31 أكتوبر 2024
متى تنتهي القطيعة بين المغرب والجزائر؟
عندما أغلقت الحدود سنة 1994 بين المغرب والجزائر، بقرار جزائري بعد فرض المغرب تأشيرات مسبقة على الجزائر لدخول أراضيه، على خلفية تفجيرات فندقٍ في مراكش، واتهام السلطات المغربية المخابرات الجزائرية بالضلوع فيها، انتقلت بالطائرة من الدار البيضاء إلى مدينة وجدة على الحدود مع الجزائر لتغطية الحدث. ومصادفةً، كانت بجواري مواطنة جزائرية، ولما تجاذبت معها حديثا في مسألة إغلاق الحدود، لمست صدمتها، وعمق حزنها، وقلقها الذي عكسته ملامح وجهها ونبرات صوتها، وأعربت عن أسفها بشكل مؤثر. شعرت بها تتألم من هول القرار الذي سيحرم آلاف الجزائريين والمغاربة من الانتقال والتحرك في الاتجاهين.
أدركت دلالة حزن المواطنة الجزائرية التي لها امتداد عائلي في المغرب، كما هو آلاف العائلات في البلدين. ووقفت، ميدانيا في النقطة الحدودية العقيد لطفي، على الصورة غير العقلانية وغير الإنسانية التي أحدثها قرار غير استراتجي، ما زال ساريا. كان مئات التونسيين والليبيين والمغاربة متكدسين في النقطة، ومعظمهم تجار استفادوا كثيرا من فتح الحدود بين المغرب والجزائر، بحكم اتساع الأسواق وتعدّدها. وكانت هذه المظاهر تعكس، ولو نسبيا، الترجمة المادية لمؤسسة اتحاد المغرب العربي، لكنهم باتوا في وضعية حجز، وكأنهم كانوا رهائن، في انتظار تلقي الأمر من الشرطة الجزائرية، لاجتياز الحدود. وعندما كنت بصدد متابعة الوضع، وأخذ الشهادات، لاحظت حالة الاحتقان والتوتر والانفعال التي كانت تطبع سلوك عناصر الشرطة الجزائرية التي كانت تبدو في حالة تأهب، لاقتناص أي شخص قد يقدم على خطوة متهورة، أويسمح لنفسه بعبور الحدود بطريقة غير قانونية.
بدافع الفضول الصحافي والمهني، كنت أحث المصور على التقاط كل المشاهد التي تعكس بوضوح ذلك كله. وكلما كان المصور يقترب من مواقع رجال الشرطة الجزائرية، ويصوب الكاميرا نحوها، كان هؤلاء يظهرون تبرّمهم واستياءهم. وكانت على أتم الاستعداد لفعل أي شيء. ولذلك طلب مني أحد المسؤولين المغاربة أخذ الحيطة والحذر، وتجنب أي استفزاز من شأنه أن يؤدي إلى الأسوأ، وفعلت.
عندما كانت الحدود مفتوحة بين المغرب والجزائر، انتعشت المناطق الحدودية في البلدين، وعرفت نشاطا تجاريا وسياحيا انعكس إيجابا على سكان هذه المناطق، وقامت عشرات الفنادق والمطاعم على امتداد الطريق المؤدية من مدينة وجدة إلى قرية العقيد لطفي، قرب مدينة مغنية الجزائرية. وعندما كنت أحاور مالكي فنادق ومطاعم مغاربة، لمستُ خيبة أملهم وشعورهم بنكسة اقتصادية، أجهزت على طموحاتهم، لأنهم اعتادوا على استقبال آلاف الزبناء من الجار الشرقي الذين كانوا يتدفقون من دون أية مشكلات، ويزورون مختلف المدن المغربية، بل كان بمقدور سكان المناطق الحدودية أن يتسوّقوا ويشتروا ما يحتاجونه، ثم يعودون إلى منازلهم خلال ساعات. ولكن، صارت تلك المشاريع السياحية والتجارية من الماضي. وبعد سنوات قليلة، اختفت وتلاشت، بعد أن تم تحويلها، في أحسن الأحوال، إلى إقامات سكنية، بعد إجراء تعديلات عليها.
قبل ذلك بسنتين، والجزائر تعيش بداية العشرية السوداء، في أوضاع أمنية منفلتة، شاركت في ملتقىً للصحافة المغاربية هناك، وكان ضمن الوفد المغربي سفير المغرب حاليا في الجزائر، الصحافي الكاتب حسن عبد الخالق، وسفيرة المغرب في تونس حاليا، لطيفة أخرباش. وفي حفل استقبال، أقامه وزير الثقافة والاتصال الجزائري في حينه، حبيب شوقي حمراوي، سألناه عن رأيه في العلاقات المغربية الجزائرية، فأجاب إنها تجاوزت مرحلة المراهقة وبلغت النضج. وكان هذا الجواب الدبلوماسي القابل كل القراءات مؤشرا إيجابيا على أن إرادة البلدين الشقيقين ربما تتجه إلى أفق جديد لإنهاء كل أشكال القطيعة، غير أن هذه العلاقات راوحت مكانها، واصطدمت بجدار سوء الفهم، حيث اتسمت، منذ عقود، بأقصى درجات الاحتقان، وبحرب نفسية ودبلوماسية وإعلامية محمومة.
وفي لقاء ملك المغرب، محمد السادس، والرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، في لحظة صفاء أخوي سرقت الأضواء من القمة العربية التي استضافتها العاصمة الجزائرية في العام 2005، وجذب هذا اللقاء اهتمامات وسائل الإعلام، واستفز توقعات المحللين، ظن الجميع أن تلك الصورة التي جمعت الملك والرئيس تنطوي على عدة إيحاءات وإشارات سياسية وإنسانية، ورجّح مراقبون حينذاك أن التطبيع بات وشيكا، وأن فتح الحدود بين البلدين لا يعدو أن يكون مسألة إجراءات تقنية وعامل وقت، غير أن حالة الاحتقان طالت كثيراً، وكلما كادت الأمور تخرج عن طورها، كان التذكير بالحكمة ولغة العقل مراعاةً لمصلحة الشعبين، واحتراماً لمقتضيات التاريخ والجغرافيا التي لم تخير أحدهما في أن يكون جارا للآخر، وتقديراً أيضا لاستحقاقات المستقبل. ولكن العلاقة بين الجزائر والمغرب ظلت سجينة ذاكرة جريحة، ومشحونة بكليشيهات وصور نمطية تستهلك في هذا البلد أو ذاك، وتغذّيها وسائل الإعلام في لحظات التوتر العالي، وكانت حرب الاتهامات والاتهامات المضادة السمة المميزة لهذه العلاقات المجروحة.
ثم أن ما بقي من الاتحاد المغاربي هو الصورة الجماعية للقادة المؤسّسين في إحدى شرفات قصر بلدية مدينة مراكش، ليصبح مشروع إنشاء تجمع إقليمي في شمال أفريقيا مجرد نوستالجيا، أو مجرد ذكرى سنوية يتبادل فيها القادة رسائل روتينية مليئة بالمجاملات. وعلى الرغم من مرور كل هذه الأعوام منذ 1989، وانهيار جدار برلين واندثار أنظمة وتفكك الاتحاد السوفييتي سابقاً، واختفاء المعسكر الاشتراكي، وظهور منظومات أيديولوجية جديدة، وأقطاب بديلة، بما في ذلك ظهور تجمعات اقتصادية في آسيا وفي الأميركيتين، فإن مكونات الاتحاد المغاربي لم تساير هذا كله، ولم تتفاعل مع إيقاع التحولات الجذرية التي مسّت جزءاً كبيراً من العالم. وتبعاً لذلك، ظلت الاتفاقات المبرمة حبراً على ورق، وانتعشت الخلافات بشكلٍ غير مسبوق، خصوصاً بين المغرب والجزائر، بسبب موقف الأخيرة من قضية الصحراء، ومساندة جبهة بوليساريو، ما عرقل أية مبادرة أو محاولة للخروج من حالة الجمود.
أمام هذه المشهد غير الطبيعي والشاذ، على مستوى العلاقة بين المغرب والجزائر، وعلى مستوى مؤسسات الاتحاد المغاربي المشلولة، أعلن الملك محمد السادس، يوم 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، مبادرة لم يتكهن بها أحد، وذات أبعاد استراتيجية، وذلك في خطابه إلى الشعب المغربي، بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين للمسيرة الخضراء، عندما أكد استعداد بلاده للحوار المباشر والصريح مع الجزائر، لتجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية التي تعيق تطور العلاقات، وأرفق المبادرة باقتراح آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور. وأكد انفتاح المغرب على الاقتراحات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود في العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين. ولإبراز جدّية المبادرة وصفاء طوية المغرب، أوضح الملك محمد السادس أن الآلية المقترحة ستتولى الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ومن دون شروط أو استثناءات.
بصرف النظر عن توقيت إطلاق المبادرة، كونها تزامنت مع إحياء المغرب ذكرى المسيرة الخضراء، وبعيدا عن الإسقاطات والأحكام المتسرّعة، أنها مناورةٌ لجرّ الجزائر إلى الموقع الذي ترفض أن توجد فيه، أي جعلها طرفا مباشرا في نزاع الصحراء، أسابيع قبل انطلاق مفاوضات جنيف بين المغرب وجبهة بوليساريو، كما جاء في معظم صحف الجزائر، وفي أقوال مسؤولين هناك، مثل تصريح رئيس لجنة الخارجية والتعاون والجالية في البرلمان الجزائري، عبد الحميد سي عفيف، إن مبادرة العاهل المغربي غير بريئة هدفها ربح الوقت. بصرف النظر عن هذا كله، فإن منطق الأحداث والتطورات في العالم حتم هذا النوع من المبادرات والمصالحات، خصوصا وأن دولا تصارعت وتقاتلت، وكرهت بعضها بعضا، لكنها عندما احتكمت إلى العقل، ونظرت إلى المستقبل من زاوية مغايرة، وضعت الماضي، بكل جراحه وآلامه وحساباته وترسباته، خلفها، وانطلقت بخطىً واثقة لتدشين علاقات جديدة قائمة على التعاون والاحترام والشراكات الاستراتيجية والمشاريع الكبرى الضامنة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والمؤسسي، من جديد هذه المبادرات ما تم أخيرا بين إثيوبيا وإريتريا.
أدركت دلالة حزن المواطنة الجزائرية التي لها امتداد عائلي في المغرب، كما هو آلاف العائلات في البلدين. ووقفت، ميدانيا في النقطة الحدودية العقيد لطفي، على الصورة غير العقلانية وغير الإنسانية التي أحدثها قرار غير استراتجي، ما زال ساريا. كان مئات التونسيين والليبيين والمغاربة متكدسين في النقطة، ومعظمهم تجار استفادوا كثيرا من فتح الحدود بين المغرب والجزائر، بحكم اتساع الأسواق وتعدّدها. وكانت هذه المظاهر تعكس، ولو نسبيا، الترجمة المادية لمؤسسة اتحاد المغرب العربي، لكنهم باتوا في وضعية حجز، وكأنهم كانوا رهائن، في انتظار تلقي الأمر من الشرطة الجزائرية، لاجتياز الحدود. وعندما كنت بصدد متابعة الوضع، وأخذ الشهادات، لاحظت حالة الاحتقان والتوتر والانفعال التي كانت تطبع سلوك عناصر الشرطة الجزائرية التي كانت تبدو في حالة تأهب، لاقتناص أي شخص قد يقدم على خطوة متهورة، أويسمح لنفسه بعبور الحدود بطريقة غير قانونية.
بدافع الفضول الصحافي والمهني، كنت أحث المصور على التقاط كل المشاهد التي تعكس بوضوح ذلك كله. وكلما كان المصور يقترب من مواقع رجال الشرطة الجزائرية، ويصوب الكاميرا نحوها، كان هؤلاء يظهرون تبرّمهم واستياءهم. وكانت على أتم الاستعداد لفعل أي شيء. ولذلك طلب مني أحد المسؤولين المغاربة أخذ الحيطة والحذر، وتجنب أي استفزاز من شأنه أن يؤدي إلى الأسوأ، وفعلت.
عندما كانت الحدود مفتوحة بين المغرب والجزائر، انتعشت المناطق الحدودية في البلدين، وعرفت نشاطا تجاريا وسياحيا انعكس إيجابا على سكان هذه المناطق، وقامت عشرات الفنادق والمطاعم على امتداد الطريق المؤدية من مدينة وجدة إلى قرية العقيد لطفي، قرب مدينة مغنية الجزائرية. وعندما كنت أحاور مالكي فنادق ومطاعم مغاربة، لمستُ خيبة أملهم وشعورهم بنكسة اقتصادية، أجهزت على طموحاتهم، لأنهم اعتادوا على استقبال آلاف الزبناء من الجار الشرقي الذين كانوا يتدفقون من دون أية مشكلات، ويزورون مختلف المدن المغربية، بل كان بمقدور سكان المناطق الحدودية أن يتسوّقوا ويشتروا ما يحتاجونه، ثم يعودون إلى منازلهم خلال ساعات. ولكن، صارت تلك المشاريع السياحية والتجارية من الماضي. وبعد سنوات قليلة، اختفت وتلاشت، بعد أن تم تحويلها، في أحسن الأحوال، إلى إقامات سكنية، بعد إجراء تعديلات عليها.
قبل ذلك بسنتين، والجزائر تعيش بداية العشرية السوداء، في أوضاع أمنية منفلتة، شاركت في ملتقىً للصحافة المغاربية هناك، وكان ضمن الوفد المغربي سفير المغرب حاليا في الجزائر، الصحافي الكاتب حسن عبد الخالق، وسفيرة المغرب في تونس حاليا، لطيفة أخرباش. وفي حفل استقبال، أقامه وزير الثقافة والاتصال الجزائري في حينه، حبيب شوقي حمراوي، سألناه عن رأيه في العلاقات المغربية الجزائرية، فأجاب إنها تجاوزت مرحلة المراهقة وبلغت النضج. وكان هذا الجواب الدبلوماسي القابل كل القراءات مؤشرا إيجابيا على أن إرادة البلدين الشقيقين ربما تتجه إلى أفق جديد لإنهاء كل أشكال القطيعة، غير أن هذه العلاقات راوحت مكانها، واصطدمت بجدار سوء الفهم، حيث اتسمت، منذ عقود، بأقصى درجات الاحتقان، وبحرب نفسية ودبلوماسية وإعلامية محمومة.
وفي لقاء ملك المغرب، محمد السادس، والرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، في لحظة صفاء أخوي سرقت الأضواء من القمة العربية التي استضافتها العاصمة الجزائرية في العام 2005، وجذب هذا اللقاء اهتمامات وسائل الإعلام، واستفز توقعات المحللين، ظن الجميع أن تلك الصورة التي جمعت الملك والرئيس تنطوي على عدة إيحاءات وإشارات سياسية وإنسانية، ورجّح مراقبون حينذاك أن التطبيع بات وشيكا، وأن فتح الحدود بين البلدين لا يعدو أن يكون مسألة إجراءات تقنية وعامل وقت، غير أن حالة الاحتقان طالت كثيراً، وكلما كادت الأمور تخرج عن طورها، كان التذكير بالحكمة ولغة العقل مراعاةً لمصلحة الشعبين، واحتراماً لمقتضيات التاريخ والجغرافيا التي لم تخير أحدهما في أن يكون جارا للآخر، وتقديراً أيضا لاستحقاقات المستقبل. ولكن العلاقة بين الجزائر والمغرب ظلت سجينة ذاكرة جريحة، ومشحونة بكليشيهات وصور نمطية تستهلك في هذا البلد أو ذاك، وتغذّيها وسائل الإعلام في لحظات التوتر العالي، وكانت حرب الاتهامات والاتهامات المضادة السمة المميزة لهذه العلاقات المجروحة.
ثم أن ما بقي من الاتحاد المغاربي هو الصورة الجماعية للقادة المؤسّسين في إحدى شرفات قصر بلدية مدينة مراكش، ليصبح مشروع إنشاء تجمع إقليمي في شمال أفريقيا مجرد نوستالجيا، أو مجرد ذكرى سنوية يتبادل فيها القادة رسائل روتينية مليئة بالمجاملات. وعلى الرغم من مرور كل هذه الأعوام منذ 1989، وانهيار جدار برلين واندثار أنظمة وتفكك الاتحاد السوفييتي سابقاً، واختفاء المعسكر الاشتراكي، وظهور منظومات أيديولوجية جديدة، وأقطاب بديلة، بما في ذلك ظهور تجمعات اقتصادية في آسيا وفي الأميركيتين، فإن مكونات الاتحاد المغاربي لم تساير هذا كله، ولم تتفاعل مع إيقاع التحولات الجذرية التي مسّت جزءاً كبيراً من العالم. وتبعاً لذلك، ظلت الاتفاقات المبرمة حبراً على ورق، وانتعشت الخلافات بشكلٍ غير مسبوق، خصوصاً بين المغرب والجزائر، بسبب موقف الأخيرة من قضية الصحراء، ومساندة جبهة بوليساريو، ما عرقل أية مبادرة أو محاولة للخروج من حالة الجمود.
أمام هذه المشهد غير الطبيعي والشاذ، على مستوى العلاقة بين المغرب والجزائر، وعلى مستوى مؤسسات الاتحاد المغاربي المشلولة، أعلن الملك محمد السادس، يوم 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، مبادرة لم يتكهن بها أحد، وذات أبعاد استراتيجية، وذلك في خطابه إلى الشعب المغربي، بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين للمسيرة الخضراء، عندما أكد استعداد بلاده للحوار المباشر والصريح مع الجزائر، لتجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية التي تعيق تطور العلاقات، وأرفق المبادرة باقتراح آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور. وأكد انفتاح المغرب على الاقتراحات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود في العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين. ولإبراز جدّية المبادرة وصفاء طوية المغرب، أوضح الملك محمد السادس أن الآلية المقترحة ستتولى الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ومن دون شروط أو استثناءات.
بصرف النظر عن توقيت إطلاق المبادرة، كونها تزامنت مع إحياء المغرب ذكرى المسيرة الخضراء، وبعيدا عن الإسقاطات والأحكام المتسرّعة، أنها مناورةٌ لجرّ الجزائر إلى الموقع الذي ترفض أن توجد فيه، أي جعلها طرفا مباشرا في نزاع الصحراء، أسابيع قبل انطلاق مفاوضات جنيف بين المغرب وجبهة بوليساريو، كما جاء في معظم صحف الجزائر، وفي أقوال مسؤولين هناك، مثل تصريح رئيس لجنة الخارجية والتعاون والجالية في البرلمان الجزائري، عبد الحميد سي عفيف، إن مبادرة العاهل المغربي غير بريئة هدفها ربح الوقت. بصرف النظر عن هذا كله، فإن منطق الأحداث والتطورات في العالم حتم هذا النوع من المبادرات والمصالحات، خصوصا وأن دولا تصارعت وتقاتلت، وكرهت بعضها بعضا، لكنها عندما احتكمت إلى العقل، ونظرت إلى المستقبل من زاوية مغايرة، وضعت الماضي، بكل جراحه وآلامه وحساباته وترسباته، خلفها، وانطلقت بخطىً واثقة لتدشين علاقات جديدة قائمة على التعاون والاحترام والشراكات الاستراتيجية والمشاريع الكبرى الضامنة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والمؤسسي، من جديد هذه المبادرات ما تم أخيرا بين إثيوبيا وإريتريا.