لكن ظهر على نحو مفاجئ يوم الإثنين الماضي بأن ناراً مستعرة تحت الرماد بعد صدور قرار إعفاء بن دغر وإحالته إلى التحقيق "نتيجة للإهمال الذي رافق أداء الحكومة ... وعدم قدرتها على اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد، وخصوصاً انهيار العملة المحلية، ولفشلها في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة كارثة إعصار لبان بمحافظة المهرة".
وتعزز هذا الاعتقاد نظراً لمخالفة القرار للنص الدستوري القائل إن إقالة رئيس الحكومة تعني إقالة الحكومة بكل من فيها. إلا أن هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها هادي إلى هذا الأسلوب.
هادي فعل الأمر نفسه مع رئيس الوزراء خالد بحاح الذي أقاله في أبريل/نيسان 2016.
وعلى الرغم من أن هادي لم يحل بحاح إلى التحقيق يومها وعينه في منصب مستشار لرئيس الجمهورية، إلا أن بحاح، أصدر بياناً رفض فيه قرار إقالته كونه أتى مخالفاً لأحكام الدستور "إذ لا يوجد أي نص دستوري يقضي بتعيين رئيسٍ للحكومة مع بقاء الحكومة وأعضائها لممارسة مهامهم". مع العلم أن المادة (132) من الدستور تنص على أن "يختار رئيس الوزراء أعضاء وزارتـه بالتشاور مع رئيس الجمهورية ويطلب الثقة بالحكومة على ضوء برنامج يتقدم بـه إلى مجلـس النـواب". فيما تنص المادة (133) على "إن رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام رئيس الجمهورية ومجلس النواب مسؤوليـة جماعيـة عـن أعمـال الحكومـة".
• فكرة الإعفاء من بحاح إلى بن دغر
من الملاحظات الإضافية التي يمكن التوقف عندها اللهجة التي يصرّ الرئيس هادي على استخدامها عند إعلان قرارات تغيير رئيس الحكومة. في حالتي بحاح وبن دغر سنجدها واحدة. إعفاء بحاح ترافق مع اتهامه من قبل هادي بتعثر الأداء الحكومي "في تخفيف معاناة أبناء شعبنا وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته، ولعدم توفر الإدارة الحكومية الرشيدة للدعم اللامحدود الذي قدمه الأشقاء في التحالف العربي وفي مقدمتهم السعودية".
لم تكن صيغة "الإعفاء" واردة في قاموس الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، بل استخدامها يمكن القول إنه صيغة سعودية خالصة ولعلّ هادي- الذي اعتاد تقليد صالح في كل شيء - قد تشرّب تلك الصيغة من طول إقامته في العاصمة السعودية الرياض حيث يقوم الملك بـ "الإعفاء" قبل تعيين شخص آخر.
وفي السياق تقول الكاتبة اليمنية ميساء شجاع الدين، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "بيان إقالة بن دغر فاجر في الخصومة كما كان بيان إقالة بحاح. وهذا بحد ذاته سبب كاف للفشل، لأن أي رئيس وزراء يتولى منصبه وهو يتوقع عزله في أي لحظة بل وإحالته للتحقيق وتحويله لكبش فداء لكل ما تمر به البلد من كوارث. فقدان الثقة وامتهان منصب رئاسة الوزارة بهذا الشكل يؤثر سلباً وبشكل بالغ على أي شخص". وتضيف شجاع الدين أن الأداء الحكومي الفاشل يرتبط بمشاكل كثيرة من بينها "شخصية هادي والدائرة المؤثرة عليه"، فضلاً عن التدخل الخارجي والتجاذبات الإقليمية، إضافة إلى صعوبة العمل بدون أية أطر مؤسسية. وتختم الكاتبة اليمنية قولها بأن رئيس الوزراء الجديد معين عبد الملك، ينتمي لجيل شاب ولم يختبر سياسياً بعد، "لكن المهام التي تنتظره ثقيلة وبعضها مستحيلة لكنه قادر على عمل فارق ما لو تغير مساره عن سابقيه، فيما عدا ذلك سيكون فشل ذريع يحرق مستقبل شاب طموح في بداية مشواره السياسي".
• دور إماراتي
يمكن التوقف هنا عند نقطة إضافية يشترك فيها بن دغر وبحاح، وهي علاقتهما بالإمارات وإن كانت على طرفي نقيض.
تحفظات كثيرة تُسجَّل على بن دغر منذ تسلمه منصبه في 2016 خصوصاً فيما يتعلق بإغراق الكادر الإداري للدولة بتعيينات لا حاجة لدولة غارقة في الحرب لها ومنها تعيين زوجته في منصب حكومي، إلا أنه، بحسب الأخبار المتداولة، عُرف بمواقفه الرافضة للتوسع الإماراتي ومحاولات أبوظبي تقويض مؤسسة الشرعية، الأمر الذي كان سبباً في عرقلة تواجده بشكل مستدام في عدن. وقبل فترة وجيزة ترددت أنباء عن تغيير وزاري سيقوم به هادي ويكون بمثابة حل وسط يرضي به الإمارات وحلفائها تحديداً في المجلس الانتقالي الجنوبي. وتعزز هذا الاعتقاد بعد وقفهم التصعيد في عدن الذي كان يهدف لإسقاط الحكومة والاستيلاء على المؤسسات الإدارية ليأتي قرار إعفاء بن دغر بعد ذلك بأيام.
في المقابل اتخذ هادي قرار إقالة بحاح في وقت كان الخلاف بينهما علنياً وفي ذروته بسبب قرب نائب الرئيس في ذلك الحين، والذي كان يشغل أيضاً منصب رئيس الوزراء، من الإمارات وتحوله إلى ند للأول فضلاً عن بروز مؤشرات على أنه تحول إلى منافس لهادي على منصب رئيس الجمهورية.
ومن الملاحظات الإضافية على خيارات هادي للشخصيات التي شغلت منصب رئيس الوزراء في عهده أي منذ 2012، وهم بحّاح وبن دغر ومن قبلهم محمد سالم باسندوه، أنهم ينتمون إلى الجنوب. لكن باسندوه كان قد اختير بناء على اتفاق المبادرة الخليجية في 2011 وتوافق أحزاب المعارضة على شخصه. بمعنى أنه لم يحضر إلى كرسي الوزارة بقرار من هادي لهذا لم يقدر الأخير على إعفائه من منصبه. كما أن باسندوه سبق أي قرار محتمل لهادي بشأن حين قرّر تقديم استقالته بعد سيطرة جماعة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014.
بالمعنى الجغرافي هذا أو "المناطقي" سيكون رئيس الوزراء الجديد أول شخصية تتولى المنصب من الجغرافيا الشمالية. وعند البعد المناطقي هذا، تقول شجاع الدين في حديثها مع "العربي الجديد" إن "هادي لا يشغل باله العمل في عمله الرئاسي بمنطق التوازنات المناطقية مثل سابقه".
• رجل أحمد عوض بن مبارك لإدارة المرحلة المقبلة
لكن من يتابع سيرة رئيس الوزراء الشاب (مواليد 1973) سيكون عليه ملاحظة ارتباطه الدائم بسيرة أحمد عوض بن مبارك، الشخصية القريبة جداً من الرئيس هادي والذي شغل منصب مدير مكتب الرئيس. وهو نفسه من تم رفضه لتولي رئاسة الحكومة -بعد استقالة باسندوه في عام 2014- من كافة الأحزاب اليمنية خصوصاً الحوثيين، ما دفع هادي في عام 2015 إلى تعيينه سفيراً لليمن لدى واشنطن قبل أن يعينه أيضاً في مايو/أيار 2018 مندوباً لليمن لدى الأمم المتحدة خلفاً لخالد اليماني الذي اختير يومها كوزير للخارجية.
وبحسب كاتب يمني، فضّل عدم ذكر اسمه، فإن "بن مبارك لم يقدر على نسيان ذلك الوجع فقام باختيار واحد من "تلاميذه" رئيساً للمنصب الذي حُرم منه". تتبع مسار رئيس الوزراء "الشاب" برفقة بن مبارك ليس صعباً. سبق أن اختاره بن مبارك ليكون عضواً في مؤتمر الحوار، ومن بعدها انتُخب رئيساً لفريق استقلالية الهيئات الوطنية والقضايا الخاصة، كما كان عضواً في لجنة التوفيق ولجنة تحديد عدد الأقاليم، ثم عضواً في اللجنة التي أُسندت إليها صياغة الدستور الجديد. وقد كان هذا الاختيار الأخير محلّ تساؤلات عدة في ذلك الحين بسبب تخصصه في الهندسة المعمارية. وبعدها انسلت السبحة ليكون عبد الملك عضو لجنة المفاوضات مع جماعة الحوثي في مختلف مراحلها في الكويت وجنيف العام 2014. كما تم تعيينه نائباً لوزير الأشغال ومن بعدها وزيراً وبينهما منسقاً بين العلاقات مع السعودية والسفير السعودي في اليمن محمد آل جابر على نحو خاص. وقد ظهر الرجلان سوية في مناسبات عدة بما في ذلك خلال افتتاح مشاريع في المهرة التي تشهد منذ أسابيع احتجاجات على التواجد السعودي ومحاولات مد أنبوب نفطي يمر عبر مدينة المهرة وصولاً إلى بحر العرب.
• رئيس مولع بالصفقات
يقول وليد جحزر، وهو كاتب وصحافي يمني مقيم في عُمان، إن الرئيس هادي مولع بالصفقات الصغيرة، حتى في أحلك الظروف التي يعيشها شعبه، لافتاً إلى أن التدخل السعودي لاحتواء تحركات الانتقالي في الجنوب انتهى بتسوية عبر الإطاحة ببن دغر وتحميله كل إخفاقات المرحلة السابقة. ويرى جحزر في حديث مع "العربي الجديد" أن "اختيار الوزير معين عبدالملك، المقرب من سفير السعودية آل جابر هو، في نهاية الأمر، خيار سعودي إماراتي". وهو قرار لن يخدم أي حلحلة كما جاء في بيان إقالة بن دغر، فـ"تغيير السائق لا يعني أن الحافلة بخير".
ويضيف جحزر بأن النوايا الجادة كانت تستوجب تكوين حكومة طوارئ مصغرة، بدلاً من مواصلة التدحرج في دهاليز الصفقات التي يدفع ثمنها اليمنيون العاديون كل يوم. الرئيس عبده هادي يتخذ قرارات بطيئة ومتأخرة أكثر من اللازم. ومن وجهة نظره فإن التغييرات التي يجريها هادي دائماً مرتبطة بإملاءات مرحلية تأتي في سياق خدمة مصالح التحالف وتثبيت دعائم بقاء حكمه أكثر من كونها على علاقة بصوت ومطالب الشارع اليمني المنهك والفقير.
بدوره، يعتقد الناشط الجنوبي والصحافي فهمي السقاف أن توقيت اتخاذ قرار تعيين رئيس الوزراء الجديد ليس مصادفة بل ترددت قبل أكثر من شهرين أنباء عن اعتزام هادي إقالة بن دغر بعد أن انضمت السعودية إلى حليفتها الإمارات في ضرورة إقالة بن دغر وإن كان لكل من الحليفين أسبابه. ويوضح أن البديل كان لا بد أن يختاره التحالف بيده وتحديداً السعودية، ويكون راضياً عنه، وذلك ما حدث بتعيين عبد الملك وكان تبرير الإقالة بإحالة رئيس الوزراء السابق للتحقيق بالإهمال وفشل الحكومة وانهيار الاقتصاد وتدهور سعر صرف الريال وأخيراً إعصار لُبان.
ويتساءل كيف أن بن دغر وحده من اتهم بأنه المسؤول عن الفشل ووحده من سيتم التحقيق معه مع أن هادي على علم بكل هذا الفشل غير المسبوق لحظة بلحظة، يراه أمامه يمضي من سيئ إلى أسوأ دون أن نسمع له حساً أو صوت اعتراض يصدر من أرفع مسؤول في البلاد، كما يفترض بمسؤول بدرجة رئيس جمهورية أن يفعل ويوقف كل هذا العبث والفشل ويحاسب ويغير وفقاً لما تمليه عليه مسؤوليته لكنه لم يفعل، لأن لا قرار حقيقياً بيده ولا بيد رئيس حكومته فالقرار بيد التحالف وتحديداً السعودية وما على هادي ورئيس حكومته وكل طاقم شرعيته إلا السمع والطاعة. ويضيف "لا أعتقد أن القرار مرضاة للمجلس الانتقالي لأن المجلس الانتقالي وكل ما يصدر منه من مواقف تجاه الشرعية هي في حقيقتها مواقف تعبر عما تريده الإمارات فالمجلس الانتقالي كما هو معروف هي من أنشأته وصنعته واختارت قيادته ومولته وهو رجع صدى لما تقوله. أي أن الانتقالي لا ينطق إلا بلسان إماراتي فصيح". وبذلك يكون هادي، بحسب السقاف، "اختصر دوره بتوجيه الاتهامات في حق رؤساء حكوماته الواحدة تلو الأُخرى"، متغافلاً عن واجبه والمساحة التي تتيح له باتخاذ القرارات والتوجيه وتعطيل المسارات الخاطئة قبل وقوعها ليكتفي فقط بإصدار قرارات الإقالة والإعفاء. ويبقى التساؤل الأبرز الذي يردده اليمنيون بعد مرور أكثر من 6 سنوات على تسلمه الحكم، "متى سيعرف هادي بأنه صار رئيساً لبلاد اسمها الجمهورية اليمنية؟".