تشاؤم الفكر".
المساهمون