مثقفو الجزائر: في متاهة بوتفليقة

20 ابريل 2014
بوزيد حرز الله
+ الخط -
يشهد الوسط الثقافي في المنطقة مؤخراً عودة جماعية للمثقفين عن استقالاتهم غير المعلنة من الشأن العام. ولا يكاد يمرّ يوم بعد 2011 من دون أن نسمع عن حراك هنا وهناك أو بيان تأسيسي لحركة سياسية عمادها مثقفون، أو مداخلة ميدانية لأديب أو كاتبة في صلب الحراك الاجتماعي في بلديهما. والجزائر (اليوم بالذات) في الصلب من كل هذا بطبيعة الحال السياسي المكفهر فيها.

ففي الأيام التي سبقت "انتصار" رأس النظام في الجزائر في معركته للبقاء على كرسي حكمها (تخللها تناقل صوره [التاريخية] وهو يقترع لنفسه بالإيماء لشدة مرضه)؛ تلقى عبد العزيز بوتفليقة (77 عاماً) سيلاً من المناشدات والدعوات والتوبيخات من المثقفين في البلاد كي يترك كرسي الحكم لمن أهو أكفأ منه، لأنّ رصيده السياسي "لم يعد يبشر بالكثير".

سيدي الرئيس: أنتم مبعثٌ للشفقة

والاقتباس الأخير هو واحد من اعتراضات عديدة ضمّنها مؤخراً 110 من مثقفي الجزائر المعروفين بياناً أسموه "رسالة إلى السيد رئيس الجمهورية وإلى الرأي العام". نددوا فيه بنصف قرن من الاستحواذ على السلطة من طرف الجيل القديم، وطالبوا بوتفليقة بـ"العمل على تجنيب البلاد هزة أخرى" بسبب تشبثه بهذه السلطة، مذكرين إيّاه بما حدث لسلفه الشاذلي بن جديد: "لقد عرفنا مثل تلك الأحداث سنة 1988 من نزول آلاف الشباب إلى الشارع للاحتجاج على سوء المعيشة، ما نجم عنه انفتاح سياسي بعد 26 سنة من الحكم الأحادي".

كما وجّه شاعران جزائريان (قبلها) رسالة مفتوحة أخرى إلى بريد الرئيس الحالي يصفان فيها قراره بترشيح نفسه لعهدة إضافية بـ"الخطأ الجسيم"، متهمين القائمين على حملته الانتخابية بأنّهم يسعون للتغطية على "محصّلات الفشل" الذي رافق سنوات حكمه الطويلة (منذ 1999)، ناهيك عما وصفاه بـ"سيلان المال العام بلا رقيب ولا حسيب".

رسالة أخرى من المفترض أنّ بوتفليقة قد تلقاها أرسلها له الشاعران بوزيد حرز الله وعادل صياد، وخاطباه فيها بلهجة تقريعية قائلَين: "باتساع دائرة المنتفعين من شتّى الأحجام والأشكال، صرتم أقربَ إلى [الرهينة] منكم إلى [الرئيس]، ويكفي أن تلاحظوا الحراك الجاري ضدّ استمراركم في الحكم، لتنتبهوا إلى أنَّ الأمرَ صار معقّدا، ولم تعودوا تحوزون تلك الثقة بقدر ما صرتم مبعثا للشفقة".

وسبق للكاتب والصحفي الجزائري مصطفى بن فوضيل أن أعلن مع مجموعة الصحفيين والحقوقيين والأطباء والطلبة عن تأسيس حركة "بركات" الشهر الماضي ليس لـ"مكافحة" آفة إصرار ترشح بوتفليقة مجدداً فحسب؛ وإنما لـ"التأسيس للجمهورية الثانية التي تكون فيها السيادة للشعب والدستور".


القصر يستدعي الاحتياط

وسرعان ما حاول النظام القائم الردّ "آرتيستياً" على دعوات المطالبة بتنحيه عبر تنظيم "جوقة" غنائية من 60 فناناً جزائرياً عزفت على الانترنت لحن الولاء للسلطة القائمة عبر مقطع فيديو باسم "تعاهدوا مع الجزائر" (عنوان حملة بوتفليقة الانتخابية). لكنّ استهجان أزيد من 10 آلاف مشاهد للاستعراض "الفنو-سياسي" الذي كان المايسترو فيه مغني الراي الشهير "الشاب خالد"؛ دفع شركة "يوتيوب" إلى حذف الفيديو إيّاه أوائل الشهر الحالي. أي بعد أقل من يومين على بثه أول مرة.

كما ووجهت حملة الدعاية الانتخابية التي أطلقها بوتفليقة بكثير من التساؤلات بعد ثبوت عجز الرئيس الحالي عن حضور أي نشاط شعبي فيها، أو مخاطبة ناخبيه (ولعامين سبقاها)، بسبب عدم تعافيه التام من المرض. حيث وصف مراقبون تلك الدعاية بأنّها حملة "بالوكالة"، وتفضح عجز الرئاسة الحالية عن تحمل أعباء مسؤولياتها المقبلة.

علاوة على ذلك، تعرض موقع بوتفليقة على شبكة الانترنت (للمرة الثانية) الشهر الماضي إلى قرصنة إلكترونية من مجهولين دفعت إدارته إلى إغلاقه بعد أن وسم المخترقون واجهة الموقع بعبارات تندد باستمرار بوتفليقة في الحكم مثل" "ارحل"، و"لا لحكم المفسدين والمستبدين"، و"قاطعوا بكثافة مهزلة الانتخابات الرئاسية 17 أبريل 2014"، و"لا لحكم العكاز والكرسي المتنقل". وأبدى ناشطون على تويتر فيما بعد خيبتهم من نتائج "الانتخابات" الرئاسية الجزائرية منذ أيام، حيث علّق أحدهم بالقول: "بعد فوز بوتفليقة، لن أفاجأ إذا ترشّح توت عنخ أمون للرئاسة المصرية"!

وختم الشاعران الجزائريان حرز الله وصياد رسالتهما بإعلان دعمها لرئيس الوزراء الأسبق علي بن فليس (مرشح الرئاسة المنافس لبوتفليقة)، وعدّا خيار انتخابه "فرصةَ حقيقية للخروج من الانسداد، ووضع حدّ للمغامرين والمقامرين". ووجها نداء للصامتين منَ الكتاب والمثقفين بـ"ألاّ يبقوا خارجَ مجال [التغطية] بانتظار اتجاهات الريح وإيعاز [الخلف درْ]. فلقد حانَ وقتُ التغيير والمشي بالاتجاه الصحيح إلى الأمام".

المساهمون