مثل العراق.. وأكثر!

08 أكتوبر 2019
+ الخط -
أحد أكثر المبرّرات تكراراً في الخطاب الإعلامي المصري هو: تحمّلوا عبد الفتاح السيسي، فذلك أفضل من أن نكون مثل العراق وسورية. كثيرون حاولوا التنبيه إلى أن سياسات السيسي هي نفسها سياسات أحمد الجلبي، ونوري المالكي، وغيرهما من وكلاء الأميركان تارة، والإيرانيين تارات أخرى، وأن العراق، على الرغم من اختلافات جغرافية وسياسية وتاريخية، ليس بعيدا على أي حال. الآن، ثورة في العراق، انتفاضة في بغداد والناصرية والعمارة والحلة والنجف والبصرة، الشباب غاضبون، يطالبون برحيل اللصوص، والتحرّر من الكفيل الإيراني. انظر إلى خريطة الأزمة المصرية بتمعّن، وركّز معي: في العراق، بلاد نهري دجلة والفرات، أزمة في الماء، أخرى في الكهرباء، ثالثة في التعليم، رابعة في الصحة والمستشفيات والأدوية. أما الفساد فهم في المركز الثاني عشر، وفقا لمنظمة الشفافية العالمية. وبدلا من تحميلها الفاسدين مسؤولية تخريب البلاد، قرّرت الحكومة تحميل الفاتورة على المواطنين، و"بيع الأرض"، تيران وصنافير عراقية تقدر بـ150 مليار دولار، وفقا لتقدير لجنة الاقتصاد في البرلمان، أرض الدولة ومبانيها الأثرية، في المزاد قريبا، وذلك بعد صفقة بين الحكومة و"المشتري" على "تسليك" نصف المبلغ عمولة، و"تحيا العراق"! 
في العراق انتفاضة شعبية. حكومتهم قطعت الاتصالات والإنترنت، شرطتهم تطلق الرصاص الحي، "عمرو أديبهم" أعلن عن وجود مندسّين وسط المتظاهرين، يخرّبون ويدمّرون ويتآمرون. وطالب المواطنين الشرفاء بدعم أجهزة الدولة في إجراءاتها للحفاظ على الأمن والاستقرار، "محمد بن سلمانهم" و"تركي آل شيخهم" أعلنا أن الثورة مؤامرة أميركية "قطرية"، عفوا، أميركية سعودية، جاء ذلك على لسان عضو هيئة رئاسة مجلس خبراء القيادة في إيران، عباس كعبي، والذي قرأ من نوتة حبيب العادلي، مكملا: معسكرات خاصة أُقيمت لتدريب مثيري الشغب، وبعض ضباط أجهزة المخابرات البريطانية والأميركية والسعودية تم نشرهم في العراق، بهدف التنظيم، وإقامة الخلايا المثيرة للاضطرابات"، شيوخهم، وشيوخ حلفائهم، يَرَوْنها مؤامرة على الإسلام (الشيعي). خطيب جمعة طهران، محمد إمامي كاشاني، اتهم الأميركان والصهاينة بتدبير المظاهرات، لعرقلة إحياء مراسم أربعينية الحسين في أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وقال، في خطبة الجمعة، إن أميركا والكيان الصهيوني يستهدفان الأربعينية والعراق، ويثيران أزمةً، لأن من الصعب عليهما قبول وجود ملايين "الزوار الشيعة" في كربلاء"! 
استمرّت المظاهرات، على الرغم من كل ما سبق. تزايدت حدّة الاحتجاجات. هتف المتظاهرون برحيل ناهبي ثروات العراق. من جديد: راجع مذكّرة أحوال الأمن المصري مع "فكرة" التظاهر بعد فيديوهات المقاول والفنان محمد علي، وتعال نُكمل ما يحدث في العراق: اعتقال المتظاهرين من الشوارع، اعتقال الجرحى من المستشفيات، اعتقال النشطاء غير المشاركين من بيوتهم على سبيل الاحتياط. وصل الأمر إلى مداهمة بيت الناشط حسين عادل في البصرة وقتله هو و"زوجته!" على سبيل التهديد للباقين! لكنه لم يصل بعد إلى القبض على الطلبة الأجانب والسائحين واتهامهم بالتآمر وإجبارهم تحت التعذيب على قراءة ورقة اعترافات بالعامية المصرية، وإرسالها إلى إعلامي مخبر، ليذيعها بوصفها فتوحاتٍ أمنية.
ما زال العراق في الشارع، وما زالت أعلامه التي تشبه أعلامنا في أيدي شبابه، وما زالت الآلة القمعية، والإعلام الفاسد، ومشايخ الكذب والتضليل، عاجزين عن توقيف الحراك. مئات القتلى والمعتقلين، آلاف المصابين، قد يستمر هذا كله وقد ينتهي، إلى حين. تخبرنا تجربة السنوات الماضية أن الاستمرار لا يعني الوصول، كما أن التوقف لا يعني التراجع. لدينا شباب رأى العالم من حاسوبه، لم يعد يصبر على السرقة باسم الوطنية، والنهب باسم الاستقرار، واسترقاقه حيا واستباحة دمه ميتا باسم الدين، أو المذهب. منذ عام 2011 لم يتوقف قطار الثورات العربية، على الرغم من كل ما عانيناه في مصر وسورية وليبيا واليمن. لدينا دول بلغت من العمالة والفساد ما يستحيل معه استمرارها، ومن القوة والدعم الإقليمي والدولي ما يستحيل معه إزاحتها بالكامل. وعليه، فإن الخراب، وحده الخراب، مصير الجميع. الفرق أن المسؤول يظل مسؤولا، يبدأ من عنده الحل، والمسحول يظل مسحولا، لا يملك إلا الصراخ.