متاجرة بالسمع في لبنان

24 مارس 2015
قد يصل سعر السماعة إلى 8000 دولار (فرانس برس)
+ الخط -

لم يعد اللبنانيّون يصدّقون كمّ المخالفات التي تستهدف صحتهم. فمن ملف الغذاء إلى ملف الاستشفاء والدواء، لا تنتهي معاناتهم. أجهزة تقويم السمع أيضاً لا تخضع للرقابة، وفي معظم الأحيان يركّبها أشخاص غير متخصصين، الأمر الذي يخلّف ضرراً كبيراً لدى المرضى قد يصل إلى حدّ الصمم. فأين هي الجهات المعنيّة في ظلّ المتاجرة العلنية بتلك الأجهزة التي قد يصل سعرها إلى ثمانية آلاف دولار للسماعة الواحدة؟

سارة ناصيف عانت الكثير مع ابنها جاد، البالغ من العمر سبع سنوات. هي لم تعد تذكر كم تنقّلت من مركز لتقويم السمع إلى آخر، دون أن تلقى أي نتيجة، حتى أنه طلب منها في إحدى المرات معالجة ابنها بمضادات حيوية، إذ قد يكون الأمر التهاباً في الأذن. لكنها في النهاية اكتشفت أن سمع ابنها تدهور نتيجة الاستخدام الخاطئ لسماعات جهاز تقويم السمع. فعلاجه كان يتطلّب كشفاً دقيقاً وليس مضادات حيويّة.

تقول، لـ"العربي الجديد"، بغصّة: "تعبنا من المتاجرة بنا، حتى عند شراء سماعات تقويم السمع. ما عدنا قادرين على متابعة العلاج من كثرة ما أنفقنا من أموال. لكننا في نهاية المطاف، وصلنا إلى مرحلة اللاعودة. فابني فقد سمعه كلياً، نتيجة التشخيص السيئ". وتسأل: "مَن يعوّض علينا؟".

من جهتها، تتحدّث تريز حرب (60 عاماً)، عن معاناتها مع أجهزة تقويم السمع. فهي وقعت ضحيّة الجودة المتدنية لجهاز مصنوع في الصين وغير صالح للاستعمال. وتخبر أنه "قبل عشر سنوات، خضعت لعملية جراحية نتيجة ثقب في طبلة الأذن. لكن الجراحة لم تنجح، وفقدت السمع كلياً واضطررت إلى الاستعانة بجهاز لتقويم السمع. فاشتريت واحداً من أحد أبرز المراكز المتخصّصة بتقويم السمع، لقاء ثمانية آلاف دولار أميركي. لكن وللأسف، لم أحصل على نتيجة بعدما تبيّن أن هذا المركز المعروف غير مؤهّل لإجراء هذا الفحص الطبي الدقيق. وتبقى الشكوى لغير الله مذلة".

ويتحدّث الطبيب المتخصص في تقويم السمع وبرمجة زرع القوقعة، البروفسور إيلي الزير، وهو عضو في الجمعية الوطنية الفرنسية لتركيب أجهزة السمع، عن أرقام مقلقة في ما يتعلق بتداعيات سوء استخدام تلك الأجهزة، فيقول لـ"العربي الجديد": "تبيّن لنا في الجمعية الوطنية الفرنسية أن احتمالات الإصابة بضعف السمع في البلدان العربية هي أكثر من البلدان المتطورة من ثلاث إلى خمس مرات. و6% فقط من الذين يعانون ضعفاً في السمع في البلدان العربية، يستخدمون السماعات الصحيحة والمطابقة للمواصفات العالمية".

ويتابع الزير أن "كثيراً ما يقصدنا المرضى الذين يعانون ضعفاً في السمع والذين سبق ووقعوا ضحية المخالفات في تركيب جهاز خاص من قبل أشخاص غير متخصصين، فتدهور سمعهم بشكل سريع. من هنا، رفعت الأمر إلى كل من وزارة الصحة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لإعادة النظر في هذا الموضوع الصحي الدقيق".

ويوضح أن "مهنتَي تركيب السماعات الطبية وتقويم السمع تحتاجان إلى عناية فائقة من قبل ذوي الاختصاص. لكن وللأسف، لا يتوفّر أي قانون فعليّ ينظمهما. فتأتي النتيجة فوضى في التعاطي ودكاكين، إذا صح القول. ومراكز تقويم السمع تفتح من دون تراخيص، والسماعات الطبية لا تخضع لرقابة وزارة الصحة في ما يخصّ دقة استخدامها وجودتها ومصدرها، في حين يدفع المريض مبالغ خيالية كثمن لها".
ويلفت الزير إلى أن وزارة الصحة كانت قد أنشأت في عام 2000 لجنة لوضع قانون تنظيم مهنة تقويم السمع. لكن وللأسف، لم تجتمع اللجنة لغاية اليوم، وهو ما ينعكس سلباً على الحفاظ على المهنة. ويشدّد على أن "في لبنان اليوم، متخصصَين اثنَين فقط في مجال تركيب أجهزة السمع وتقويمه. أما الأشخاص الآخرون الذين يعملون في هذا المضمار، فهم يتعدون على المهنة. هم لا يحملون الشهادات، وعلى الرغم من ذلك نجدهم يفتحون مراكز لآلات السمع. فيدفع المريض الثمن في حصوله على تخطيط سيئ، وعلى سماعات غير سليمة".

ويطلق الزير صرخة عبر "العربي الجديد" مطالباً "التفتيش المركزي بأداء دوره في ضبط وملاحقة مراكز تقويم السمع غير المؤهلة، مع التشديد على ضرورة وضع قانون لحماية المهنة وتنظيم دخول السماعات إلى البلد وفقاً للمواصفات العالمية. فالأخطاء لا تعد ولا تحصى، سواء في شراء السماعات من مصادر غير موثوق بها، كالصين أو تركيا مثلاً، أو معالجة السمع بشكل خاطئ بحيث ينعكس سلباً على الأطفال المصابين بالصمم وعلى المتقدمين في السن الذين يعانون مشاكل في السمع".
وعند سؤال وزارة الصحّة العامة عن الموضوع، أكد مستشار وزير الصحة، الدكتور بهيج عربيد، على أن الوزارة تعمل جاهدة على ضبط الملفات الصحيّة المشكوك بأمرها، "والوزير وائل أبو فاعور يسعى إلى حسم هذه التجاوزات".
المساهمون