مبادرة تطوعية لإصلاح أبواب بيروت المحطمة

14 اغسطس 2020
تعلّمتا إصلاح الأبواب (حسين بيضون)
+ الخط -

أخشاب وبراغيّ ومعدات للنجارة وأصوات دعسات شابات وشبان على أدراج المباني، يتفقّدون الأبواب المفتوحة للبيوت محاولين ترميمها أو تصليحها علّها تغلق من جديد. ربما أصبحت مدينة بيروت، بعد الانفجار الذي هزّ مرفأها في الرابع من أغسطس/ آب الجاري، مدينة الأبواب المفتوحة.
"حتى اليوم، نجحنا في ترميم أو إصلاح أكثر من مائة باب في مناطق عدة في بيروت مثل الأشرفية، والكرنتينا، والجعيتاوي، والرميل وغيرها، من خلال استخدام معدات قليلة ومبالغ مادية بسيطة". هذا ما تقوله فاطمة أمين التي أطلقت مبادرة تطوعية تحت اسم "بواب لبيروت" بعد الانفجار، بهدف مساعدة الناس وتصليح أبواب منازلهم لتأمين أدنى شروط الأمان. توزّع فاطمة المهام على متطوعات ومتطوعين، من تأمين معدات وتوفير الطعام والشراب وتصوير الأبواب قبل الترميم بهدف إعطاء المتضررين الأمل.    
"لا نريد طعاماً أو شراباً، نريد أن يُغلَق الباب"، تقول ياسمين التي تعيش في منطقة الكرنتينا، وهي أم لأربعة أطفال. تضيف أنها لا تستطيع النوم في منزلها ليلاً، إذ إن الباب ما زال محطّماً بسبب الانفجار، ولم يقفل حتى الآن. "لا يوجد أمان، لا أستطيع النوم". تنتظر ياسمين عند مدخل بيتها من يمكنه مساعدتها في توفير باب للمنزل مرددة: "الحمدلله، ما زلنا بخير". 

يصعد المتطوعان يامن ونور درج المبنى الملاصق، ويجدان باب منزل آخر محطّماً عند الطبقة الثانية. تقترب ربة المنزل ميليا منهما، وتستقبلهما عند المدخل بابتسامة خجولة، قائلة: "ارتاحا قليلاً"، متمنية أن يُصلحا الباب الذي تعتبره "أهم شيء". يتفقد يامن ونور الباب، يجهزان العدة، ويبدآن بتصليحه بينما تنشغل بالدعاء لهما.
تقول نور إنها لا تعرف الكثير عن أعمال النجارة، وباتت تتعلم بعض الأمور من فك أو قص لتصليح بعض الأبواب. "وجدتُ في التطوع الوسيلة الأنسب للتعاطي مع هذه الكارثة. تبرعت بالدم وساعدت في إزالة الركام، ثم بدأت بمساعدة الأشخاص لتصليح أبواب منازلهم ليشعروا بالأمان، خصوصاً أنه ليس هناك الكثير من الأشخاص الذين تنبهوا لأهمية هذا الأمر". 

أبواب بيروت المحطمة (حسين بيضون)

 

أما يامن، وهو سوري الجنسية، فنجح حتى الآن في تصليح نحو أربعين باباً من دون أن تكون لديه خبرة سابقة في مهنة النجارة. "فكرت أنه كما أحب أن أعود إلى منزلي وأقفل الباب، كذلك فإن الأشخاص الآخرين يحتاجون إلى أن يقفلوا أبواب منازلهم ليبيتوا فيها بأمان"، يقول. يقيم يامن في بيروت منذ عشر سنوات، ويجد أن التطوع ومساعدة اللبنانيين أمران إنسانيان يفرضان على الجميع التعاون والمساعدة، خصوصاً أن مدينة بيروت تعني له الكثير. "لا يوجد أحد لا يحب بيروت"، يقول. 

أبواب بيروت المحطمة (حسين بيضون)

 

تتجوّل مي الزين (20 عاماً) بين أزقة الكرنتينا، وتتحدث إلى المتطوعات والمتطوعين، وتساعد في توفير الشراب والطعام لهم، كما تقوم بالتقاط الصور للأبواب قبل تصليحها وبعده. "عندما ألاحظ الفرق بين الصورتين، أنتبه إلى أن الأمور الصغيرة مهمة جداً في بعض الأحيان. وإن بعض الخطوات حتى البسيطة، تحدث فرقاً وتوفر الأمان". تبتسم مي حين تلاحظ بعض الراحة على وجوه الأهالي المتضررين على الرغم من شعورها بسوء الوضع في لبنان. "لا توجد أيام أفضل في المستقبل". لذلك، تنوي مي أن تنهي دراستها الجامعية وتهاجر من البلاد. 
"في العادة، يُقفل كل باب ويُفتح. هو الأمر الذي يفصل بين الخاص والعام، وبين ما هو حميم ومعلن. وفي العادة، للأبواب رموز ومعان، ولا ندخل البيوت التي لا نعرف أصحابها". هذا ما تفكّر فيه ديما خلال قيامها بتصليح الأبواب المفتوحة، وإن كان البعض يستغرب كونها فتاة تقوم بتلك الأعمال التي تتطلب طاقة وقوة أحياناً. "يقولون لي إنني أستحق تمثالاً". تضيف: "شعرتُ، ومنذ وقوع الانفجار، أنني في حاجة إلى القيام بأمر ما، وأشعر بأنني موجودة، وأن لدي هدفاً وتحديات في يومياتي، وأن أكون أقرب إلى الناس المحتاجة، ما سيساعدني على خفض الشعور بالتوتر والقلق". 

من جهتها، تلاحظ لارا شلالا أن الأشخاص المتضررين حزينون ومتعبون، ويقولون إنهم لم يختاروا ما جرى لهم، بل فرضت هذه الأضرار الجسيمة عليهم. "فكرت أنه يمكنني أن أقوم بأمر مفيد من خلال هذه المبادرة. على الأقل، يمكن للأشخاص أن يشعروا بالأمان خلال نومهم من دون الخوف من السرقات".

أبواب بيروت المحطمة (حسين بيضون)

 

لا يبدي أنس يونس شعوراً بالقلق، ويتحدث بتلقائية مع الشابات والشبان وينسق العمل بينهم، مركزاً على مسح الأبواب وتقييم حجم الأضرار، قبل البدء بجولات التصليح. يعيش أنس منذ خمس سنوات في بيروت، قادماً من مدينة دمشق. ويعتبر تطوعه جزءاً من تضامنه مع اللبنانيين، وواجباً اجتماعياً نحو المجتمع الذي احتضنه خلال السنوات الأخيرة. 
تقول فاطمة: "نأمل ترميم أو تصليح مائتي باب حتى يوم غد"، وهي تتنقل وأصدقاءها بين أحياء مدينة بيروت المتضررة حيث ربما لم يعد باب الأمل يتعدى أكثر من تأمين باب. 

المساهمون