متى يعود الجيش إلى ثكناته؟

31 يوليو 2018
+ الخط -
لم يكن بعض المثقفين والسياسيين المصريين قد نجح وقتها في إقناع قادة الجيش أن يطلقوا على أنفسهم لقب (قادة الثورة المباركة) وأن يتعاملوا مع تحركهم العسكري لخلع الملك فاروق بوصفه ثورة وليس مجرد "حركة مباركة"، ولذلك لم ير ضباط يوليو أنفسهم مشكلة في أن يتصدر عنوان (كيف دبرنا هذا الانقلاب؟) غلاف العدد الثاني من لسان حالهم الأبرز، مجلة (التحرير).



أعلنت ترويسة المجلة أنها تصدر عن إدارة الشئون العامة للقوات المسلحة التي يقودها قائد الجناح وجيه أباظة، برئاسة تحرير يوزباشي أحمد حمروش، في حين شغل عبد المنعم الصاوي منصب مدير التحرير والفنان والصحفي حسن فؤاد منصب سكرتير التحرير، وشغل يوزباشي مصطفى بهجت بدوي مدير إدارة المجلة، في الوقت الذي نُشر فيه إلى جوار الترويسة بداخل برواز خاص الآية القرآنية "وسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم"، وإلى جوار الترويسة نشرت المجلة كاريكاتيراً يوجه رسالة تحذير صريحة لكل الذين يفكرون في التردد على مقرات الأحزاب بعد الحركة المباركة.



لم تجد المجلة في عددها الصادر بتاريخ أول أكتوبر 1952 من هو أفضل ولا أهم من الشاعر والصحفي الكبير كامل الشناوي لكي يعبر بقلمه عن رغبة ضباط يوليو في البقاء في مواقع الحكم، في مقال حمل عنواناً شديد الدلالة هو: (رأي حر: متى يعود الجيش إلى ثكناته؟)، افتتحه كامل الشناوي بطريقة إنشائية ربما تجدها الآن مثيرة للسخرية، لكنها لم تكن كذلك في ذلك الوقت، قائلاً: "ما أكثر الذين يتساءلون: متى يعود الجيش إلى ثكناته؟ متى يستريح من نضاله؟ متى يهدأً؟ متى يغفو؟ فمنذ قامت ثورة الإصلاح وسلاحه مشهر في يده، وبذلته العسكرية تستر جسده، ورأسه مثقل بالأفكار، وجبينه ملتهب تعباً وعيناه مفتوحتان!".

لم ينتظر الشاعر كامل الشناوي طويلاً حتى يكشف عن بيت القصيد في مقاله، فسرعان ما قال للقارئ أن رجال الجيش دون غيره هم أكثر من يطرحون هذه الأسئلة، لأنهم ظنوا حين نجحت ثورتهم أن الشعب سيتولى أمره بنفسه، وسيمضي لوحده في الطريق الذي شقوه بأظافرهم، لكن "سرعان ما خاب ظنهم، لأن الشعب وقف في الطريق ولم يمض فيه، لقد تهيب أن يمشي، فإنه حديث عهد بالأغلال، والأفراد القليلون الذين مشوا كانوا يسيرون وكأنهم يرسفون، واضطر الجيش إلى أن ينتظر حتى يعلم الشعب كيف يمشي وحده".

سينتظر الشعب ست سنوات كاملة حتى يرضى عنه كامل الشناوي تماماً ويثق في تعلم الشعب للمشي، فيكتب قصيدته الشهيرة (عرف الشعب طريقه) بعد إعلان الوحدة المصرية السورية، والتي لحنها محمد عبد الوهاب في أغنية لم يعش منها غير مطلعها الذي تحول مع الوقت إلى نكتة، في حين عاشت لكامل الشناوي قصائده العاطفية الشهيرة التي لحنها صديقه عبد الوهاب، وقليل من كتبه التي أعيد طبعها، وكثير من الذكريات الطيبة التي سجلها عنه تلاميذه من ألمع كتاب وفناني مصر، بالإضافة إلى هذه المقالة التي اكتسبت أهميتها من كونها "مانفيستو" مبكر يلخص رؤية الجيش للحياة السياسية في مصر، قبل فترة من إعلان هذه الرؤية صراحة على ألسنة قادة الجيش وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، وهي رؤية ستلاحظ أنها لا زالت تحكم تعامل الجيش ومؤيديه وأنصاره مع الحياة السياسية المدنية حتى الآن.

يقول الشناوي في مقاله: "حاول الجيش أن يعود إلى الثكنات ويترك الحكم والتشريع لأهل الحكم والتشريع، وإذا بالحاكمين والمشرعين يعيشون بأجسامهم في العهد الجديد ويعيشون بأفكارهم ورؤوسهم في عهد قديم سحيق، وإذا المشروعات تتكأكأ وتتسكع وإذا هي كما كانت من قبل مشدودة بحبل الروتين من ناحية وبحبل الرجعية من الناحية الأخرى"، وبعد أن يستعرض الشناوي الخلافات التي ثارت بين المدنيين حول مفهوم التطهير ومشروع تحديد الملكية، يقول أن "الجيش فغر فاه دهشة مما يرى ويسمع... ووجد أن إصلاح الشعب لا يكون إلا بتطهيره من يمين وشمال، من فوق وتحت، وبذلك لا تكون هناك نزعات يمينية ولا نزعات يسارية ولا تكون هناك تيارات تحتية ولا تيارات فوقية، ,لكن يكون تطهير يعم الجهات كلها"، ولذلك فإن الجيش الذي طال انتظاره خارج الثكنات، التي كان يمكن أن يعود إليها منذ اليوم الأول، "لو أننا عرفنا أهدافه وما أبسط هذه الأهداف. إنها ليست إلا تطهير مرافقنا من الفساد بلا تفرقة ولا تمييز وتحرير نفوسنا من الحقد والخوف والخنوع".

وبرغم هذا التقرير الصريح لـ "تَوَهان الشعب وضعف إرادته وحاجته إلى من يطهره ويقرر له"، امتلأت مجلة التحرير في نفس العدد بالحديث عن تمثيل الجيش لقوة الشعب، وعن عظمة وكفاح الشعب الذي هو "صاحب الأرض والممتلك" طبقاً لقصيدة بعنوان (أنا الشعب) نشرها شاعر آخر هو كامل أمين، في حين غرد الشاعر والكاتب مأمون الشناوي خارج السرب للحظة أو لنقل لبرهة، حين قال إن "الحرية هي العلاج الوحيد لكل مشاكلنا"، عاد في نفس مقاله لينقل للقارئ رغبة صديق شيوعي له قرر أن يتخلى عن الشيوعية لأنه كان شيوعياً يوم أن كان الحكم في مصر فاسداً يتولاه خونة، خاتماُ مقاله بعبارة درامية هي: "ويل لمن يخرج على إرادة الشعب"، أما الكاتب الكبير توفيق الحكيم فقد كان أكثر تحديداً في طلباته، حيث طالب بأن يكون الشعب والقائمون على أمره متشبعين تشبعا حقيقياً بعقلية الثورة لتتحول حركة الضباط من "مجرد انقلاب عسكري محدود الهدف إلى انقلاب اجتماعي واسع المدى قد يغير معالم مصر ويبرز شخصيتها الدفينة ويثبت حيوية شعبها إلى ألف عام مقبلة"، وبالطبع كان لا بد أن يحمل الحوار مع الحكيم عنوان روايته الأشهر (عودة الروح)، في حين كتب مطرب الملوك والأمراء سابقاً محمد عبد الوهاب مقالاً في تحية العهد الجديد معارضاً دعوة فصل الفنانين الرأسماليين من نقابة الفنانين.

في الوقت ذاته، لم تعتمد المجلة فقط على الكبار الذين لمعوا في العهد البائد مثل الحكيم وكامل ومأمون الشناوي وعبد الوهاب فقط، بل فتحت أبوابها لعبد الرحمن الشرقاوي وفتحي غانم ويوسف إدريس وسهير القلماوي وحمدي غيث وأحمد حمروش وعبد المنعم الصاوي وعبد المجيد فريد وسعد لبيب ومحمد حافظ غانم ولطفي حسونة، وجميعهم أصبحوا من أبرز الأسماء التي لمعت في العقدين التاليين للثورة التي لم يكن يخجل أصحابها من وصفها بالانقلاب، لكن كل مساهمات هؤلاء لم تكن معبرة ولا دالة مثل الإعلانات التي ملأت العدد، والتي قالت الكثير عما جرى في مصر في تلك الفترة.

خذ عندك مثلاً شركة سجاير البستاني التي أصدرت منتجاً جديداً من السجائر حمل اسم (سيجارة اللواء) التي وصفتها بأنها سيجارة جديدة لعهد جديد.



وشركة النيل الهندسية المتحدة التي تحمست أكثر من اللازم لشعارات الديمقراطية التي رفعها الضباط الأحرار في الأسابيع الأولى من الثورة فقررت أن تعلن عن منتج (فسبا.. سيارة صغير بعجلتين)، ولم تجد أفضل من توصيف لمنتجها سوى عبارة (سيارة ديمقراطية في عهد الديمقراطية)، وهي عبارة اختفت كالديمقراطية سريعاً في ظروف غير غامضة.



شركة كوكا كولا تأثرت بالأوصاف التي أطلقت على العهد الجديد النقي الطاهر فقررت أن تذكر زبائنها بأن كوكا كولا هي أيضاً "الشراب النقي الطاهر".



محلات الطرابيشي الكبرى أعلنت عن تخفيضات بأسعار مغرية في جميع الفروع تيمنا بعهد مصر الجديد السعيد وتلبية لرغبة منقذ مصر وقتها الرئيس اللواء محمد نجيب، حيث لم يكن الجميع بما فيهم محمد نجيب ومصر قد عرفوا مصيرهم المقبل.



الحاج أحمد حسن عينو قرر أن يعلن عن تورتة زفاف جديدة مقدماً نفسه بوصفه (الحلواني الوطني).



شركة المنتجات والتعبئة المصرية التي تنتج شاي الشيخ الشريب، أعلنت عن افتتاح أول فرع جديد في طنطا منذ قيام العهد السعيد تيمنا بجوار السيد البدوي.



تادرس عبد المسيح وولده كان لديهما من الذكاء ما يجعلهما يقدمان هذا الإعلان المواكب للتغيرات التي حصلت على ملكية الأراضي، ليقوما بتذكير الملاك الجدد بمنتجهما من نترات الجير النرويجي.



لكن أهم الإعلانات وأكثرها دلالة كان هذا الإعلان الذي قدمته مصانع صابون شاهين، ليس فقط تحية للعهد الجديد، بل تكفيراً عن ذنبها القديم الذي جعلها تطلق على أهم منتجاتها اسم (نابلسي فاروق)، لتقرر شطب ذلك الاسم من التاريخ، وتقذف باسم فاروق كما قذف به الجيش، وتغير اسم منتجها إلى (نابلسي شاهين).

إنا لله وإنا إليه راجعون.





الصورة الفاضحة التي لفّقوها للشيخ محمد عبده!


قبل أن يروح بالك لبعيد، دعني أقل لك أنها كانت صورة عادية، بل وأقل من العادية لكنها كانت "صورة فاضحة" بمعايير ذلك الزمان.

ابنة الشيخ محمد عبده هي التي روت قصة تلك الصورة، في حوار لها مع الكاتبة أمينة السعيد نشرته مجلة (المصور) القاهرية في عددها الصادر بتاريخ 16 رمضان 1375 الموافق 27 إبريل 1956، تبدأه أمينة بقولها أنها كانت صديقة لابنة الإمام لفترة طويلة، لكنها لم تكن تعرف أنها ابنة الإمام محمد عبده، مع أنها كانت تلقب في الأوساط النسائية بلقب (ست هانم المفتية)، وعندما عرفت من تكون بالصدفة، سارعت لطلب موعد معها لكي تحدثها عن أبيها.



في حوارها الذي لم تذكر أمينة السعيد فيه اسم محاورتها ولو لمرة واحدة، بل اكتفت بعبارة (ابنة الإمام محمد عبده)، تنقل أمينة السعيد عن الابنة وصفها لأبيها، أنه كان متوسط الطول، يميل إلى النحافة، بشرته سمراء وصوته رخيم، طبعه هادئ ولا يعلو صوته بالغضب أبداً لا مع خادم ولا مع أهل بيته، يأكل الموجود من الطعام ولا يفضل لوناً معيناً من الطعام، لم يكن يتشاجر مع أحد، لا تذكر أنه تأخر مرة واحدة عن أداء فريضة الفجر حاضراً، وكان يستيقظ قبل الفجر ويدعو أهل بيته إلى الصلاة، ثم يعتكف في غرفته ليتعبد حتى مطلع النهار، كان يعيش في ضاحية عين شمس ـ قبل أن تصبح في قلب القاهرة ـ وكان من عادته الرجوع من عمله للغداء مستقلاً القطار، فما يكاد القطار يصفر عند وصوله إلى المحطة القريبة من البيت حتى يسود البيت هدوء شامل تكاد تسمع منه دبيب النملة، ويظل البيت في صمت مطبق حتى يحين وقت خروجه مرة أخرى فإذا ولى ظهره عاد الضجيج.

كان للشيخ محمد عبده 4 أبناء ذكور و3 إناث، مات الصبيان كلهم وبقي البنات، ونصحه الكثيرون بالزواج ثانية لكي ينجب ولداً، لكنه كما تقول ابنته رفض لإنه كان يكره تعدد الزوجات، وظل وفياً لزوجته إلى النهاية، حتى عندما ماتت وهو منفي في سوريا عقب الثورة العرابية، عندها فقط تزوج سورية وأنجب منها بنتاً أيضاً، فأصبح له 4 بنات، وقال "لو أراد الله لي ولداً لما مات أبنائي الأربعة"، وحين أشار عليه البعض بأن يوقف ثروته لبناته، حتى لا يقاسمهن فيها قريب أو غريب، رفض قائلاً إن الوقف مكروه، ولا يجوز لمسلم أن يلجأ إليه إلا إذا انعدمت ذريته ورغب في تكريس ماله للخير.

توجه الابنة كتفاً قانونياً في الحوار لزوجة أبيها، حين تقول أن أباها كان ملكاً رحيماً مع زوجته السورية رغم عصبيتها الشديدة وغيرتها علين، وأنها لم تكن تلوم زوجة أبيها على هذه الغيرة، لأنه كان أنيقاً إلى أبعد حد، يختار لملابسه أجمل الألوان، ويلف عمامته بعناية واهتمام ـ راجع الصورة غير الفاضحة المرفقة التي يظهر فيها مع بعض أصدقائه في باريس وهي صورة جلبت له الكثير من الانتقادات من متطرفي زمانه ـ مضيفة أنه كان لا يستحم إلا بمياه معطرة، وكان يكره المركوب الأحمر، ولا يلبس إلا "الكلّوش" وهو غطاء للقدم يشبه ما يستعمله الأوروبيون عند سقوط الأمطار، وكان يسافر كل عام إلى فرنسا ليقضي فيها 4 شهور على الأقل، وكان يثير انتقاد بعض المتطرفين بسبب إصراره على الأكل بالشوكة والسكين، واستخدام الأطباق الصغيرة في الأكل بدلاً من الأكل الجماعي، وكان أول من فعل ذلك من المشايخ الذين اعتبروا ذلك بدعة مستحدثة، وكان يسهر ويدعو أصدقاءه بين الحين والحين للاستماع إلى المطرب الكبير الشيخ يوسف المنيلاوي.

وفي إشارة عابرة إلى مواقفه السياسية تقول الابنة إن أباها كان يجاهر بعدائه للخديو عباس بعد موقفه من الثورة العرابية، وكان لا يدعوه إلا بـ (ابن أمينة) تحقيراً له، وبالطبع لم تر الابنة بمعايير ذلك الزمان تناقضاً مع ما ذكرته عن استنارة أبيها وتحضره، ولذلك تضيف أن الخديوي عندما عرض على الشيخ محمد عبده وظيفة قال الشيخ لمن حوله غاضباً "وهل ترضون لي أن أعمل مع ابن أمينة ليصفق فأجري إليه تلبية للنداء"، ثم تحكي عن أزمة كبيرة ثارت بين الشيخ وبين الخديو عندما رفض أن يصرح ببيع أرض وقف للخديوي، إلا بعد تثمينها بنفسه ثمناً يليق بها، ووضع لها أضعاف الثمن الذي طلبه الخديوي، لكنها من باب الإنصاف تقول أن الناس اتهموا الخديوي بالتحريض على دس السم للشيخ محمد عبده أثناء زيارته للسودان، لكنها تعتقد أن تلك شائعة لا تقوم على أساس صحيح، وأغلب الظن أنه مات بالسرطان كما قال الأطباء.

أما حكاية الصورة الفاضحة التي تم تلفيقها للشيخ والتي اختفت كل نسخها تماماً، فقد بدأت بعد أن أصدر الشيخ محمد عبده فتوى بإباحة لبس القبعة وإباحة أكل اللحم غير المذبوح باشتراطات، فثارت الدنيا عليه، وتم تلفيق صورة فاضحة له، يظهر فيها وهو يسير مع سيدة أجنبية، وكلبها يجر طرف جبة الشيخ من الخلف، وانتشرت الصورة انتشاراً كبيراً بين الناس بعد نشرها في بعض الصحف، ليصل الأمر إلى القضاء، فيثبت في المحكمة زيف الصورة، بعد أن تقدم أحد المصورين إلى المحكمة، وأظهر لها عملياً كيف يتم التزييف، ليصبح الشيخ محمد عبده بذلك أول ضحية عربية لـ (الفوتو شوب)، ولعل قصة تلك الصورة وتوقيت ظهورها لتشويه رجل قال فتوى لم تعجب الناس، يكشف لك كيف لم تتغير طبيعة معاركنا بعد قرن من الزمان، وكل قرن وأنت بخير.

وختاماً مع الكاريكاتير:

حين شاهدت خطاب عبد الفتاح السيسي قبل الأخير الذي تحدث فيه عن القفزة الكبيرة التي حققتها الدولة المصرية في الفترة الأخيرة والتي لا يشعر بها البعض، تذكرت هذا الكاريكاتير الذي أبدعه الفنان الكبير أحمد حجازي ونشره في صحيفة الأهالي في عز مجدها المعارض بتاريخ 30 مايو 1984، ليلخص بها طريقة تعامل النظام المصري مع المواطن منذ أن استولى العسكر على الحكم في يوليو 1952، حيث على المواطن أن يقتنع بالإنجازات المذهلة التي حققتها الدولة، وأن لا يطلب في الوقت نفسه أي نصيب من هذه الإنجازات المذهلة، وربما كان الفارق أن نظام السادات ومن بعده نظام مبارك أتاحا للمواطن بدرجات متفاوتة حق التأوه والصراخ حين يتم القفز عليه، أما نظام السيسي فلم يعد يطلب من المواطن أن يصمت حين يتم القفز عليه، بل يشترط عليه الصراخ من فرط اللذة، وإلا صار متهماً بإسقاط الدولة التي لا تشبع من القفز على مواطنيها أبداً.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.