حملت كلمة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، في افتتاح المؤتمر الأول لحزبه، "نداء تونس"، أول من أمس السبت، فكرة أساسية تدور حول تجميع القوى السياسية القريبة منه أو الخارجة من رحمه، في مواجهة حركة "النهضة". وقد عبّر السبسي، عن ذلك صراحة، لكنه أكد في الوقت نفسه أنّه لا يعني إقصاء "النهضة" من المشهد، الذي يضم، بحسب رأيه، الجبهة "الشعبية" على اليسار، وحركة "النهضة" على اليمين، بينما يلتقي كل من تبقى في ما يسميها بـ"العائلة الوسطية".
ودعا السبسي إلى أن يقود حزبه "نداء تونس" من جديد هذه العائلة، وأن يعيد تجميع كل القوى التي انشقت عنه، مؤكداً أنه "يجب ألا نغلق الأبواب، ويجب أن يعود النداء إلى دوره كحزب رائد لإخراج تونس من هذا الوضع ولمّ شمل الوسطيين". كما ناشد الرئيس التونسي المنشقين عن "النداء"، والغائبين عن المؤتمر، "العودة للأصل"، معتبراً أنّ "هذه العودة تندرج في صميم المسؤولية الوطنية". كذلك، قال إنّ مهمته هي تجميع كل القوى الوطنية للتصدي للتيارات التي يجب مواجهتها (من دون أن يسميها)، لكن من دون إقصاء أحد.
ويرى متابعون أنّ السبسي غيّر من تكتيكه خلال هذه المرحلة الجديدة. وبعد أن كان ينتقد الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد، بشراسة منذ أسابيع قليلة فقط، ويحملها مسؤولية الوضع الذي وصفه بالكارثي، وجه إليها رسالة شكر عن دورها في إنجاح القمة العربية، على الرغم من أنّ هذه المساهمة طبيعية وليست إنجازاً، ما يفسّر مدى القطيعة الحاصلة بين الطرفين.
وعمّت الدهشة كثراً بعد دعوة السبسي لرفع التجميد عن عضوية الشاهد في "النداء"، مطالباً بأن "يحدث ذلك الآن"، مشيراً إلى أنّ هذا الطلب هو الوحيد الذي يتقدّم به للمؤتمر.
من جهته، علّق الوزير السابق، مهدي بن غربية، وهو أحد المقربين من الشاهد، في منشور عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، على حديث السبسي، بالقول إنّ الأخير "وجّه هذه الدعوة لرئيس الحكومة بعد أكثر من سنة من التهجّم اللامحدود عليه"، قبل أن يضيف "اليوم نتأكّد على الأقل أن كل ما قاله جميعهم منذ أكثر من سنة هراء، وأنّ خيارنا منذ البداية، والطريق الذي نشقه، هما عين الصواب".
اقــرأ أيضاً
ويقود التأمل في عمليات سبر الآراء المتتالية إلى فهم منطلقات السبسي وأهدافه، إذ أكدت آخر عملية استطلاع، أمس الأحد، والتي أنجزتها مؤسسة "سيغما كونساي" مع صحيفة "المغرب" حول الانتخابات التشريعية، بقاء حركة "النهضة" في الصدارة.
واحتلت الحركة المرتبة الأولى في نوايا التصويت بنسبة 24.3 في المائة، في حين جاء حزب "تحيا تونس"، بزعامة الشاهد، في المرتبة الثانية بنسبة 16.8 في المائة، يليه "النداء" بنسبة 16.3 في المائة. وقد سجّل صعود "الحزب الدستوري الحر" للمرتبة الرابعة بنسبة 9.9 في المائة، فيما احتلت "الجبهة الشعبية" المرتبة الخامسة بنسبة 6.7 في المائة.
وحصل "التيار الديمقراطي" على نسبة 5.6 في المائة من نوايا التصويت، و"حركة الشعب" على نسبة 3.8 في المائة، و"آفاق تونس" على نسبة 3 في المائة، ثمّ "تيار المحبة" على نسبة 2.6 في المائة، و"مشروع تونس" على نسبة 2.6 في المائة، ثمّ "حراك تونس الإرادة" على نسبة 1.4 في المائة، و"المبادرة" و"بني وطني" على نسبة 1 في المائة لكل حزب منهما، وأخيراً "البديل" الذي حصل على نسبة 0.8 في المائة.
ويعدّ هذا الاستطلاع هو الثاني من نوعه، الذي يظهر أنّ "النهضة" تستقرّ في المرتبة الأولى. كما تؤكّد الأرقام أنّ الحجم الانتخابي للحركة لم يتغيّر، وبقي ثابتاً في كل عمليات سبر الآراء لمختلف المؤسسات، وهو يقارب دائماً نسبة 25 في المائة من أصوات الناخبين، تزيد أو تنقص قليلاً، بحسب الفترات والأحداث.
لكن تجميع العائلة الوسطية، كما يدعو السبسي، يمكن أن يخلط الأوراق على نحو جذري، ويمنح "العائلة" ما نسبته 40 في المائة من الأصوات، تحديداً إذا ما اجتمع "النداء" و"تحيا تونس" و"آفاق تونس" و"المبادرة" وبقية الأحزاب الصغيرة القريبة منها، وهو ما يعني صعودها إلى المرتبة الأولى انتخابياً.
ويعول السبسي على مسألة المساواة في الميراث وملفات أخرى، كالجهاز السري، الذي تتهم "النهضة" من قبل خصومها السياسيين بامتلاكه، وغيرها من الملفات لضرب صورة الحركة، ودعوة العازفين والمترددين إلى تجميع هذه العائلة. وفي حال تعثر هذا الأمر قبل الانتخابات، فإنه يمكن أن يحصل بعدها.
في موازاة ذلك، ظهر بوضوح أنّ السبسي تخلى عن فكرة مواجهة الشاهد، بعد أن أصبح الحزب الجديد للأخير، "تحيا تونس"، حقيقة قائمة. واتبع الرئيس التونسي تكتيكاً جديداً قائماً على خفض التوتر الحاصل مع الشاهد والذي لا يخدم إلا "النهضة"، وفق رأيه، الذي عبر عنه عندما قال إنّ الحركة حافظت على مكانها الأول في البرلمان بسبب حسن إدارتها وتدبيرها، إذ تعرف كيف تحافظ على تماسكها، بينما تقهقر "النداء" بسبب الخلافات والانشقاقات.
وبحسب ما علم "العربي الجديد"، فإنّ شخصية مقربة من السبسي والشاهد تقود محاولات للتهدئة والمصالحة بين الطرفين منذ فترة. وقد ظهرت نتائج ذلك بوضوح خلال القمة العربية، إذ عمل الطرفان في انسجام لافت.
ويرى مراقبون أنّ السبسي حوّل الكرة إلى ملعب الشاهد، مخيّراً إياه بين العودة إلى حضن "العائلة" أو القطيعة. كما تسبب الرئيس التونسي بإرباك شديد لحزب الشاهد الجديد ولحركة "النهضة"، التي ستجد نفسها منعزلة إذا ما قبل الشاهد دعوة الرئيس.
ويعوّل السبسي على نجاح مؤتمر حزبه لاستعادة أهم أسلحته في إدارة المشهد السياسي وتحسين قدرته التفاوضية، بعد أن أضعفته شخصياً خلافات هذا الحزب، فضلاً عمّا لحقه من اتهامات بسبب نجله، حافظ. في المقابل، تبرز مخاوف من أن يفرز مؤتمر "النداء" غاضبين جدداً، إذا أقصاهم المؤتمر.