بعد خمسة أيام على وقوعه، لا تزال الصدمة التي خلّفها انفجار مرفأ بيروت ماثلةً للعيان؛ فالانفجار الذي يُعدّ الأكبر في المدينة التي شهد تاريخها المعاصر العديد من الحروب والاعتداءات، لا يزال يُخلّف ضحايا وخسائر لم تنفك ترتفع لتصل حتى الآن إلى 154 قتيلاً يُضافون إلى المفقودين وآلاف من الجرحى، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية الكارثية.
تحت عنوان "الحياة للبنان"، وقع أكثر من مئة وخمسين كاتباً ومثقفاً بياناً يدعو إلى التضامن مع اللبنانيّين وإنقاذ لبنان من الانهيار.
اعتبر البيانُ الذي بادر إلى إطلاقه الشاعران المغربي عبد اللطيف اللعبي واللبناني عيسى مخلوف، أنَّ الكارثة التي ضربت لبنان وعمّقت جروحه "جاءت في وقت يمرّ فيه هذا البلد بإحدى أكثر اللحظات سواداً في تاريخه، بل اللحظة الأكثر سواداً حتّى من الحرب الأهليّة التي دامت خمس عشرة سنة؛ فالحرب التي انتهت منذ ثلاثين عاماً، لم تنته معها الظروف التي ولّدتها بل ازدادت تعقيداً، سواء مع التدخّلات الأجنبيّة، الإقليمية والدولية، أو مع زعماء الطوائف الذين يحكمون لبنان ويتعاطون معه كغنيمة حرب. وهم لا ينفكّون يعملون على تكريس الانقسام الأهلي المرادف لسلطتهم وبقائهم في الحكم".
وذكّر الموقّعون بالحراك الشعبي الذي شهده البلد في السابع عشر من شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، بوصفه "انتفاضةً هي الأولى من نوعها في تاريخ لبنان الحديث، لأنها تجاوزت الاصطفافات الطائفية والانقسامات المذهبية والمناطقية والحزبية"، مشيرين إلى مطالب المتظاهرين "بالإصلاح والتغيير، وبإعادة المال المنهوب وإسقاط الطبقة الفاسدة التي ساهمت أيضاً في زجّ لبنان في صراعات خارجيّة ومواجهات مستمرّة، وجعلته يفتقر إلى أبسط مقوّمات الدول ويعجز عن إيجاد حلول للمسائل الأولية كالماء والكهرباء والنفايات".
كما أشار البيان إلى "شرعة الإنقاذ الوطني" أطلقتها مؤخّراً "مجموعة من الناشطين والكتّاب والمثقّفين المؤمنين بأهداف انتفاضة 17 تشرين"؛ حيث دعت إلى "إعادة تشكيل السلطة، لا سيّما من خلال تأليف حكومة مستقلّة عن المنظومة الحاكمة، وإجراء الانتخابات النيابية، وتوحيد الجهود في إطار ائتلاف عريض جامع ومشترك من أجل إقامة دولة مدنية ديموقراطية ترتكز على حكم القانون وتسودها معايير المساواة والعدالة الاجتماعيّة".
ويُضيف البيان: "مع انهيار الوضع الاقتصادي، واحتجاز أموال المُودعين في المصارف، وتردّي الوضع الاجتماعي والمعيشي والثقافي، وبعد أن هرَّب المتموّلون الكبار، ومعظمهم من الطبقة السياسية الحاكمة، أموالهم إلى الخارج، بات لبنان يتخبّط في مشاكله التي تتفاقم يوماً بعد آخر، وهي مشاكل لا تجعل البلد على حافّة الانهيار فقط، وإنما تهدّد وجوده بالكامل".
ويعتبر الموقّعون أنَّ هذا التهديد "لن تكون انعكاساته على لبنان وحده فحسب، وإنما أيضاً على المنطقة بأكملها، خصوصاً بعد الذي حدث في سورية والعراق. إنّه إطاحة المعقل الأخير للتعدّد والتنوّع والانفتاح في تلك البقعة من العالم. وهو أيضاً إنهاء لدور لبنان كصلة وصل بين الشرق والغرب، وكرئة لفكرة الديموقراطية ومركزية الثقافة في المنطقة العربية. لبنان الإبداع والحرّية والأفكار لا الظلاميّة والفكرة المُطلقة الواحدة. لبنان العلم والجامعات والثقافة والفكر النقدي. لبنان القادر على الانخراط في مشروع عصري حضاري وفي حوار متكافئ مع بقيّة الثقافات، لبنان الأنوار هذا مهدّد بالموت، وموته يعني اتّساع مساحة التعصّب والتطرُّف والطغيان والإرهاب والغرائز الطائفيّة الفالتة من عقالها".
ويختم البيان: "نحن اللبنانيين ومحبّي لبنان في جميع أنحاء العالم نؤكّد هنا رفضنا الاستسلام لهذه الكارثة. ننحني اليوم أمام ضحايا الرابع من آب/ أغسطس ونتضامن مع أهلهم وعائلاتهم معتبرين أنّ خسارتهم هي خسارتنا جميعاً. ولكي تكون الكلمة الأخيرة للحياة، فإننا نعرب عن دعمنا الكامل لحراك المجتمع المدني الذي سيواصل نضاله من أجل لبنان جديد تتحّقق فيه دولة القانون المحرَّرة من القيود الطائفيّة، والضامنة للجميع حقوق وحرّيّات المُواطَنة الكاملة".
من بين الموقعين على البيان: عبّاس بيضون ويمنى العيد ونجوى بركات و شوقي بزيع ولِلي فرهود وفينوس خوري غاتا وجبّور الدويهي ووديع سعادة وجوزيف عيساوي ومحمّد ناصر الدين من لبنان، وعائشة أرناؤوط وسمر يزبك من سورية، وليلى شهيد ويحيى يخلف وليانة بدر من فلسطين، والطاهر بكري والحبيب السالمي من تونس، وماحي بينبين ومحمد مليحي وحسن نجمي وعلي أومليل وعبد الهادي السعيد من المغرب، وعبدالله حبيب وسيف الرحبي من عُمان، والحبيب طنغور ومصطفى بوطاجين من الجزائر، وإنعام كجه جي وعالية ممدوح من العراق، وأمين صالح وأنسية فخرو وقاسم حداد من البحرين.
كما وقعته أسماء عالمية، من بينها: الفيلسوف وعالم الاجتماع إدغار موران والشاعر والناشر فرانسيس كومب والشاعر أندريه فيلتير والشاعر بيار أوستير من فرنسا، والشاعر والروائي جان بورتانت من اللوكسمبورغ، والشاعر نونو جوديس من البرتغال، والكاتبة الكندية الفرنسية نانسي هيوستن.