محاولة اغتيال جنينة: رسالة لكل من يهدد بفضح النظام

28 يناير 2018
كان جنينة سيقدم طعناً على استبعاد عنان(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
استيقظت القاهرة أمس السبت على اعتداء هو أقرب إلى محاولة اغتيال رئيس الجهاز المركزي السابق، المستشار هشام جنينة، من جانب مجهولين يحملون أسلحة بيضاء، وسط اتهامات طاولت نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بالتورط في محاولة قتل الرجل، بصفته معاوناً للمرشح، رئيس أركان الجيش الأسبق، الفريق سامي عنان، المعتقل لدى السلطات. وأفاد المتحدث باسم الحملة الانتخابية لعنان، حازم حسني، المعاون الآخر لسامي عنان، بأن سيارتين اعترضتا سيارة جنينة، صباح السبت، بالقرب من منزله، شرقي القاهرة، إذ ترجّل من إحداهما مجموعة من المسلحين (البلطجية)، الذين اعتدوا عليه بواسطة "الشوم" (العصي)، و"السنج" (سلاح أبيض)، ما أدى إلى تعرضه لإصابات بالغة في وجهه، وكسر في قدمه. ونقل محاميه، علي طه، على لسان زوجته، وفاء قديح، منعها كمحامية من لقائه، و"إخبار زوجها لها قبل الإغماء عليه بقسم الشرطة، بأنه تعرض لمحاولة اختطاف، ولولا استنجاده بالمارة، لشرع المسلحون في قتله". وكتب طه، على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، أنه تقدم بصفته ممثلاً عن جنينة، ببلاغ إلى النائب العام، ضد وزير الداخلية مجدي عبد الغفار، ومأمور قسم شرطة التجمع الأول، ورئيس المباحث بالقسم، على خلفية استمرار احتجاز موكله، ورفض القسم إحالته إلى المستشفى لتلقي العلاج، أو السماح بدخول الإسعاف لإنقاذه، محملاً إياهم مسؤولية تدهور حالته الصحية، التي قد تؤدي إلى الوفاة.


ووجه محامي جنينة، تهمة القتل العمد لمحتجزيه، لعدم السماح بإسعافه وهو ينزف لعدة ساعات، علاوة على احتجاز زوجته، وبناته، بدعوى استكمال التحقيق قبل السماح له بالعلاج، متسائلاً "هل في الوطن رجال؟ أم مكانهم اليوم هو فيسبوك لا الوطن؟ المستشار جنينة سيذهب به أهله إلى المستشفى الجوي، لمن يريد أن يخرج للواقع العملي، والاطمئنان عليه". في المقابل، روجت مواقع إلكترونية محلية موالية للنظام، لرواية أمنية واحدة، نقلاً عن "مصدر" مجهول الهوية، تدعي أن "لا شبهة جنائية" في الحادث، بزعم أن "جنينة صدم شاباً بسيارته أثناء قيادته لها بدائرة قسم التجمع الأول، واشتبك مع ثلاثة من أصدقاء الشاب بعد ترجله من السيارة، ما أسفر عن إصابته بكدمة في الساق، وجرح قطعي أسفل الأذن".

نائب عنان
واختار عنان جنينة نائباً له لشؤون حقوق الإنسان، في حالة فوزه في الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس/ آذار المقبل، قبل أن يلقى القبض عليه بواسطة الجيش. وواجهت حملة عنان ملاحقات أمنية، وتضييقات بهدف منعها من جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لخوض السباق، وصلت حد اقتحام منزل مدير مكتب عنان، مصطفى الشال، واختطاف شقيقه ونقله إلى مقر الأمن الوطني في محافظة كفر الشيخ، بالتزامن مع هجوم إعلامي ممنهج على المرشح الرئاسي المحتمل، ومعاونه جنينة، وربطهما بجماعة الإخوان، من دون دليل. 

وجرى الاعتداء على جنينة عندما كان في طريقه إلى المحكمة الإدارية العليا، لحضور جلسة الطعن على قرار إعفائه من منصبه، بموجب قانون عزل رؤساء الأجهزة الرقابية، الصادر من قبل السيسي، وأقره مجلس النواب فور انعقاده في يناير/كانون الثاني 2016، بعد كشفه عن وقائع فساد في أجهزة الدولة تُقدر بنحو 600 مليار جنيه خلال ثلاثة أعوام. وتم التداول بأنباء عن أن جنينة كان سيتقدم بطعن على استبعاد عنان من كشوف الناخبين، الثلاثاء الماضي، كونه لا يزال عسكرياً.

عزل جنينة
وأصدر السيسي قراراً بإعفاء جنينة من منصبه، في 28 مارس/آذار 2016، وتعيين رئيس نيابة أمن الدولة العليا، المستشار هشام بدوي، بدلاً منه، في حين صدر قرار قضائي بمنعه من السفر إلى الخارج، بعد التحقيق معه على خلفية البلاغات المقدمة ضده بشأن تصريحاته عن تضخم حجم الفساد داخل وزارات وهيئات وجهات سيادية. وعمد رئيس البرلمان، علي عبد العال، إلى تعطيل قرار النواب بالتصويت مرتين لصالح تشكيل لجنة تقصي حقائق بشأن تصريحات جنينة، في مقابل تمرير لجنة شكلها السيسي لتقصي الحقائق حول الفساد في مصر، والتي زعمت أن تقرير جهاز المحاسبات، برئاسة جنينة، مبالغ فيه، ويتعمد التضليل، بحجة أن التقرير "تجميع مفتعل لوقائع حدثت على مدار عشرات السنوات، من دون تصويب".

واعتبرت لجنة السيسي أن تصريحات جنينة المتكررة حول الفساد "تضر بمصالح البلاد في المرحلة الراهنة"، خاصة أن هناك منظمات أجنبية كانت تشارك في وضع دراسة قيمة الفساد في مصر، ما يؤثر على عملية جذب الاستثمارات داخل البلاد، مختتمة تقريرها: "الكلمة مسؤولية، والمحاسبة واجبة، والمعرفة من حق الشعب".

اتهامات للنظام
من جهتها، استنكرت حركة شباب السادس من إبريل، في بيان لها، "الاعتداء الذي وقع على جنينة، وسياسة تصفية الحسابات التي ينتهجها النظام ضد كل من يفكر في المشاركة في انتخابات الرئاسة"، محملة وزارة الداخلية مسؤولية سلامته. كذلك، دان حزب مصر القوية، "الاعتداء الهمجي الغادر" الذي تعرض له جنينة، محملاً بشكل صريح نظام السيسي الحاكم مسؤولية ما حدث. وقال مصدر مقرّب من جنينة: إن الاعتداء عليه لم يكن مجرد "قرصة وِدن"، حسب تعبيره، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن الأمر كان محاولة اغتيال كاملة الأركان، الهدف منها التخلص منه، خشية أن يتحول إلى زعيم معارضة جديد، خلال ولاية السيسي الثانية، خاصة بعدما حاول البعض، خلال الأيام الماضية، إقناعه بالترشح في الانتخابات الرئاسية، في أعقاب منع الفريق عنان. وأشار المصدر إلى أن قسم شرطة التجمع الأول تعامل مع الواقعة كأنها مشاجرة في الشارع، حيث احتجز جنينة في القسم، وهو ينزف، رافضاً استعجال سيارة الإسعاف لنقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، متابعاً "نظام السيسي في حالة ارتباك كبيرة، بعد إصرار عنان على رفض إصدار بيان اعتذار للسيسي، والقوات المسلحة، والتأكيد على انسحابه من السباق الانتخابي".

وتابع المصدر أن "تلويح عنان بكشف الكثير من الحقائق، في حال استمر التعامل معه على هذا النهج، جعل من الضروري إيصال رسالة له عبر جنينة، الذي ربما يكون لديه الكثير ليُقال بشأن العديد من الأحداث التي شهدتها البلاد خلال سنوات ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، وكان الفاعل فيها مجهولاً".

تعهد الفريق
كانت مصادر مطلعة قد كشفت لـ"العربي الجديد"، أن "عنان تعهد كتابياً بإعادة التحقيق في كافة قضايا الثورة، وقتل الثوار أثناء وعقب أيام الثورة، بما فيها القضايا التي ورد ذكر اسمه فيها كمتهم، خلال المرحلة الانتقالية الأولى، على أن يشرف جنينة (القاضي) بنفسه على تلك التحقيقات ليضمن نزاهتها، في حال فوز عنان بالاستحقاق الرئاسي". وأفادت المصادر بأن "الاتفاق المكتوب تم توثيقه، في حضور عدد من رموز العمل المدني، ليكون ضمانة لمن سيصوتون له، من أبناء القوى المدنية، وثوار يناير"، مشددة على أن "عنان أكد خلال تلك الوثيقة على أنه في حال ثبتت إدانته خلال تلك التحقيقات التي سيشرف عليها جنينة، لن يتوانى في تنفيذ نصوص القانون بشأنها".

مرشح رئاسي
وطُرح اسم جنينة كمرشح رئاسي، قبل إعلان عنان ترشحه، كونه يحظى بتوافق بين قطاع عريض من القوى السياسية المعارضة، في ضوء تصريحاته في مايو/ أيار 2017، عن أن "الترشح في الانتخابات الرئاسية حق دستوري وقانوني لكل مواطن، سواء انتمى إلى أحزاب من عدمه"، وتأكيده أن "جنسية زوجته الفلسطينية، لن تُشكل عائقاً، إذا ما قرر الترشح، لتمتعها بالجنسية المصرية أيضاً".

وتخرج جنينة من كلية الشرطة عام 1976، وعمل ضابطاً بمديرية أمن محافظة الجيزة، قبل انتقاله إلى العمل في النيابة العامة حتى أصبح قاضياً، ثم رئيساً لمحكمة استئناف القاهرة، وعُرف كأحد رموز "تيار استقلال القضاء"، الذي اشتهر بمعارضة نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ودعمه ثورة يناير، إلى أن ترشح لحقيبة العدل في حكومة هشام قنديل، إبّان حكم الرئيس السابق، محمد مرسي. وفي سبتمبر/ أيلول 2012، أصدر مرسي قراراً بتعيين جنينة رئيساً للجهاز المركزي للمحاسبات لمدة أربع سنوات، والذي يعد أهم جهاز رقابي على السلطة التنفيذية في مصر، ويهدف إلى الرقابة على أموال الدولة، ومحاربة الفساد في أجهزتها، والشخصيات العامة الاعتبارية الواردة في قانون الجهاز، إلى جانب معاونته مجلس النواب في تحقيق الرقابة والشفافية.

وكشف جنينة عن حصول وزير العدل في أول حكومة عقب الانقلاب، المستشار عادل عبد المجيد، على مبلغ مليون و142 ألف جنيه، بالمخالفة للقانون، وعارضه في قرار منح ضباط القوات المسلحة حق الضبطية القضائية، علاوة على فضح فساد وزارات كالكهرباء، والطيران المدني، ومنحها مكافآت مالية ضخمة، لقيادات أمنية كبيرة، من دون إذن صرف.

وشارك جنينة في إنجاز قانون عودة مجلس القضاء الأعلى عام 1984، وفي وضع مشروع تعديل قانون السلطة القضائية عام 1990، ولطالما طالب بتطهير جهاز الدولة من الفاسدين، بوصفه نجل المستشار أحمد جنينة، أحد أبرز رموز تيار الاستقلال في عهد الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، الذي كان ضمن القضاة الذين شملتهم مذبحة القضاة الشهيرة عام 1969.
وترشح جنينة لرئاسة مجلس إدارة نادي القضاة في العام 2009، ليستكمل مسيرة المستشار زكريا عبد العزيز، بالرغم من علمه المسبق بصعوبة المعركة التي خاضها ضد وزير العدل في حكومة الانقلاب لاحقاً، المستشار أحمد الزند، ليخسر الانتخابات ومعه قضاة تيار الاستقلال - باستثناء أربعة قضاة - وينتهي عهد سيطرة تيار الاستقلال على النادي.

صندوق السيسي
كانت "العربي الجديد" قد حصلت على معلومات موثقة من الجهاز المركزي للمحاسبات، تؤكد تلقي الجهاز تعليمات صريحة من رئاسة الجمهورية، بعدم مباشرة أي دور رقابي على أموال وأنشطة صندوق "تحيا مصر"، سواء على المستوى المحاسبي أو القانوني، كاستثناء وحيد من بين كل الجهات التي تدير المال العام، والتي نص الدستور المصري على خضوعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.

وكشفت المستندات عن صراع خفي بين أجهزة الدولة المسيطرة على الصندوق من جهة، وبين إدارة الجهاز المركزي للمحاسبات، برئاسة جنينة، قبل أشهر قليلة من صدور قرار السيسي بالتحقيق معه، ثم عزله من منصبه، بسبب رفض تلك الأجهزة خضوع الصندوق بأية صورة للرقابة، إلى حد لجوء الرئيس الحالي إلى استخدام سلطته المؤقتة كمشرع في غياب البرلمان، لإصدار قانون عزل رئيس الجهاز.

ولم يعلن صندوق "تحيا مصر" منذ إعادة تشكيل إدارته هوية مراقب الحسابات الذي تم التعاقد معه، كما لم ينشر أي قوائم مالية، بل إن مسؤولين في البنك المركزي اعتبروا في تصريحات صحافية المعاملات المالية للصندوق "سرية"، إلى أن تم تعيين ضابط الجيش، اللواء أكرم النشار، مديراً مالياً للصندوق، لترتفع درجة سرية أنشطة الصندوق، في ظل انعدام الرقابة الرسمية على المليارات من أمواله.

المساهمون