ومع دخول عقد ترانزيت الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية عامه الأخير، تسعى روسيا جاهدة في العام الحالي لاستكمال مشروعي "السيل التركي" و"السيل الشمالي-2" لنقل "الوقود الأزرق" دون المرور بأوكرانيا التي تراجعت علاقاتها مع موسكو إلى أدنى مستوياتها.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، شارك الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، في مراسم الانتهاء من بناء القسم البحري لـ"السيل التركي" البالغ طوله أكثر من 900 كيلومتر. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلن أردوغان بدء بناء القسم البرّي من خط الأنابيب.
كما يتضمن مشروع "السيل الشمالي 2" "مدّ خطين للغاز بطاقة إجمالية 55 مليار متر مكعب سنوياً من ساحل روسيا عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا.
ويوم الخميس الماضي، قضت محكمة سويسرية مختصة برفع الحجز المفروض على أسهم شركة غازبروم، في شركتي نورد ستريم، ونورد ستريم-2 المسؤولتين عن مدّ وإدارة جزء من أنابيب الغاز الروسي إلى أوروبا، وفق بيان للشركة الروسية.
وأضاف مولنار في حديث لـ"العربي الجديد" من العاصمة الفرنسية باريس: "لا تزال أوكرانيا اليوم هي الطريق الرئيسي لترانزيت الغاز الروسي، إذ عبر نحو 84 مليار متر مكعب من الغاز الروسي المورد من روسيا إلى أوروبا، بما فيها تركيا، في عام 2018 عبر الأراضي الأوكرانية. ويعادل ذلك نحو 42% من صادرات "غازبروم" إلى البلدان خارج رابطة الدول المستقلة".
وحول تأثير تدشين المشروعين الجديدين على حصة أوكرانيا في ترانزيت الغاز الروسي، قال: "تبلغ الطاقة التمريرية لـ"السيل الشمالي -2" 55 مليار متر مكعب سنوياً، بالإضافة إلى 31.5 مليارا لمشروع "السيل التركي"، مما سيقلل دور ترانزيت الغاز عبر أوكرانيا إلى حد كبير".
ومع ذلك، توقع مولنار أن يستمر "غازبروم" في ترانزيت الغاز عبر أوكرانيا حتى بعد عام 2019، وذلك لنقل ما يفوق إمكانات خطوط الأنابيب "السيل الشمالي-1" و"السيل الشمالي-2" و"يامال" و"السيل الأزرق" و"السيل التركي"، لاسيما في موسم الشتاء حين يزداد الطلب على الغاز بسبب تدني درجات الحرارة.
وقال رئيس شركة "نفطوغاز"، أندريه كوبوليف، في وقت سابق من يناير/كانون الثاني الجاري، إن أوكرانيا تجري مفاوضات في إطار ثلاثي بمشاركة المفوضية الأوروبية مع شركة "غازبروم" الروسية فيما يتعلق بترانزيت الغاز بعد عام 2019.
وسبق لرئيس "غازبروم"، أليكسي ميلر، أن أكد هو الآخر على استعداد الشركة للإبقاء على الترانزيت عبر أوكرانيا بعد عام 2019، وذلك بواقع 10 - 15 مليار متر مكعب سنوياً في حال أثبت الجانب الأوكراني الجدوى الاقتصادية من العقد الجديد.
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، توقع كبير الباحثين في معهد بلدان رابطة الدول المستقلة في موسكو، يوري بارانتشيك، أن تخسر أوكرانيا حصة كبيرة من ترانزيت الغاز الروسي بعد تدشين "السيل الشمالي-2"، ولن تعود منظومتها لنقل الغاز مربحة بسبب ضعف الإشغال.
وبدوره، أرجع الباحث الأكاديمي الأوكراني، إيغور سيميفولوس، استمرار التعاون في مجالي التجارة والطاقة بين روسيا وأوكرانيا إلى عدم إمكانية "إتمام إجراءات الطلاق بسرعة"، بعد أن كانتا جمهوريتين ضمن بلد واحد، وهو الاتحاد السوفييتي حتى تفككه عام 1991.
ومنذ توجّه أوكرانيا نحو التكامل مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وابتعادها عن روسيا، خاضت موسكو وكييف مجموعة من حروب الغاز، بلغت ذروتها مطلع عام 2009، حين أوقفت غازبروم إمداداتها إلى أوكرانيا التي ردت على ذلك بقطع خطوط الترانزيت. وأثناء تلك الأحداث، تجاوزت حرب الغاز نطاق الخلاف الثنائي بين البلدين، بل واجه المستهلكون في عدد من الدول الأوروبية نقصاً في إمدادات الغاز أيضاً.
وبعد أن ألحقت هذه الأزمة أضراراً وخسائر بجميع أطرافها، أبرمت موسكو وكييف في يناير/كانون الثاني 2009، عقود توريد وترانزيت الغاز عبر أوكرانيا حتى نهاية عام 2019 والذي بات يوشك على الانتهاء.