اعتبر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اليوم الجمعة، في أوساكا باليابان، أنّ "لا داعي للعجلة" لخفض التوترات بين واشنطن وطهران، تزامناً مع اجتماع دبلوماسي في فيينا برعاية الاتحاد الأوروبي لعرض إمكانات التحرّك الهادفة إلى منع انهيار الاتفاق النووي الإيراني.
وفي أول التصريحات حول نتائج الاجتماع الدبلوماسي في فيينا، خرج مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، مطمئناً، إذ قال إن الدبلوماسيين الذين اجتمعوا في فيينا "حققوا خطوة إلى الأمام" في الجهود المبذولة لإنقاذ الاتفاق النووي الموقع عام 2015، غير أن النتيجة اعتبرها "لا تزال غير كافية".
وأضاف عراقجي، بعد محادثات مع مسؤولين أوروبيين وروس وصينيين في فيينا، أن ما تم الاتفاق عليه يشكل "تقدماً جيداً"، قبل أن يتدارك "لكنه ما زال لا يفي بتوقعات إيران".
وفي إشارة إلى قرار إيران التوقف عن الالتزام بقيود معينة على المواد النووية بموجب الاتفاق، قال عراقجي "لقد تم بالفعل اتخاذ قرار في إيران بخفض التزاماتنا ونحن مستمرون في هذه العملية ما لم تتم تلبية توقعاتنا". ومع ذلك، أكد أن القرار النهائي سيكون لرؤسائه في طهران.
وأضاف "لا أعتقد أن التقدم الذي أحرزناه اليوم سيعتبر كافياً لوقف عمليتنا، لكن القرار لا يعود إلي".
وتابع عراقجي أن الأوروبيين أكدوا أن "انستكس"، الآلية التي أنشئت لتسهيل التجارة مع إيران وتجنب العقوبات الأميركية، "أصبحت الآن جاهزة والمعاملات الأولى تتم معالجتها بالفعل". لكنه أضاف "لكي تكون انستكس مفيدة لإيران، يتعين على الأوروبيين شراء النفط من إيران أو التفكير في خطوط ائتمان لهذه الآلية".
الصين بدورها تحدثت عن محادثات إيجابية، إذ قال مسؤول صيني إن إيران أرسلت رسالة "واضحة لا لبس فيها" بأنها ستبقى في الاتفاق النووي مع القوى العالمية بعد اجتماع مع بقية الموقعين عليه.
وصرح الموفد الصيني فو كونغ بعد مباحثات استغرقت ثلاث ساعات بأن الاتحاد الأوروبي أعلن أن نظاماً معقداً هدفه الحفاظ على التجارة مع طهران "بدأ تفعيله" دون الإدلاء بتفاصيل.
وتابع الموفد الصيني قائلاً "سمعنا من الجانب الإيراني بوضوح لا لبس فيه أنهم سيستمرون في هذا الاتفاق".
وعلى هامش الاجتماع، أعلن المدير العام لمراقبة الأسلحة في الخارجية الصينية، فو كونغ، للصحافيين، أن بلاده ستواصل استيراد النفط الإيراني رغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بعد انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018.
وقال "نحن لا نتبنى سياسة تصفير (واردات النفط الايراني) التي تنتهجها الولايات المتحدة. نرفض الفرض الأحادي للعقوبات".
ويهدف الاجتماع الدوري الفصلي اليوم لما يسمى بـ"اللجنة المشتركة"، التي تضم مسؤولين بارزين من إيران وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، إلى مناقشة تنفيذ الاتفاق.
وترى إيران في اجتماع اليوم أنه يمثل "آخر فرصة" لإنقاذ الاتفاق، محذرة من أنها لن تقبل أي حلول "ظاهرية" في ما يتعلق بالعقوبات الأميركية.
وقبل الاجتماع، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي، بحسب ما نقلته عنه وكالة "فارس" للأنباء، "أعتقد أن هذا الاجتماع قد يكون آخر فرصة للأطراف الباقية للاجتماع ومعرفة كيف يمكنها الوفاء بتعهداتها تجاه إيران".
وذكر موسوي أنه "على الرغم من دعم بقية الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي، لموقف إيران في عدة بيانات، فقد فشلت في اتخاذ أي خطوة تذكر".
تصريحات هادئة لترامب
وبالتزامن مع اجتماع فيينا، يجتمع زعماء العالم للمشاركة بقمة مجموعة العشرين، ولدى وصوله إلى أوساكا قال ترامب "لدينا كثير من الوقت. لا داعي للعجلة، يمكنهم أخذ وقتهم. لا يوجد إطلاقاً أي ضغط"، وذلك بعدما تحدث الأربعاء عن "حرب" ضدّ الإيرانيين على خلفية الحوادث العسكرية الأخيرة في منطقة الخليج.
وقطعت هذه التصريحات الهادئة مع استمرار الخطاب الناري، أمس الخميس، بين إيران والولايات المتحدة، وتحذير طهران لترامب من "وهم" ما وصفه بـ"حرب قصيرة" ضدّها.
ومن المتوقع أن تحضر الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران على جدول مباحثات قمة العشرين التي افتتحت أعمالها، اليوم الجمعة.
وكانت الولايات المتحدة قد أعادت عقب انسحابها من الاتفاق فرض عقوبات اقتصادية مشددة على الاقتصاد الإيراني.
وتشهد العلاقات المأزومة بين الولايات المتحدة وإيران منذ 40 عاماً توتراً شديداً منذ نحو شهرين على خلفية التصعيد في الخليج والقلق من سقوط الاتفاق النووي.
وبلغ التوتر مستوى جديداً إثر إسقاط طهران طائرة مسيّرة أميركية في 20 يونيو/ حزيران. وجاء ذلك في أعقاب وقوع عدد من الهجمات المجهولة المصدر ضدّ ناقلات نفط، وكانت واشنطن تحمّل مسؤوليتها لطهران التي تنفي بدورها.
وفي هذا السياق من التوتر المحموم، أشار ترامب، يوم الأربعاء الماضي، إلى احتمال اندلاع حرب قصيرة مع طهران. وقال "نحن في وضع قوي للغاية ولن تطول الحرب كثيراً، ولا أتحدث هنا عن إرسال جنود على الأرض".
وردّ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على هذا التصريح بالتحذير من أنّ "حرباً قصيرة مع إيران هي وهم".
والثلاثاء، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصال هاتفي إن "ايران ليس لديها أي مصلحة في تصعيد التوتر في المنطقة، ولا تسعى إلى الحرب مع أي دولة"، بما يشمل الولايات المتحدة.
رغم ذلك، فإنّ طهران تكرر تحذيراتها.
وفي محاولة لتهدئة المخاوف من اندلاع حرب، أعلن وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، مارك أسبر، أمس الخميس، أمام حلف شمال الأطلسي أن بلاده لا تريد الدخول في نزاع مع ايران. وقال "ما نريده هو الدفع إلى التفاوض على اتفاق (نووي) دائم مع إيران" التي ترى بدورها أنّ اتفاق 2015 غير قابل للتفاوض.
والتزمت طهران بموجب اتفاق فيينا عدم الحصول على سلاح نووي، وعلى تأطير برنامجها في مقابل رفع جزئي للعقوبات الدولية.
وكرد على عودة العقوبات الأميركية، أعلنت إيران في 8 مايو/ أيار نيتها تعليق تنفيذ عدد من التزاماتها في حال لم يساعدها الأوروبيون والروس والصينيون في الالتفاف على التدابير الأميركية.
وأشارت طهران إلى أنها باتت في حل من التزاماتها الواردة في اتفاق فيينا بشأن مخزونها من المياه الثقيلة واليورانيوم الضعيف التخصيب، وهددت بالتخلي عن التزامات أخرى ابتداء من السابع من يوليو/ تموز.
وكانت قد أعلنت في السابع عشر من يونيو/ حزيران أن مخزونها من اليورانيوم سيتجاوز ابتداء من السابع والعشرين من يونيو/ حزيران سقف الـ300 كيلوغرام المحدد في الاتفاق، لكن لم يصدر أي تأكيد أنه تم بالفعل تجاوز هذا السقف.
وأكدت مصادر دبلوماسية ذلك، فيما أرجع مسؤول إيراني التأخير إلى "سبب تقني"، وأشار إلى أنّ هذا التدبير سيبقى على جدول الأعمال.
(العربي الجديد، فرانس برس)