عام من إبادة غزة... أولويتا الصمود واستنزاف الاحتلال

08 أكتوبر 2024
مهجرون في مدينة غزة، 6 أكتوبر 2024 (داود أبو الكاس/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تغيرات عسكرية في غزة: منذ أكتوبر 2023، تقلصت مساحة قطاع غزة بشكل كبير بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة، مما أدى إلى نزوح الفلسطينيين. الاحتلال يسعى لتعزيز سيطرته بإنشاء مواقع عسكرية لفصل القطاع عن مصر.

- استراتيجية المقاومة: تواجه المقاومة الفلسطينية تحديات كبيرة بعد تدمير قدراتها العسكرية، مما دفعها للتركيز على حرب العصابات. الاحتلال يستخدم أسلوب "طنجرة الضغط" لفرض حصار، بينما تعتمد المقاومة على الاستنزاف.

- الأبعاد السياسية والأمنية: الاحتلال يسعى لفرض حكم عسكري طويل الأمد، مستغلاً تدمير البنية التحتية. المقاومة ترفض هذا الواقع وتسعى لاستنزاف الاحتلال، وسط جمود سياسي وتوترات إقليمية تعقد الحلول.

تبدل الواقع العسكري لقطاع غزة منذ بداية الحرب الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ليعيش الفلسطينيون حقبة جديدة من المواجهة تقوم على حرب الشوارع والمدن والنزوح والتنقل من مكان إلى آخر بفعل العمليات العسكرية غير المسبوقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. وتقلصت مساحة قطاع غزة من 365 كيلومتراً، لتصبح حالياً نحو 40 إلى 50 كيلومتراً، يتكدس فيها 2.4 مليون نسمة، 1.7 مليون نسمة منهم موجودون في المناطق التي يصنفها الاحتلال بالإنسانية، والتي لا تخلو هي الأخرى من عمليات عسكرية كالقصف المدفعي والجوي بين الفترة والأخرى.

وتنتشر مواقع عسكرية إسرائيلية في محورين مهمين في القطاع، هما "نتساريم" وسط القطاع وصلاح الدين (فيلادلفي) جنوباً على الحدود مع مصر، حيث يعمل الاحتلال باستمرار على توسعة هذين المحورين وتدشين مواقع مراقبة متطورة وتزويدها بمنظومات اتصالات ورقابة وسيطرة، لتحقيق أهداف عدة، أبرزها استمرار فصل القطاع عن بعضه ومنع عودة النازحين والتحكم في الشريط الحدودي مع مصر.

عزّز الاحتلال خلال الأشهر الأخيرة في غزة من استخدام أسلوب "طنجرة الضغط" الذي يتبعه عادة في الضفة الغربية

وفي الأشهر الأخيرة، عزّز الاحتلال من استخدام أسلوب "طنجرة الضغط" الذي يتبعه عادة في الضفة الغربية، والذي يقوم على استخدام المعلومات الاستخبارية بشأن المقاومين، وفرض حصار مطبق على مساحة جغرافية ومهاجمتهم بشكل قوي والاشتباك معهم، ضمن ما يُعرف بالعمليات الخاطفة، دون الحاجة لوجوده داخل مراكز المدن.
وباتت المقاومة منحصرة في تنفيذ عمليات ميدانية تقوم على تكتيك "حرب العصابات" الذي يعتمد بالأساس على عدد بسيط من المقاتلين والمعدات العسكرية، في ظلّ مزاعم الاحتلال بتدمير قرابة 90% من قدرات حركة حماس الصاروخية وقتل آلاف المقاومين خلال العمليات البرّية في مختلف مدن القطاع.

وتراجعت عمليات الإطلاق الصاروخي باتجاه المدن المحتلة عام 1948 بشكل واضح، بعدما كانت المقاومة تستهدف مدن المركز بعشرات الصواريخ في الأشهر الثلاثة الأولى للحرب الإسرائيلية على القطاع، وباتت عمليات الإطلاق تتم بشكل متباعد وعلى فترات زمنية تركز فيها المقاومة أحياناً على قصف مدن كبرى، كتل أبيب وأسدود.

ومع انحسار مساحة القطاع، فإن السكان يخشون أن يكون ذلك الأمر مقدمة لحكم عسكري إسرائيلي، في ظلّ فشل كل المحاولات المدنية التي سعت سلطات الاحتلال إلى تنفيذها، سواء عبر العشائر أو مؤسسات المجتمع المدني، حيث ناقشت الحكومة الإسرائيلية أخيراً مدى إمكانية تسليم المساعدات من قبل الجيش الإسرائيلي للسكان بشكل مباشر، رغم تحفظ جيش الاحتلال على الخطة لاعتبارات عملياتية وأمنية.

الأهداف والأبعاد

يقول الخبير في الشأن العسكري والأمني، أسامة خالد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن ⁠الهدف الرئيسي من الوجود العسكري والإنشاءات العسكرية الإسرائيلية في مواقع محددة في قطاع غزة هو محاولة السيطرة الأمنية الدائمة ضمن هدف استراتيجي يسعى إليه الاحتلال، والمتمثل في خلق واقع أمني وسياسي جديد، وهذا المسعى يرى الاحتلال أنه لا ينفصل عن وجود سيطرة فعلية على مواقع مهمة في القطاع لتحقيق هدفه الاستراتيجي.

صبحي ناظم توفيق: الاحتلال يسعى إلى إدامة الحكم العسكري في القطاع لسنوات وليس مجرد أسابيع وأشهر

ويوضح خالد، أن "المقاومة في الوقت ذاته تعتمد نظرية الاستنزاف مراعاة للحالة الميدانية الحالية، وما وصلت إليه الأوضاع السياسية، ومن انسداد الأفق، وتعثر في المسار الدبلوماسي والتفاوضي، كما أن كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، ومن معها من أجنحة المقاومة العسكرية، برأيه، انتهجت مبدأ الاقتصاد في القوى، نظراً للأمد الطويل للحرب وإمكانية استمرار الوضع على ما هو عليه لفترات طويلة. وبالتالي، بحسب خالد، فإن "هذا النهج سيُترجم على الأرض سلوكاً عملياً، لذا نلحظ انخفاضاً في مستوى العمليات العسكرية والقصف المتبادل وغيرها من أعمال عسكرية".

ويعرب الخبير في الشأن العسكري والأمني عن اعتقاده بأن الوجود الإسرائيلي في محوري نتساريم وصلاح الدين هو تمركز ذو طابع أمني وسياسي أكثر من كونه عسكرياً، حيث يرى المستوى السياسي الإسرائيلي أنه لا معنى لاستمرار الحرب في حال الانسحاب من هذه المناطق، كما أنه يرى أن هذا الوجود يحكم السيطرة المدنية والعسكرية على القطاع وهو يضغط بذلك على المقاومة وحاضنتها الشعبية.

من جهتها، وبحسب خالد، فإن المقاومة الفلسطينية تركّز على الصمود واستنزاف جيش الاحتلال في هذه المحاور، في محاولة لطرده منها والضغط عليه عبر إحداث الخسائر في الأرواح والمعدات بشكل متكرر كما جرى خلال الأشهر القليلة الماضية".

ويلفت خالد إلى أن "⁠المشهد العسكري سيبقى متأزماً ويراوح مكانه، خصوصاً في ظل الجمود الحاصل في مسار التفاوض، وفي ظلّ تعنت الاحتلال وإصراره على المضي قدماً في مشاريعه السياسية والأمنية والتي تستهدف القضية الفلسطينية برمتها، كما أن تطور الأوضاع وتسارعها على الجبهة الشمالية (جبهة لبنان) يلقيان بظلالهما على الأوضاع في قطاع غزة"، وفق رأيه.

تدمير غزة وتقلّص المساحة الجغرافية

من جهته، يؤكد العميد المتقاعد في الجيش العراقي، والخبير العسكري، صبحي ناظم توفيق، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبعد انحسار المساحة الجغرافية وتدشين عدد من المواقع العسكرية في غزة خلال عام، يريد فرض الحكم العسكري على القطاع بشكل كامل. ويشدد توفيق، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن القطاع من الناحية العملية مدمر بشكل يفوق ما جرى في النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967، وحتى الحروب التي خاضتها المقاومة الفلسطينية على مدار 16 عاماً من المواجهة وجولات التصعيد.

أسامة خالد: المقاومة تعتمد نظرية الاستنزاف مراعاة للحالة الميدانية الحالية

ويرى توفيق أن هناك انخفاضاً في التكتيكات العسكرية المتبعة من قبل المقاومة الفلسطينية ضد جيش الاحتلال، نتيجة لحالة التدمير التي طاولت مختلف المنشآت على مدار عام كامل من الحرب الإسرائيلية، موضحاً أن هناك ضرراً واضحاً لحق بالمنظومة العسكرية للمقاومة، سواء على صعيد العتاد أو المقاتلين بفعل طول الفترة الزمنية للمواجهة، وهو ما يجعل انتهاء هذه الحرب مصلحة للقطاع والمقاومة على حدّ سواء.

ونبّه توفيق إلى أن المقاومة استخدمت ما لديها من أدوات قتالية وأنفاق راكمتها على مدار 16 عاماً قامت فيها بالإعداد لهذه المواجهة، غير أن الاحتلال الإسرائيلي قام خلال هذه المعركة بتدمير كل مقومات الصمود المدنية والمستشفيات والبنية التحتية. وبرأيه، فإن الاحتلال يسعى إلى إدامة الحكم العسكري في القطاع لسنوات وليس مجرد أسابيع وأشهر، وهو ما يجعله يعزّز من وجوده عسكرياً عبر توسعة في المحاور والمواقع التي أنشأها وسط القطاع وجنوبه.

ووفقاً لتوفيق، فإن الاحتلال يريد فرض واقع مغاير على المقاومة والمقاومين، بعد أن تنتهي الحرب، يقوم على تقبل فكرة وجوده داخل القطاع بشكل مستدام، وهو أمر لا تقبل به المقاومة في الفترة الحالية. ويشير الخبير العسكري إلى أن المقاومة لا تمتلك القدرة على تنفيذ حرب استنزاف كاملة للاحتلال الإسرائيلي، وستنتهج شكل "حرب العصابات" الخاطفة التي تقوم على تنفيذ عمليات خاطفة ومركزة بين فترة وأخرى في صفوف جيش الاحتلال لا سيما مع بقاء لواءين مقاتلين فقط داخل القطاع ونقل الثقل العملياتي باتجاه لبنان. 

اقتصاد عربي
التحديثات الحية
المساهمون