استمع إلى الملخص
- **تزايد عدد المدارس الأجنبية وتحديات السيادة الثقافية**: شهد المغرب زيادة في عدد المدارس الأجنبية، مما أثار قلقاً حول احترام هذه المؤسسات للسيادة الثقافية والدينية المغربية.
- **انتقادات متكررة لمدارس البعثات الأجنبية**: تعرضت مدارس البعثات الأجنبية لانتقادات متكررة في المغرب، مما دفع إلى دعوات لمراجعة الاتفاقيات لضمان احترام القيم الوطنية.
أعاد حكم للقضاء المغربي بإلزام مؤسسة تعليمية تابعة للبعثة الفرنسية بالسماح لتلميذة بولوج المؤسسة مرتدية حجابها، بعدما منعت من ذلك، النقاش حول وضعية مدارس البعثات الأجنبية في البلاد، وحدود السيادة الوطنية في التعليم والمناهج، وفي تدبير الشأن المدرسي لهذه المؤسسات.
وأمرت المحكمة الابتدائية بمدينة مراكش في 21 يونيو/ حزيران الماضي، بالسماح لتلميذة بدخول مؤسسة تعليمية تابعة للبعثة الفرنسية بحجابها، بعد منعها منذ العاشر من الشهر نفسه، تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 500 درهم (50 دولاراً) عن كل يوم تأخير عن التنفيذ. وقالت المحكمة إنه "لا يحق للمدرسة منع التلميذة من دخول المؤسسة التعليمة بحجابها، لأن ذلك مخالف للدستور المغربي وللمواثيق الدولية". بينما قالت المدرسة الفرنسية إن "النظام الداخلي للمؤسسة يمنع ارتداء أي لباس له علاقة بالرموز الدينية".
وخلال السنوات الأخيرة، ارتفع عدد المدارس الأجنبية في المغرب، ومن بينها مدارس فرنسية وبلجيكية وإسبانية وأميركية وتركية وإيطالية. ويتصدر المغرب دول العالم من حيث عدد مدارس البعثة الفرنسية، بعدد 45 مدرسة، يدرس فيها أكثر من 46 ألف تلميذ، 70% منهم مغاربة، بحسب إحصاءات رسمية.
تقول القيادية في الجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، حليمة الشويكة، لـ"العربي الجديد"، إن "منع تلميذة مغربية من ولوج مؤسسة البعثة الفرنسية يعبر عن تجاوز للقانون وللقيم التربوية والأخلاقية والإنسانية، وحكم المحكمة الابتدائية بمدينة مراكش بإلزام المؤسسة بعودتها مرتدية حجابها يستند إلى قوانين وقيم المملكة المغربية".
يضم المغرب مدارس فرنسية وبلجيكية وإسبانية وأميركية وتركية وإيطالية
وتضيف الشويكة: "الإشكال لا يقتصر على حدث طارئ أو خطأ معزول لمؤسسة تابعة للبعثة الفرنسية، فهذا الحدث ليس الأول من نوعه، بل هو تعبير عن تجاوز لقوانين وثوابت البلاد من هذه المؤسسات، وعدم احترام لسيادة البلد الذي تشتغل فيه. إذا كانت فرنسا تمنع ارتداء الحجاب في أراضيها بدعوى احترام مبادئ العلمانية، وهو ادعاء مردود لأن بقية الرموز الدينية الأخرى تلج المؤسسات التعليمية من دون رقيب، فإن المؤسسات التابعة للبعثة الفرنسية عندما تمنع الطالبات من ارتداء الحجاب تتصرف وكأنها فوق أراضيها متجاوزة القانون المغربي".
وتلفت إلى أن "هذا التجاوز لا ينسحب على ملابس التلميذات المغربيات لدى هذه المؤسسات فقط، بل يشمل المناهج الدراسية التي تطغى عليها أفكار تصادم ثوابت البلاد، ولا تراعي الخصوصية الثقافية للمغاربة، والحال أن انتقاء المنهاج الدراسي يقتضي من الناحية التربوية مراعاة الوسط الثقافي والحضاري. صحيح أن مدارس البعثة الفرنسية مختلفة في طبيعة مقرراتها وبرامجها عن المدرسة المغربية، وأن اختيار بعض الأسر مدارس هذه البعثة يبقى اختياراً خاصاً، لكن مع ذلك يتطلب الأمر تكييفاً بيداغوجياً لبرامجها بما يلائم الوسط الثقافي، مع ضرورة التزامها بقانون البلد، واحترام سيادته وثوابته الدينية".
وليست هذه المرة الأولى التي تجد فيها مدارس البعثات الأجنبية، نفسها في مرمى الانتقادات، إذ سبق أن أثارت معلمة بمدرسة تابعة للبعثة الفرنسية بمدينة القنيطرة (غرب) زوبعة من الجدل، بعد أن استغلت النقاش الذي أثير خلال فعاليات كأس العالم قطر 2022، والمتعلق بمشاركة الفريق الألماني، لتعرض صوراً غير لائقة على تلاميذ بالمرحلة الابتدائية.
وفي العام الماضي، فجر منع المدرسة الفرنسية "ليوطي" بمدينة الدار البيضاء لموظفة من الصلاة بحجة أن المدرسة ليست مكاناً للصلاة، موجة من الغضب والانتقادات. وتكرر الأمر حين تعمد معلم فرنسي يعمل في مدرسة تابعة لبعثة بلاده بمدينة مكناس (وسط)، عرض خريطة المغرب مبتورة من منطقة الصحراء، ودافع عن أطروحة جبهة "البوليساريو" المطالبة بانفصال الصحراء عن المغرب.
ويقول رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، رشيد لزرق، إن "سؤال السيادة الوطنية على المناهج المعتمدة والمقررات التي تتبعها مدارس البعثات الفرنسية مطروح، والدولة المغربية لديها تدخل محدود بموجب اتفاقيات ثنائية تجمعها مع فرنسا، إذ تتبع هذه المؤسسات البعثات الدبلوماسية الفرنسية الموجودة في المغرب".
ويؤكد لزرق لـ"العربي الجديد" أن "الإشكال يطرح بحدة عندما يتعلق الأمر بتعارض بعض المواد مع الثوابت المغربية، مثل تدريس مواد أو تقديم أنشطة تُعتبر مخالفة للقيم الدينية أو الوطنية. واقعة منع دخول تلميذة محجبة تفرض إعادة النقاش، وتحث الدولة المغربية على مراجعة الاتفاقية لضمان احترام هذه المؤسسات التعليمية للسيادة الوطنية، مع المحافظة على جودة التعليم المقدم فيها".
بدوره، يؤكد رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية) عادل تشيكيطو، أن "هذا النوع من المؤسسات التي يرتبط نشاطها بدفتر تحملات لطالما اعتبرت نفسها فوق القانون، وسجلت في حقها مجموعة من الدعاوى القضائية"، لافتاً إلى أن "ما يميز الحكم القضائي الصادر عن محكمة مراكش ويكسبه القوة، هو شموله بالنفاذ المعجل والغرامة التهديدية في حال الامتناع عن التنفيذ".
ويضيف الناشط الحقوقي لـ"العربي الجديد" أن "مقتضيات قانون التربية الفرنسي لا يمكنها أن تسري على التعليم فوق الأراضي المغربية. مع الأسف هذا النوع من المؤسسات يذكرنا بالسطوة التبشيرية التي كانت تفرضها الكنيسة الفرنسية في وقت ما، مع استحضار الفارق في هذا التشبيه، فلا يمكن أبداً لمؤسسة تعليمية أن تنفذ قانوناً أيدولوجياً فوق الأراضي المغربية. المؤسسات والمدارس التابعة للبعثات الأجنبية تعتقد أنها جزء من السفارات والقنصليات الدبلوماسية، علماً أن القانون الدولي والتشريعات الوطنية تقول بخلاف ذلك. كما أن تدبير الشأن الديني يشكل رمزاً للسيادة الوطنية، ومنصوص عليه في الدستور المغربي".
ويرى تشيكيطو أن "على وزارة التربية والوطنية والتعليم تنبيه هذه المؤسسات، خاصة الفرنسية منها، بحدود معاملاتها القانونية، وإجبارها على اتباع القوانين واللوائح المنظمة للتعليم بالمغرب، وتذكيرها باحترام توجيهات الوكالة الوطنية الفرنسية المختصة بتدبير مدارس البعثات، والتي توكد احترام قوانين وأعراف الدول، ومراعاة خصوصيتها وسيادتها الوطنية، سواء في المناهج أو في تدبير الشأن المدرسي".