وجمعت لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأدلة والمعلومات الأساسية، فيما تعكف حاليا على صياغة تقريرها لإحالته إلى لجنة العدل في المجلس.
وتتولى هذه الأخيرة التي تلعب دور قاضي التحقيق، بناء قضية دستورية-قانونية ضد الرئيس، وتطلب إدانته من جانب مجلس النواب الذي يقوم هنا بمهمة المدعي العام، وبعد المرافعات والمداولات، يصوت هذا الأخير بالأكثرية على توصية، إما بعزل الرئيس أو برفض ذلك.
وإذا تم التصويت على عزل ترامب، يُحال قراره إلى مجلس الشيوخ الذي يقوم بدور المحكمة التي تفصل في الدعوى بقرار نهائي غير قابل للاستئناف ولا للتمييز.
وبعد حوالي أسبوع، تبدأ المرحلة الثانية مع لجنة العدل التي قد تعقد جلسات استجواب إضافية لاستكمال بناء حيثياتها القانونية، بحيث تأتي متماسكة بصورة موجبة ومؤثرة في الرأي العام واستطراداً في الكونغرس.
وفي وقت متأخر من مساء اليوم، حصل تطور جديد قد يفتح الباب للمزيد من التحقيق، إذ أفرجت وزارة الخارجية عن حوالي مائة صفحة تحتوي على نصوص المراسلات والاتصالات التي جرت منذ مطلع الربيع الماضي بين الوزير مايك بومبيو ومحامي الرئيس رودي جولياني، بشأن الملف الأوكراني.
وقد صبّ في هذا المجرى ما صرح به جون بولتون، ليلة أمس، عند عودته إلى واشنطن، إذ أفاد بأن الرئيس ترامب حاول إسكاته وبأن لديه ما سيقوله في الموضوع، كل ذلك من شأنه تسهيل مهمة لجنة العدل لإعداد قضية ضد الرئيس يبدو أنها باتت في حكم تحصيل الحاصل.
وبذلك تنتقل المحاكمة إلى طورها الثالث للتصويت على الإدانة والتوصية بعزل الرئيس، في مجلس النواب. وحسب التوقعات، يبدأ هذا الأخير مداولاته قبل منتصف ديسمبر/كانون الأول القادم، إلا إذا عقدت جلسات استجواب جديدة من شأنها تمديد المهلة.
والمعروف أن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي تدفع باتجاه تصويت المجلس على العزل قبل عيد الميلاد، والإسراع برفع القرار إلى مجلس الشيوخ، حتى لا تتداخل المحاكمة مع بدء انتخابات التصفية الحزبية بين المرشحين الديمقراطيين التي تبدأ في مطلع فبراير/شباط القادم.
وحتى اللحظة، يبدو أن العملية تسير حسب هذه الخطة، بحيث تدخل المحاكمة طورها الرابع والأخير قبل نهاية السنة وتصبح القضية بيد مجلس الشيوخ الذي يعود لقيادة الأكثرية الجمهورية فيه تحديد إطار ومدة المحاكمة النهائية.
الرئيس ترامب وضع نفسه في هذا الجو، وفريقه الجمهوري في مجلس النواب كتلة متراصة حوله، إذ لم ينقلب أي نائب من صفه ضده حتى الآن، ويحصر الرئيس تركيزه على مجلس الشيوخ، بحيث لا ينشق عنه أي جمهوري عند التصويت الأخير.
ومن هنا، وجّه ترامب دعوة، أمس الخميس، إلى ستة نواب "غير موثوق بولائهم" لتناول الغداء معه في البيت الأبيض، بعد أن صدرت عنهم تعبيرات تنم عن احتمال تصويت بعضهم أو جميعهم ضده، وفي ذلك لو حصل هزيمة سياسية له، وإن كان العدد لا يكفي لعزله، إذ يتطلب الأمر انضمام عشرين جمهوريا إلى الديمقراطيين لإنهاء رئاستة، وهو رقم غير متوفر في ضوء الانقسام الحاد، أو الانقسام الأعمى، كما يحلو للبعض وصفه.
ومع ذلك، هناك من لا يستبعد حصول خلخلة في التماسك الجمهوري إذا تكشفت خبايا من نوع "القنبلة اليدوية التي تنفجر في صاحبها وفي من حوله"، كما حذّر جون بولتون قبل استقالته، عندما عرف بالدور الذي يقوم به رودي جولياني في اللعبة الأوكرانية.
ويستحضر هؤلاء الانقلاب الذي حصل في صفوف الجمهوريين خلال الأيام الأخيرة من تحقيقات ووترغيت بعد انكشاف أمر شريط التسجيل بصوت الرئيس المتورط في محاولة التضليل والعرقلة للتحقيق. لكن هذا الاحتمال، كما يقول العارفون، أقرب إلى التمني، إذ أن المناخ السياسي آنذاك كان أرحب في اعتداله، والحزب الجمهوري لم يكن "مطواعاً" بيد الرئيس كما هو الآن.
وتهاوت دفاعات الجمهوريين في معظمها أمام إفادات الشهود، ويستقوي ترامب بالسياسة (في مجلس الشيوخ) لتعويض ذلك. وفي غياب ما يوازي شريط نيكسون، تبقى الغلبة للسياسة على حساب القانون، ولو أن بعض المرجعيات القانونية ترى أن "الأدلة الحالية كافية لعزل الرئيس" حسب أستاذ القانون الدستوري في جامعة هارفارد، لورانس ترايب.