مجلس ممباسا.. ردّ شباب الأقليات على إخراجهم من التاريخ

07 مايو 2015
+ الخط -

أثار مجلس ممباسا الجمهوري الانفصالي في الساحل الكيني، ذو الأغلبية المسلمة، جدلاً واسعاً في الأوساط الكينية ما بين مبرئ ومتعاطف معه، ومتهم يرمي به في سلة الحركات الإرهابية والعصابات الإجرامية، والتي تنشط في كينيا بشكل كبير.

وتأسس المجلس في عام 1999، ضد ما اعتبره تهميشا سياسيا واجتماعيا لحق بالأقلية العربية والمسلمة منذ استقلال البلاد عام 1963، إلا أنه برز بشكل أكثر وضوحا في عام 2008، وذلك عندما كشف مطالبه الانفصالية علنا، وبدون أن يحمل السلاح في وجه الحكومة، ويدعو المجلس إلى انفصال الساحل الكيني، واتخذ المجلس شعاره " بواني سي كينيا" ومعناه "الساحل ليس من كينيا".

وردّاً على إعلان المجلس الانفصال، نفذت الحكومة حملة شرسة ضده، أدت إلى مقتل العديد من أعضائه واعتقال عشرات آخرين، بينهم رئيسه، عمر موامنوادزي، فيما بقي المجلس محظوراً ضمن قائمة تضم 33 منظمة، ما بين منظمة إجرامية وإرهابية في كينيا، إلى أن قررت المحكمة العليا في يوليو/تموز 2012 رفع الحظر عنه.

وعلى الرغم من أن المجلس لم يرفع السلاح لتحقيق مطالبه، إلا أن الحكومة ما زالت تطارده بتهمة الارتباط بحركة الشباب الصومالية، أو التعاون معها في تنفيذ هجمات إرهابية في الداخل الكيني.

وقد اتهمت الحكومة المجلس بالضلوع في عمليات إرهابية، نُفذِت في مقاطعتي لامو ونهر تانا في عام 2014، غير أن الأمين العام للمجلس نفى أن تكون له أية علاقة بتلك الاعتداءات الإرهابية، وربما يظل المجلس كبش فداء جراء التوجس الحكومي من مسألة الانفصال باعتبارها خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، لما تمثله منطقة الساحل من أهمية بالغة للاقتصاد الكيني، ومن الممكن أن تكون الاتهامات الحكومية أيضاً حيلة للتغطية على فشل الحكومة في معالجة انعدام الأمن في الساحل، والذي بات مسرحا لعمليات إرهابية منذ دخول الجيش الكيني إلى الصومال 2011.

ففي حين أنه من الصعب التأكد من شعبية المجلس في المنطقة الساحلية، فإن المظالم التاريخية في المنطقة تجد صدى لدى الغالبية العظمى من السكان المحليين، ففي الوقت الذي يملك فيه 62 % من الأشخاص القادمين من أجزاء أخرى من كينيا، والذين استقروا في المنطقة الساحلية، سندات وصكوكاً لملكية أراضيهم، لا سيما قبيلة الكيكويو المتهمة باستئثار السلطة والمال، فإن 38٪ فقط من السكان الأصليين يمتلكون سندات ووثائق لأراضيهم، وفقاً لتقرير أصدرته مفوضية الأراضي الكينية في عام 2011.

ولذلك، فإن عملية الانفصال ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة الأرض والتهميش السياسي والاجتماعي في المنطقة الساحلية، ومع أن المنطقة الساحلية تمثل عصب الحياة ومركزاً سياحياً مهماً لكينيا، ويقع فيها أكبر وأهم ميناء في شرق ووسط أفريقيا، ويخدم عدة دول، من بينها أوغندا ورواندا وبروندي وجنوب السودان والأجزاء الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، فإن معدلات الفقر تفوق الخيال، حيث جاءت المنطقة الساحلية في المرتبة الثانية فقراً بعد المناطق الشمالية الشرقية، حسب المكتب الوطني للإحصاء 2007.

وعلى عكس المجموعات السياسية الأخرى، التي ظهرت في كينيا، فإن معظم أعضاء المجلس هم من الشباب، ومن مناطق الريف تحديدا، وتعود الأسباب الجذرية، وراء انضمام هؤلاء، إلى الفقر المدقع والبطالة وانتشار المخدرات والتهميش السياسي وعدم إتاحة الفرص التعليمية من جهة، والضغط الأمني الذي تمارسه الأجهزة الأمنية الكينية عبر فرضها إجراءات صارمة على الفئات الشبابية بدعوى محاربة الإرهاب، مما أدى إلى تصفية البعض منهم خارج نطاق القضاء من جهة أخرى.

وذكرت تقارير حقوقية بأن الشرطة الكينية قتلت 143 شخصاً تتراوح أعمارهم ما بين 21-40 سنة في عام 2013، حيث أُعدمت غالبيتهم من دون محاكمة، حسبما جاء في تقرير صدر في مارس/ آذار 2014، عن الوحدة الطبية القانونية المستقلة، إضافة إلى تقارير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فيما كشف تقرير الجزيرة الوثائقي "فِرَقُ الموت" عن إعدامات خارج سلطة القانون تنفذها وحدة مكافحة الإرهاب.

وفي ما يتعلق بمصدر التمويل للمجلس، أثارت بعض الدوائر الكينية شكوكاً حول مزاعم بأن رجال أعمال وقادة سياسيين يقدمون دعماً مالياً للمجلس، وعلى هذا فتحت الحكومة الكينية تحقيقاً مع عدة نواب في البرلمان وعدد من رجال الأعمال بتهمة تمويل المجلس، ويأتي ذلك في ظل حالة الفقر التي تسود في أوساط قيادات المجلس، لدرجة أن رئيس المجلس والأمين العام لم يتمكنا من دفع مبالغ مالية فرضتها المحكمة كضمان مقابل إطلاق سراحهما، في وقت سابق من العام الماضي.

ولئن كانت مطالب المجلس مشروعة، فإن الدستور الكيني الجديد، الذي تمت إجازته عام 2010، يمنح الأقاليم الكثير من الصلاحيات للحصول على حقوق أفضل، وبالتالي فإن المجلس يمكن أن يحقق مطالبه ضمن الإطار الوطني وعبر استحقاقات دستورية بحتة دون أن يلجأ إلى خيار الانفصال، غير أنه لا توجد أيضاً ضمانات لتلك الحقوق في ظل تلكؤ المركز عن تطبيق الدستور الجديد بحذافيره، مع ما يسود القيادة المركزية من ضبابية حول الإصلاحات الدستورية، وخاصة بعد أن أجرت الحكومة الكينية تعديلات في ديسمبر/كانون الأول الماضي على بنود أساسية في قانون الأمن والإرهاب، مما قد يمهد الطريق إلى إمكانية تجرؤ الحكومة على اتخاذ خطوات أخرى في مجال توزيع الثروة على المناطق، والتي بدورها ستؤثر سلباً على التنمية المتوقعة في إطار الدستور الجديد.


(كينيا)

المساهمون