وأشادت المنظمة السويدية الخاصة "رايت لايفليهود"، التي تمنح للمرة الأولى جائزتها لسوريين، "بشجاعتهم الاستثنائية وتعاطفهم والتزامهم الإنساني لإنقاذ المدنيين من الدمار، الذي تسببه الحرب الأهلية السورية". وسيتقاسم "الدفاع المدني السوري" جائزة "رايت لايفليهود"، والتي تعرف بأنها جائزة "نوبل البديلة"، وتبلغ ثلاثة ملايين كورون سويدي (حوالى 360 ألف دولار) مع الناشطة الروسية في المنظمة غير الحكومية "ميموريال"، سفيتلانا غانوشكينا والمصرية مزن الحسن ومنظمتها "مركز النظرة للدراسات النسائية"، وكذلك صحيفة "جمهورييت" التركية، وذلك لدفاعهم عن "حقوق الإنسان الأساسية والقيم في مواجهة الحرب والقمع".
ونتيجة لطبيعة عملهم الإنساني الصرف كفرق إنقاذ، وابتعادهم عن السياسة، وتجنبهم الدخول في الخلافات الفصائلية والحزبية بين التيارات الأيديولوجية المختلفة، التفّ معظم السكان في المحافظات التي تشهد عمليات عسكرية حول عناصر الدفاع المدني، وهو أمر أثار حفيظة النظام السوري، الذي شن حملات إعلامية بهدف تشويه صورتهم بغية ثنيهم عن مواصلة ما يقومون به من أعمالٍ إنسانية لا لبس فيها.
وأدى منح أصحاب "الخوذ البيضاء" الأمل إلى ملايين المدنيين السوريين، عبر عمليات إنقاذ الجرحى وتقديم الإسعافات الأولية لهم وحماية آخرين، إلى تحولهم لهدف للآلة العسكرية السورية والروسية، ودفعهم ثمناً باهظاً، حيث سقط ما لا يقل عن 132 عنصراً منهم، جراء استهدافهم خلال اندفاعهم لإنقاذ المحاصرين تحت ركام مبان دمرت بغارات النظام وروسيا. وعادة ما تقصف الطائرات الحربية المناطق عينها مجدداً، خلال بحث عناصر الدفاع المدني عن ناجين تحت الأنقاض. كما تعرضت مراكز لهم للقصف في محاولة لإخراجها عن الخدمة.
وبالإضافة الى دورهم في إنقاذ الأرواح في أصعب الظروف، فإنهم يوفرون الخدمات العامة لأكثر من سبعة ملايين شخص يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة السورية، بما فيها إعادة توصيل الكابلات الكهربائية، وتأمين المباني بعد القصف خشية انهيارها، وغيرها.
وتم إنشاء منظمة "الدفاع المدني السوري" بشكلها المؤسساتي الحالي، في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2014، وعُرف عناصرها بـ"أصحاب الخوذ البيضاء". ويضم "الدفاع المدني السوري" عدداً من أصحاب المهن المختلفة، من خياطين وكهربائيّين ومدرّسين وغيرهم من الذين اتخذوا القرار الأصعب والأسمى في حياتهم، وهو التطوع في المنظمة رغم الخطر الشديد على حياتهم. أراد هؤلاء إنقاذ حياة الناس وانتشال الناجين من تحت الأنقاض، في ظلّ القصف اليومي الذي تتعرض له مناطق سورية عدّة.
ووصلت شجاعة المتطوعين إلى العالم من خلال عشرات الصور والفيديوهات التي تذاع يومياً على نشرات الأخبار. ووفقاً للمنظمة الدولية لحماية المدنيين، أنقذ متطوعو "الدفاع المدني" العديد من الأشخاص، ملتزمين بالمبادئ الإنسانية في التضامن والحيادية وعدم الانحياز والاستقلالية.
وقال المسؤول الإعلامي في الدفاع المدني السوري، خالد خطيب، لـ"العربي الجديد"، إنّ الدفاع المدني فخور جداً بالحصول على هذه الجائزة، موضحاً أنها موجّهة لكل عناصر الدفاع المدني في سورية. وأضاف "أكدت الجائزة للدفاع المدني أنه لا يزال هناك أشخاص في العالم يؤمنون بتحقيق السلام في سورية، ويعملون على ذلك".
ولفت خطيب إلى أنّ "الجائزة تبرز للعالم بأنّ الحرب في سورية ليست بين النظام والإرهاب كما يسوّق لها في الإعلام الغربي، بل إن هناك مجرماً اسمه بشار الأسد يقوم بقتل شعبه، ويدّعي محاربة داعش". وعبّر عن "أمل الدفاع المدني في أن يسهم عمله وشهادات عناصره بمحاكمة بشار الأسد محاكمة عادلة أمام المحاكم الدولية".
وحذر خطيب من أنّ "الفرق تواجه صعوبات كثيرة، خاصة في المناطق المحاصرة، حيث لا يمكن إدخال المعدات والآليات اللازمة، إضافة إلى الأدوية والمعدات الطبية الجراحية. كما تعاني فرق الدفاع المدني داخل المناطق المحاصرة مما يعانيه المدنيون من نقص الغذاء والدواء والمحروقات، فهم بالأساس من أهل المناطق المحاصرة، ولم يأتوا من خارج البلاد".
وقال مدير المكتب الإعلامي للدفاع المدني في حلب، إبراهيم أبو الليث، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الجائزة مفخرة للدفاع المدني، كونه أول منظمة سورية تحصل على مثل هذه الجائزة، ولها أبعاد سياسية كبيرة، خاصة أنها تبرز دعوتنا للسلام، وهو أمر أزعج نظام الأسد".
وأشار أبو الليث الى أن 126 منظمة رشحت الدفاع المدني للحصول على هذه الجائزة، إضافة إلى أنّه مرشح وبقوة للحصول على جائزة "نوبل". واعتبر أنّ "للجائزة أثراً كبيراً في نفوس عناصر الدفاع المدني، الذين يتعرضون لخطر الموت بشكل متكرر خلال عملهم، وهو لم يعد يقتصر فقط على إنقاذ الأرواح من قصف نظام الأسد، بل إن هناك أعمالاً أخرى يهتم بها الدفاع المدني، مثل أي دفاع مدني في بقية دول العالم".