مبانٍ آيلة للسقوط في طهران... قنابل موقوتة تهدّد الملايين

02 مايو 2017
برج بلاسكو عقب انهياره (فرانس برس)
+ الخط -
يقدر عضو لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني مجتبي ذو النور، عدد المباني الآيلة للسقوط في طهران، بثلاثة آلاف مبنى، ما قد يؤدي إلى تكرار حادثة سقوط برج "بلاسكو بيلدينغ" المشيد في عام 1962، والتي راح ضحيتها 20 إطفائياً سقطوا تحت أنقاض البرج أثناء عملهم على إطفاء حريق ضخم شبّ في الطوابق العليا، في يناير/ كانون الثاني الماضي، وفق ما صرح به للتلفزيون الإيراني عمدة طهران محمد باقر قاليباف.

غير أن عدم وجود قانون صارم، يلزم ملّاك هذه العقارات بهدمها أو يجبرهم على ترميمها، يقلق ذو النور، لكن عدم السماح للبلدية بالتدخل إلا إذا كان المبنى حكومياً، أو يشكل خطراً على أملاك عامة، يشعره بالأسف، كما قال لـ"العربي الجديد"، إن البلدية ملزمة بإبلاغ المالكين والمخالفين بأن عقارهم آيل للسقوط، لكن لا يسمح القانون لها بأن تجبر أصحاب العقارات الآيلة للسقوط على هدم أبنيتهم أو ترميمها.

تحقيقات كشفت الكثير

عقب انهيار بلاسكو، أصدر الرئيس الإيراني حسن روحاني قراراً عيّن بموجبه رئيس جامعة "إعداد المدرسين" محمد تقي أحمدي رئيساً للجنة التقرير الوطني لدراسة حادثة مبنى "بلاسكو"، وكشفت تحقيقات اللجنة التي جرى إعلانها في مارس/ آذار الماضي أن بلدية طهران أرسلت ثلاثة تحذيرات لمالكي البرج المنهار في السابق، بينما أكد وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي خلال جلسة في البرلمان أنه تم توجيه سبعة تحذيرات من جهات عدة إلى مالكي البرج المنهار بعد قيام موظفين من الإطفاء بجولة تفقدية دورية، أكدت حاجة المبنى للترميم، ومن بين تلك الجهات لجنة السلامة في مجلس مدينة طهران، والتي أثارت تصريحات رئيستها معصومة أباد قلقاً واستغراباً كبيرين، إذ أكدت أن مجلس المدينة أجرى زيارات تفقدية شملت سبعة عشر ألف مبنى من بينها ثلاثة آلاف آيلة للسقوط، ومنها أبراج وأبنية منخفضة العلو، وتتمتع بنفس مشكلات بلاسكو، فيما نقلت وكالة إيسنا الطلابية الرسمية، عن عضو لجنة النقل في مجلس المدينة إسماعيل دوستي إشارته هو الآخر إلى وجود 231 برجاً في طهران وحدها لا تتوفر معلومات حول مدى تحقق معايير الأمن والسلامة فيها.


تبادل الاتهامات

تعدد المؤسسات التي عملت على قضية البرج المنهار واختلاف مسؤولياتها أديا إلى تبادل وتباين الاتهامات في ملف برج بلاسكو، والذي يعد واحداً من أبرز علامات التحديث في عهد نظام الشاه محمد رضا بهلوي، وهو ما يعقد من عملية تشريع قانون جديد لمواجهة ظاهرة المباني الآيلة للسقوط، بحسب البرلماني ذو النور، والذي يرى أنه على البرلمان والبلدية ووزارة الداخلية التعاون معاً، لإيجاد صيغة قانونية منعاً لوقوع حوادث أخطر، بعد أن وجهت لجنة العمران البرلمانية أصابع اتهامها إلى وزارتي الطرق والعمل، وقال رئيسها محمد رضا رضايي كوتشي لموقع تسنيم المحافظ والمقرب من الحرس الثوري، "إن البلدية التي وجهت التحذير لم تتابع الملف، لكن هاتين الوزارتين لا تفرضان رقابة ولا تتابعان هذه الأمور".

كذلك اعتبر وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي، في تقريره المقدم أمام البرلمان، أن مجمع بلاسكو نفسه افتقد لمعايير السلامة ولم يكن يوجد به أي تجهيزات لإطفاء الحرائق، أما رئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف، والذي تحمّل العبء الأكبر من الانتقادات، فذكر في جلسة استماع أمام النواب أن إدارة الكوارث قامت بما عليها، لكن هناك مراحل روتينية، وقوانين تحكم عملها، فضلاً عن أن مسؤوليات الرقابة والإشراف موزّعة بين المؤسسات.

لكن الظاهرة السابقة ليست موجودة في طهران فحسب، إذ كشف الناطق باسم لجنة العمران البرلماني صيف بدري لـ"العربي الجديد" عن وجود مبانٍ وصفها بـ"التالفة" تمتد على مساحة ستين ألف هكتار، ويعيش فيها مليون شخص، مؤكداً أن قانون الخطة الخمسية يلزم الحكومة والبلديات بترميم 10% من هذه المساحة، وهو ما لم يتحقق بعد، داعياً هاتين الجهتين إلى تقديم المزيد من التسهيلات لأطراف أخرى عساها تساعد في الأمر. وذكر أن التخطيط لوضع خطة شاملة وحقيقية تطبق على عشر سنوات بات ضرورياً، حتى لا تتكرر الكارثة.

مخالفات بناء تزيد الطين بلة

تعد مخالفات البناء جريمة يعاقب عليها القانون، وفقاً لقوانين مجلس مدينة طهران، وقبل عامين أصدرت بلدية العاصمة تقريراً رسمياً أفادت فيه بأنه مقابل كل مبنى يشيد في طهران تقع مخالفة واحدة، ولفت التقرير الصادر في عام 2014 إلى بناء تسعين ألف وحدة سكنية جديدة بمساحة 15 مليون متر مربع، وهو ما يعني وقوع تسعين ألف مخالفة تختلف درجاتها وحيثياتها.

وتتباين عقوبات المخالفات بحسب ما جاء في المادة رقم 100 من قانون مجلس المدينة، ويُعاقب المسؤولون عنها بدفع غرامة تبلغ قرابة ألف وخمسمائة دولار أميركي وهو ما يجعل المستثمرين غير قلقين، ووفقاً لما ذكر موقع دنياي اقتصاد الإيراني فإن التعامل مع المخالفات يتباين حسب كل حالة، إذ إن هناك من تفرض عليهم غرامات، لكن آخرين يتم إغلاق مشاريعهم أو توقيفها مؤقتاً، وهو ما يراه المهندس في شركة ألماس للتخطيط والبناء ناصر حفيظي "غير كافٍ"، معتبراً، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الرقابة الصارمة على المباني المخالفة والآيلة للسقوط هي العنصر المفقود.


الزلزال الخطر الكامن

"تقع مباني طهران فوق ستة تصدعات زلزالية رئيسة، وستين تصدعاً فرعياً"، وفق ما قال أستاذ معهد الدراسات الدولية للبيئة والزلازل، فريبرز ناطقي، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن المدينة "تعرضت عبر التاريخ لزلزال مدمر مرة كل 180 عاماً تقريباً".

وحذر رئيس مركز التحقيقات الجيولوجية مرتضى طالبيان من اكتشاف تصدّع زلزالي جديد يمر من مناطق تقع غربي طهران، وهي منطقة مأهولة بالسكان وفيها عدد كبير من المراكز التجارية والإدارية. ونقل موقع تسنيم عن طالبيان تأكيده أن الانكسارات الزلزالية تمتد على مناطق تقع شمالي وجنوبي طهران، وعدد منها غير نشط، لكن الدراسات الأخيرة تؤكد وجود انكسار زلزالي قد يتسبب بهزة تصل إلى ست درجات على مقياس ريختر.

وعقب وقوع حادثة بلاسكو، أصدرت إدارة الكوارث تقريراً أشارت خلاله إلى أن هذا الزلزال المرتقب، سيقتل مليون شخص، وسيشرد أكثر من خمسة ملايين آخرين، من أصل 15 مليوناً يقطنون العاصمة.

ونشر موقع اقتصاد آنلاين مقطعاً مرئياً يتوقع التبعات الكارثية، مشيراً إلى أن زلزالاً يبلغ ست درجات على مقياس ريختر سيخرب من 30% إلى 40٪ من مباني طهران، وسيقتل عدداً يتراوح بين 400 ألف شخص ويصل حتى مليون إيراني، وسيترك جرحى بالملايين.
وتنتشر الأبنية المتهالكة في مناطق تقع في جنوب وشرق العاصمة، وتفتقر طهران إلى منظومة لقطع الغاز الذي يصل إلى أبنيتها عبر الأنابيب، ما يرفع من احتمال وقوع انفجارات وحرائق عقب وقوع الزلزال المحتمل، وهو ما يجعل من هذه المدينة قنبلة موقوتة، في ظل أن عدد محطات الإغاثة يبلغ 180 محطة، بينما تحتاج طهران إلى 250 محطة إغاثية مجهزة بكوادر ووسائل إنقاذ. وتكشف دراسة مدير مجموعة السلامة، خلال الحوادث، في كلية الطب التابعة لجامعة طهران، الدكتور علي أردلان، أن جهوزية مواجهة الكوارث الطبيعية موجودة فقط لدى 8% من المواطنين الإيرانيين البالغ عددهم 74 مليوناً تقريباً، ويقول أردلان في الدراسة المنشورة على موقع المؤسسة الوطنية لتحقيقات السلامة إن "تكاليف الجهوزية أوفر بكثير من تكلفة مواجهة التبعات، فعلى سبيل المثال، إن كلّفت جهوزية كل مواطن توماناً إيرانياً واحداً، فمواجهة التبعات ستكلفه 8 تومانات (الدولار يساوي 29993.5 ريالاً إيرانياً).

"ويكمن الخطر الكبير في وجود تجمعات سكانية هائلة في المناطق المعرضة للزلازل"، كما يرى المهندس حفيظي، مضيفاً أن المناطق الجنوبية الأكثر ازدحاماً والأقدم عمراً، تثير قلقاً كبيراً، إذ إن أبنيتها تحتاج إلى ترميم، خاصة تلك المحيطة ببازار طهران الشعبي.

وأضاف عضو لجنة الأمن القومي مجتبى ذو النور إلى ما قاله المهندس حفيظي أن مناورات مؤسسة الكوارث التدريبية الدورية لمواجهة الكوارث غير كافية، إذ تتمرّن الطواقم على عمليات الإنقاذ في مرحلة ما بعد وقوع الكارثة، بينما عليها أن تقوم بخطوات وقائية للحد من التبعات المتوقعة. ووصف ذو النور الأخطار بالجدية، قائلاً إن حريق برج بلاسكو وانهياره بعد ذلك أكدّا عدم الجهوزية، فضلاً عن عدم امتلاك الطواقم إمكانات وتقنيات لوجستية بالمستوى المطلوب.


محاولات للمواجهة

فرضت بلدية طهران على مالكي الأبنية الأعلى من سبعة طوابق أن يطبّقوا كل تعليمات الأمن والسلامة المقررة من قبل إدارة الإطفاء وبأن يفتحوا أبوابههم للمراجعات الدورية، وأن يتم وضع تقارير دورية تتضمن تلك المعلومات ورفعها إلى الجهات المعنية، وفق ما أعلن نائب رئيس بلدية طهران مازيار حسيني في حوار متلفز.

ونشر مجلس المدينة لائحة بأسماء المباني المعرضة للخطر، وأقرّ وضع لافتة على كل مبنى لا يراعي معايير السلامة بما يشكّل قوة ضغط على المخالفين، لكن كل هذه الأمور غير كافية ما لم يتم تشريع قانون محدّد لمواجهة الظاهرة، كما يقول البرلمانيون والمختصون لـ"العربي الجديد".