مجرد اعتذار بسيط

07 ابريل 2015
منى حاطوم / فلسطين
+ الخط -

أول قناة تابعتها في حياتي
القناة التي فتحها أبي بين شجرة وشجرة
في نظام الريّ القديم.

***

من أعرف أن رحلاتهم حزينة،
لا أكفّ عن القول لهم:
رحلة سعيدة.
بالأماني فقط أتدخّل في شؤونهم.

***

ليست قصيدة ما قرأتَ
يا صاحبي.
إنها مجرد اعتذار بسيط
لكلمة عادية،
كان يجب عليّ أن أفتتن بها
منذ عرفتُ الكلام.

***

اضحك بمفردك،
أنا لا أطلب منكَ أن تشركني
بهذه الوسيلة.
صحيح أنّ غيري قد يلومك
كما لو أنك تأكل ما يشتهيه
ولا تطعمه..
المهمّ بالنسبة لي، وأنتَ في طريقي إلى المقبرة:
أنكَ وأنتَ تضحك
لا أستعمل لوصف حالتك
مفردات حزينة.

***

كم كسرْنا أسماءنا في الصغر،
كم شوّهناها،
كم كرّرنا فتنة تكسير الأشجار،
وصناعة المتاهات بأيدينا على أوراق بيضاء؛
ونحن نتدرّبُ على إمضاء
يميّزنا عن غيرنا في المعاملات.

***

حتّى البكاء كان فكرةً،
وكان لعبةً
في طفولتنا..
كنا عندما نبكي
على أيّ شيء؛
نستدرجُ الدمعَ لشفاهنا
ونتذوّقه.

***

لم أخبرك عن كذبة من كذباتي وأنا صغير:
في اختبار فحص النظر ضربني الطبيبُ على كتف ذنوبي،
لأنني أخطأتُ تحديدَ اتجاهات الإشارات
ونظري سليم.
وكنت أطمح، في الحقيقة، بنظارة
إعجاباً بدمعة رجل بكى
في فيلم من خلف نظارة.

***

رأيت أطفالاً كثيرين
وزعت محاسنهم على نفسي:
قلت للأول:
كان شَعري جميلاً في طفولتي مثل شعرك.
قلت للثاني:
كنتُ أحبّ كلّ ما حُرمتُ منه
أكثر مما تحب ما في يدك الآن.
قلت للثالث:
أمي اشترت لي ساعة
كالتي خرّبْتها من فرحك بها الآن،
قلت للرابع:
أبي كان كأبيكَ شاباً جميلاً.
وقلت للخامس:
لا تكبر مثلي يا حزين.

***

أجلس قرب النار،
أفكّر ببرودة أعصاب،
ثمّ أردّ عليّ
بأفكار كالماء
الذي يُوصى بأن يكون فاتراً
عند العجين.

***

حلمتُ أني طفلٌ
وأنّ لي حصّالة نقود
في شكل أذنٍ
نسمع أنا وهي
الموسيقا.

***

حافياً
وراء هواية الحب
أجمع الزجاج،
وأرجمه بالحصى
عقاباً لانكساره الأول،
ولأسمع
الموسيقا.

***

لأخفّفَ من روعي
أمشي على الجسور..
أصعد التلال،
وظهرَ بيتي،
لأصلح الطقس.

***

حداداً على الغرقى
سأعود إلى الورق وأتعلّم من جديد
كيف تصنع القوارب.

...

والوفاء بيت عزاء
في صهد الظهيرة،
خالٍ إلا
من أهل الفقيد.

***

المشي وحيداً
وبعيداً في طريق العودة وراء الجنازة،
لرؤية الناس وردة
تتفرق في كل اتجاه.

***

شراع لفظه البحر
كجثة
صنعنا منه خيمة،
وكيساً للعطايا له خط أحمر -
علامة الحكايات
التي تروى
لوصف ثراء رجل فاحش.

***

يدي قاربٌ
دائماً مقلوب
لكثرة ما أنادي بها على غريق
وأصرخ: تعالَ تعال..
يدي أغنية
يردُها النهر إذا عطش،
ويدك سكينة القارب.
أعطيكِ فمي،
وآخذُ من عينيك الماءَ
به أستدلّ على غرقى
لا أعرفهم
لأنهم يظهرون
إلى أعالي الشجر
فقط بأسماء عائلاتهم.

***

فعلنا أشياءَ كثيرةً سيئةً
في الحياة..
لو كنّا عادلين في أفعالنا،
وكان النصف الأول منها سيئاً
والنصفُ الآخر حَسَناً،
كنا سنمشي إلى الله
متوازنين.

***

لديّ أخطاء
غير مقصودة في الحياة،
مثلي مثل ميكانيكيّ يَفرك يديه برمل
لم تصبه بذرةٌ أو رصاصة؛
بعدَ إصلاحه سيّارة
ستقلّ عائلة خارجَ الحرب..
ثمّ يغسلهما بالماء
وصابونة بيضاء وضعها على الحجر،
ونسي أن يغسلها من سواد يديه.

***

واقفـاً على عتبة بيت خشبيّ
بين قدمي وقدمي هدنة
ورباط حذاء محلول.
تقول عيناي إلى بياضِ صاحبي الجَبَل
أنني رملٌ بملابس النوم،
وأنني دليلُ صاحبي
إلى ما فيه.

***

أحب يدي..
أقلبها كرغيف.
ولا أكف عن إلقائها في الهواء
كليرة من ذهب.
وتحديداً الآن،
أذكرها بالجروح التي أكلتها
وهي تفتح المعلبات.

***

كلّما التقطتُ خُبزة عن الأرض قبّلْتها،
وكلّما التقطتُ ريشةً..
صار فمي خبزاً لكم، وطيراً.
والشعر الذي أقوله في الطريق ولا أكتبه،
يذهب طعاماً للطيور.

***

ما حاجتي لكلّ هذه الطيور؟
لو طائر فقط:
حرٌّ و وحيدٌ في السماء كدكتاتور،
و دائم التحليق فوق الأرض،
فلا يحطّ ليأكل أو يشرب منها..
وفوق النهر بعلوّ منخفض
ليحسنَ الناسُ المشيَ على ظلّه
إلى الضفة الأخرى!

***

أسماء كثيرة للسيف
ما تغلّبَتْ عليه.
أسماء كثيرة للورد،
انتشرتْ
ولكن عندما نُحبّ
نسمي الوردة وردة.

***

محبّتي للحياة أكبر من همومها.
وبعضُ الناس مقبرة..
يقتلك في داخله،
ويَظلّ يتحسّس عظامَك التي تُوجعه.

***

هربنا إلى الحياة،
والعدوّ وراءنا يلهث.
ولم نتعبْ
إلا من لهاثنا الذي أثقل أكتافنا
ونحن نتلفّت.
وسقطنا في الهاوية،
لأننا كنّا نسيرُ على البركة،
البركة التي نقصتْ.


* نصر جميل شعث 

دلالات
المساهمون