محدودية الحرب الجوية

11 أكتوبر 2014

مقاتلون أكراد يرصدون تحركات "داعش" جنوب أربيل (9أغسطس/2014/Getty)

+ الخط -

يرمي الائتلاف الدولي ضد داعش إلى تحقيق هدفين أساسيَّين. الأول، النجاح في إقامة الائتلاف، فوجوده يعتبر هدفاً، في حد ذاته، من منظور غربي وعربي-إسلامي. فالقوى الغربية تريد الظهور بمظهر المتعاون مع الدول العربية-الإسلامية، حتى لا يبدو الائتلاف الدولي وكأنه مواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي، لاسيما وأن فزاعة الحرب الصليبية تخدم قوى متشددة وعنصرية في الغرب، كما تخدم القوى المتشددة والإرهابية في العالم العربي، خصوصاً داعش وأخواتها ونظيراتها. وبالتالي، تعي القوى الغربية ثقل مثل هذه المفردات ومغازيها، ووقعها إقليمياً ودولياً.

لذا، سعت جاهدةً إلى إشراك دول عربية ومسلمة (تركيا تحديداً) في الائتلاف ضد داعش، مع التأكيد على أن التدخل جاء بناء على طلب من الحكومة العراقية. أما من منظور عربي، فإن الائتلاف هو، أيضاً، هدف في حد ذاته، لأنه يسمح لها بالظهور بمظهر محارب الإرهاب دولياً، ما يدعم موقفها وعلاقاتها مع القوى الغربية، ويسمح لها بتبرئة نفسها من أية صلةٍ، أو مساهمةٍ، عن قرب أو بعد في ظهور "وحش" داعش، خصوصاً أن بعضها متهم، بشكل أو بآخر، بالوقوف (في وقت من الأوقات) وراء داعش، على أساس أن دولاً عربية ذهبت بعيداً في استراتيجيتها التدخلية في سورية، لإسقاط النظام، إلى حد التحالف مع "الشيطان"، ولسان حالها "الغاية تبرر الوسيلة".

أما الهدف الثاني للائتلاف الدولي، فهو توجيه ضربات جوية لتنظيم داعش، للحد من تقدمه في العراق وسورية، ثم الضغط عليه للانسحاب من المواقع التي يسيطر عليه، وحشره تدريجياً في رقعةٍ ضيقة، بشكل تستطيع فيه القوى المناهضة (وحدات الجيش العراقي، القوات الكردية) من حسم الصراع ميدانياً في العراق، بعد تلقيها الدعم العسكري اللازم، بما في ذلك الأسلحة، من دول الائتلاف لاسيما الغربية. ويوضح هذا الهدف مدى مراهنة دول الائتلاف على مفعول الضربات الجوية، وجدواها لإلحاق الضرر بداعش، وعلى قدرة القوى المعادية لها على استرجاع زمام المبادرة العسكرية.

وتعبّر هذه المراهنة عن تخوف غربي من التورط في مستنقع جديد، هي في غنى عنه. فبعد أن رفضت التدخل في سورية، لاعتبارات مصلحية تخصها، تجد نفسها أمام "الاستحقاق" السوري، عبر البوابة العراقية وداعش، ما يطرح مجدداً مسألة التدخل البري. تنفر القوى الغربية من فكرة نشر القوات البرية، مكتفية بالقصف الجوي، بالاستناد إلى النموذج الليبي. ويعود تأكيدها على دور الدول الإقليمية إلى التخوف من التورط البري الذي سيعرض جنودها للاختطاف الذي تمتهنه داعش. ففي حال التدخل البري، قد تتفادى داعش المواجهة المباشرة، وتفضل عميلات الاختراق والاختطاف، خصوصاً أن القوى الغربية تعتبر البيئة الاجتماعية العربية معادية لها، وتتخوف، بالتالي، من تواطؤ مع عناصر داعش، لاختطاف جنودها في حال المعارك في المناطق العمرانية. وهي استراتيجية استدراج، تعيها القوى الغربية، لذا تنفر من التدخل البري.

لكن المراهنة على مفعول الحرب الجوية التي تبدو محاولة لتأجيل التدخل البري، والدخول في حرب "تقليدية" مع داعش، خاطئة. إذ يصعب حسم الصراع بالاكتفاء بالحرب الجوية فقط، كما تثبت التجارب التاريخية، أما الحالة الليبية، فتبقى الاستثناء، ثم إن كتائب الثوار هي من تولى المهمة ميدانياً في إطار تقاسم للعمل.

وعليه، تبقى الضربات الجوية محدودة، وستطرح، وبقوة، مسألة نشر القوات البرية قريباً، لأن إيقاف زحف داعش لا يعني انسحابها وتدميرها، لعدة أسباب. أولاً، تخوض داعش حرباً تقليدية وغير متوازنة، في الوقت نفسه، ما يعقد من استراتيجية مواجهتها. ثانياً، تسيطر على مناطق واسعة آهلة بالسكان، ما يجعل اللجوء إلى القصف الجوي محدوداً، فإخراج مقاتليها من المدن يقتضي نشر قوات برية. وهنا مكمن قصور استراتيجية الائتلاف الدولي، ذلك أن ضرب قدرات داعش، ومنعها من التوسع، لا يكفي، بل يجب منعها من الاستيلاء على المدن، لأنه إن نجحت في ذلك، فلا يمكن إخراجها منها من دون حرب برية. ثالثاً، ليس داعش جيشاً نظامياً، يمكن تدمير بناه التحتية، وقدراته العسكرية المنتشرة في مواقع محددة، ومن ثم ما نجح مع قوات نظام القذافي لا يمكن أن ينجح مع تنظيماتٍ مثل داعش.

رابعاً، يبدو أن دول الائتلاف تفتقر إلى معلومات دقيقة عن كيفية عمل داعش، فعلى الرغم من مضي أسابيع من الضربات الجوية الأميركية، لا زالت تقاوم، بل وتتقدم، ميدانياً، كما هو الحال في مدينة عين العرب السورية، بعد أن فقدت مواقعها على سد الموصل العراقية. هذا يعني أن قدرتها القتالية والحركية لم تتأثر بالقصف الجوي.

خامساً، طالما بقيت سورية بؤرة توتر مرتفعة الحد، فإنه من الصعب حسم المواجهة معها، لأنه، حتى في أحسن الأحوال، (من منظور الائتلاف الدولي) ستتوقف داعش عن عمليات الكر والفر، وتنسحب إلى المناطق الداخلية السورية (ما قد يسهل مشروع المنطقة العازلة على الحدود التركية-السورية التي تطالب بها تركيا)، لتعاود الهجوم حين تكون الظروف مواتية من جديد.

كما أن انسحاب (بفعل الضربات الجوية أو كمجرد إجراء تكتيكي) داعش من العراق سيتسبب في انهيار الائتلاف الدولي، بسبب الخلافات حول الأزمة السورية. سادساً، ضعف القوى العسكرية المحلية، المناوئة لداعش، لا يسمح لها بحسم المعركة لصالحها، حتى مع استمرار القصف الجوي، كما أنها تتحرك في إطار وطني (عراقي)، ولن تواصل مقاتلة داعش خارج الحدود العراقية، بيد أن نشاط داعش دلالة على استحالة فك الترابط الأمني بين العراق وسورية في الظرف الراهن.