محاكمات الفساد في الجزائر: قرب إسدال الستار وسط غموض عمليات استرجاع الأموال المنهوبة

18 سبتمبر 2020
الشارع يطالب بسرعة المحاكمات ومحاسبة الفاسدين (العربي الجديد)
+ الخط -

 

لم تحمل محاكمات رموز الفساد في الجزائر الأجوبة التي كان ينتظرها الشارع حول تفاصيل تزاوج المال بالسياسة، والسبل التي انتهجها الكارتل المالي في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لنهب المال، الذي كشفت تحقيقات الخزينة العمومية أنه فاق عشرات المليارات من الدولارات، فيما تبقى علامة الاستفهام الكبرى المطروحة حول مصير الأموال المنهوبة وكيف ستُسترجع في وقت شارفت فيه المحاكمات على طي صفحتها الأخيرة.

أرقام خيالية 
رفعت محاكمة ما يُعرف في الجزائر بـ"العصابة" في نظام الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، الستار عن حجم الفساد الذي نخر البلاد، ومدى تغول المال على القرارات السياسية، وهو ما يعكسه عدد الوزراء ورجال الأعمال المتورطين في الملفات التي فتحت أمام محكمة "سيدي امحمد"، أبرزهم علي حداد، زعيم الكارتل المالي والذي يعد واجهته، والإخوة كونيناف "الذراع الخفي" للكارتل.
وحسب تقرير الخبرة، الذي أعدته الخزينة العمومية الجزائرية، واطلعت عليه "العربي الجديد"، يحوز علي حداد على 55 شركة موزع نشاطها على الأشغال العمومية وأشغال المطارات والأشغال البحرية، بالإضافة إلى السياحة والفندقة والزفت، السيارات، الإسمنت، مكاتب دراسات، المواد الصيدلانية، الأشغال الحضرية، الأشغال الريفية، ميكانيك السيارات، الرياضة، الهندسة، أشغال المناجم والمقالع، صناعة الأحذية وأخيرا وكالات بيع السيارات، بالإضافة لعدة عقارات في الجزائر، عبارة عن شقق وفيلات، وفندق "HOTEL PALACE GRAND VIA" ببرشلونة الإسبانية، اشتراه بـ54 مليون يورو سنة 2011، وبقيمة حالية بلغت 255 مليون يورو، وشقة سكنية فاخرة بباريس.

وحول القروض البنكية التي استفاد منها مالك مجمع "ETRHB" للأشغال العمومية علي حداد، فقد أحصى تقرير الخزينة العمومية 457 قرضا بنكيا منذ 2010، بقيمة إجمالية فاقت 211 مليار دينار (1.6 مليار دولار)، 83 بالمائة منها من بنوك عمومية، استفاد منها بـ"مباركة وتحت حماية أعلى موظفين في السلطة التنفيذية (الحكومة)"، حسب الخزينة العمومية، وفي ما يتعلق بالصفقات العمومية، وحسب تقرير الخبرة الذي أعدته الخزينة العمومية، فإن علي حداد، وخلال الفترة الممتدة من سنة 2000 إلى 2019، استفاد من 257 صفقة عمومية، مستعملا نفوذه.
كما سجلت التحقيقات القضائية دخول حداد في مناقصات بشركات أجنبية، لتسهيل تحويل الأموال إلى الخارج. وبلغت قيمة الصفقات التي حاز عليها رئيس منتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تكتل لرجال الأعمال) سابقا، نحو 784 مليار دينار (6.2 مليارات دولار)، موزعة على مختلف القطاعات، وهو "المبلغ الذي استنزف من المال العام"، حسب محققي الخزينة العمومية.
من جانبهم، الإخوة اللغز "كونيناف"، طارق، نوح، بالإضافة لرضا، الذين لا يعرف الجزائريون عنهم سوى بعض الصور المتداولة، استنزفوا أموالا طائلة، مستفيدين من قربهم من عائلة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، إذ كشف تقرير الخبرة الذي أعدته الخزينة العمومية الجزائرية، تحوز "العربي الجديد" على نسخة منه، أن مجمل الصفقات العمومية التي حازت عليها شركات "كونيناف" فاقت 1400 مليار دينار، أي ما يفوق 11 مليار دولار، منذ سنة 2008، في قطاعات إنشاء السدود والطرقات وإنتاج زيوت المائدة، وذلك عبر شركات وهمية لا أثر لها في الجزائر، حيث كشفت التحقيقات أن الإخوة كانوا يمارسون "المناولة في الصفقات"، إذ كانوا يوزعون الصفقات على شركات أخرى مع أخذ عمولات مقابل ذلك.

علامات الاستفهام 
وإذا كانت المحاكمات قد انتهت بعقوبات قاسية، بلغت 18 عاما لحداد، وبين 17 و12 للإخوة كونيناف، فإن النهاية التي آلت إليها المحاكمات تركت العديد من "الأقواس مفتوحة"، خاصة في الجانب المتعلق بطرق تدخل رجال الأعمال في القرار السياسي لتحويله لصالح "عصبتهم"، وكيف تغول الكارتل المالي في الجزائر على مفاصل الحكم.
وفي السياق، أكد الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أنه "لا يمكننا التعليق على أحكام العدالة الجزائرية، فهي حرة في قرارها، لكن المواطن كان ينتظر إجابات كثيرة حول كيفية صعود حداد من مجرد مقاول بناء بسيط إلى صاحب ثاني أكبر ثروة في الجزائر، بأكثر من ملياري دولار، وكيف كان حداد يغير الوزراء والسفراء؟ وكيف أدخل كبار رجال الأعمال الجزائريين إلى البرلمان سنة 2017؟ وغيرها من الأسئلة".

وأضاف نور الدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المحاكمات ذهبت في الجانب التقني، أي كيف تحصل حداد والإخوة كونيناف وحتى ملاك مصانع تجميع السيارات على قروض دون تقديم ضمانات عبر اتصال هاتفي فقط؟ وكيف تنازلت الحكومة عن مؤسسات عمومية لهم بدينار رمزي فقط؟ وكأنه توجد نية لإفراغ المحاكمات من مضمونها الذي يهدد أركان النظام أو يعريه".

استرجاع الأموال 
عادت قضية استرجاع الأموال المنهوبة لتتصدر واجهة الأحداث في الجزائر خلال الأيام الأخيرة، بالموازاة مع مرور "الحيتان الكبيرة" على المحاكم. ويبقى السؤال الكبير الذي يبقى من دون إجابة في الجزائر ذلك المتعلق بمصير الأموال المسروقة وكيفية استرجاعها، وذلك منذ تاريخ المحاكمة الأولى لرموز نظام بوتفليقة، إذ لم تتحرك الجزائر بعد لاسترجاع أموالها، رغم أنها كانت من بين أولويات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في برنامجه الانتخابي.
ويرى المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا، عمار توهامي، أن "الحديث عن استرداد الأموال المنهوبة ليس بالأمر السهل ولكنه ممكن، خصوصا ما يتعلق بالأموال الموجودة داخل الوطن، عن طريق المصادرة من خلال القضاء".
وأوضح توهامي في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الطريق الدبلوماسي هو الحل الأنسب لاستعادة ما تم تحويله من أموال عمومية للخارج، ذلك أن الجزائر لا تملك اتفاقيات تعاون قضائي مع كل الدول".
وتابع المحامي الجزائري قائلا: "من غير السهل فرز الأموال المشروعة عن غير المشروعة التي ستسعى العدالة إلى استعادتها"، معتبرا أن "البنوك الأجنبية ستخلق مشاكل للسلطات الجزائرية في إعادة هذه الأموال التي قد تدوم إجراءاتها سنوات".
ورغم وجود ترسانة من القوانين التي تسمح للجزائر بإطلاق مسار استرجاع الأموال المنهوبة، يقول المحامي المختص في القضاء الدولي، عبد المجيد متليلي، إن "العملية لا تزال في المرحلة الإدارية، أي على مستوى العدالة التي تقوم بعملية جرد الأموال وفق اعترافات المتهمين وتصريحهم بممتلكاتهم وممتلكات عائلاتهم، أيضا عبر المعطيات التي تصل إلى العدالة من السفارات الجزائرية في الخارج التي تحوز على عناوين سكن المتهمين كونها المكلفة باستخراج وثائق المعنيين".
ويشير متليلي في حديث مع "العربي الجديد"، إلى ضرورة الإسراع في إجراءات حجز وتجميد ممتلكات وأموال المتهمين بالفساد، لمنع عائلاتهم من التصرف في الأموال والممتلكات المهربة وتحويلها إلى ما يعرف بدول "الجنات الضريبية" التي تستقطب الأموال غير الشرعية وتقوم بتبييضها وتوظيفها في بنوكها".

المساهمون