مبادرة برلمانية لمنع النقاب في تونس تعكس الاستقطاب السياسي

22 مارس 2016
مُنع النقاب منذ عام 1981 لغاية 2011(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يعود الجدل حول منع النقاب من عدمه في تونس إلى الواجهة، بعدما تمّ منعه منذ العام 1981 لغاية 2011 في الأماكن العامة. كما أثار هذا الموضوع نقاشاً عمّ الشوارع التونسية، بعد منع معلّمة من مزاولة عملها لارتدائها النقاب عام 2015. ويعيد بعض النواب التونسيين، أخيراً، هذا الاقتراح إلى استغلال الجماعات المتشددة للنقاب في تنفيذ هجماتهم. وفي ظلّ الوضع الأمني الذي تعيشه تونس، أودعت كتلة "الحرة" البرلمانية المنتمية لحزب حركة "مشروع تونس" التي يتزعمها الأمين العام السابق لـ"نداء تونس"، محسن مرزوق، أمس الأول السبت، مشروع قانون يمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة. وخلقت هذه المبادرة انقساماً في مجلس النواب التونسي، بين مؤيد ومعارض لها.

في هذا السياق، يوضح رئيس كتلة "الحرة"، النائب عبد الرؤوف الشريف، لـ"العربي الجديد" أنّ "المشروع يهمّ كل التونسيين والنواب"، مبيناً أن "المنظومة القانونية والعقابية المسلطة على المجموعات المتشددة ليست كافية، كما أن هؤلاء بصدد استغلال الفراغات التشريعية". ويضيف أنّ "مشروع القانون يأتي في إطار مساهمة النواب في تسهيل مهمة السلطات الأمنية والعسكرية بمكافحة الإرهاب"، على حدّ تعبيره.

ويقول رئيس الكتلة إنّ "المستوى المتقدم الذي وصلت إليه تونس في حربها ضد المتشددين، يدعو إلى تجنيد كل الوسائل والآليات لمقاومة هذه الظاهرة"، معتبراً أنّهم ركزوا على الأماكن العامة في منع النقاب، "لأن الدستور يقرّ الحرية الشخصية للفرد، وتحديداً الفصل 19". وبالتالي، فإنّ من حق المرأة أن ترتدي النقاب في بيتها، لكن كلما تعلق الأمر بالفضاء العام والأمن الوطني في ظلّ وجود التهديدات، فإن المصلحة العامة تقتضي إجبارية المنع، وفقاً للشريف.

ويلفت النائب ذاته إلى أنّه لوحظ في الأعوام الأخيرة، أن "النقاب يسهّل تنقل منفّذي الهجمات، ويمكن استعماله لتخريب المجتمع. لذلك، من واجبنا كنواب سنّ التشريعات التي من شأنها أن تحمي الأفراد"، مشيراً إلى أنّ بعض نواب كتلة الحرة "وقّعوا على هذه المبادرة، وهي مفتوحة أمام جميع النواب الذين يوافقون على هذه الفكرة".

من جهته، يوضح النائب عن كتلة "الحرة"، سهيل علويني لـ"العربي الجديد"، فحوى المبادرة التشريعية، قائلاً إنها "تستهدف فئة من المجتمع تعمد إلى تغطية وجهها وترفض الكشف عنه في المنشآت العامة، والشوارع، والإدارات، وهو ما يخلّف مشاكل أمنية عدة". ويشدد على أن "المبادرة جاءت استجابة لإلحاح القوات الأمنية على وجوب اتخاذ إجراءات لتسهيل التفتيش والتعرف على الهويات في ظل الوضع الخطر الذي تمر به البلاد"، وفقاً للنائب.
 
ويبيّن علويني أنّ "الاعتداءات أظهرت أنّ التعرف على هويات منفّذي الهجمات شكّل صعوبة كبيرة لأنّ معظمهم كانوا ملثمين، أو استغلوا النقاب كرداء للتخفي تحته. لذلك، فإنّ مقترح القانون كان واضحاً بالحديث عن غطاء الوجه ولم يخص النقاب بالذكر"، على حدّ قوله. ويوضح أن "لا عداوة بين الكتلة والنقاب وليس المقصود منه الجانب الديني على الرغم من أنّه موضع نقاش كبير لم يُحسم إلى اليوم بين العلماء". ويعتبر أنّ "هذه العادة الدخيلة صارت اليوم عبئاً على الأمنيين. وفي ظل الوضع الحرج لا بد من معرفة هويات الأشخاص حتى تسهل عملية تحديد المتورطين في حال وقوع عمل مخالف للقانون"، وفقاً للبرلماني ذاته.

اقرأ أيضاً في ذكرى استقلال تونس: احتفالات وتحذيرات من خطر الإرهاب

من جانبه، أوضح النائب عن لجنة الحقوق والحريات عن حزب "آفاق تونس" المشارك في الائتلاف الحاكم، كريم الهلالي لـ"العربي الجديد" أن كتلته تتفق مبدئياً مع المقترح، "وتساند منع تغطية الوجه في الأماكن العامة، لكنها ترى أنّ سنّ مثل هذا المشروع لا يجب أن يتناقض مع مقتضيات الدستور، وما ينص عليه من حقوق وحريات". ويضيف الهلالي أن "الكتلة الحرة لم تستشر كتلة آفاق، ويُنتظر عرض المشروع على لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية حتى يتسنى التدقيق في محتوياته، والحرص على ألا تكون تفاصيل القانون مخالفة للدستور".

أما نواب الجبهة الشعبية فأعلنوا مناصرتهم للمقترح "حال إيداعه". ويؤكد النائب في لجنة الحقوق والحريات عن "الجبهة"، أيمن العلوي لـ"العربي الجديد" أن "النقاب عادة دخيلة على المجتمع التونسي وهو ما يجعل منعه في إطار الاستجابة للمعطى الأمني الخطير، الأمر الذي لا يرفضه شق واسع من المجتمع، فضلاً عن أن عمليات إيقاف المشتبه بهم بتورطهم في الاعتداءات كشف أن هؤلاء يرتدون النقاب لإخفاء هوياتهم". ويشير العلوي إلى أن "الجبهة تشدد على أن النقاب بحد ذاته يلغي كينونة المرأة، ويمحي وجودها اجتماعياً، وبالتالي، فإن الكتلة لا تجد حرجاً في دعم المبادرة التي تقدمت بها كتلة الحرة"، على حدّ تعبيره.

في المقابل، يؤكدّ الأمين العام للتيار الديمقراطي، محمد عبو لـ"العربي الجديد" أنّ "تونس دولة عادلة وقوية، وهي ملتزمة بالحريات الفردية ومنها حرية اللباس". ويوضح أنّ "المسألة لا تقتضي سن قوانين أو تشريعات، إذ يمكن حل الإشكال من دون المنع. في أعتى الدول الديمقراطية، عندما تحصل شبهة حول أحدهم، سواء كانت امرأة، أو أي فرد آخر، فإنه يمكن نزع النقاب"، على حدّ تعبيره. ويقول عبو إن "لكل مرحلة متطلباتها؛ فعندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، فإن حرية الشخص تتقلص"، مبيناً أنّ "رجل أمن بإمكانه مطالبة سائقة سيارة منقّبة بالكشف عن وجهها، إذا حامت حولها شبهات معينة".

وينتظر أن يتم تداول المقترح في مجلس النواب، مستقبلاً، لإدراجه في روزنامة أشغال لجنة الحقوق والحريات وتحديد انطلاق مناقشته، وفق ما يؤكده مساعد رئيس البرلمان المكلّف بالتشريع، النائب عن حركة "النهضة"، نوفل الجمالي لـ"العربي الجديد". ويقول الأخير، إن "حركة النهضة لم تناقش المقترح ولم تحدد موقفها منه، وستعلن عنه عند عرضه على اللجنة المختصة. لكن الحركة لا تمانع مبدئياً ذلك، إذا التمست وجاهة في المنع، وإذا ما بني القانون على مستندات منطقية تبرر الاتجاه لمنع تغطية الوجه في الأماكن العامة"، وفقاً للجمالي.

ويوضح الجمالي أنّ "الحركة لم تعتل المنابر دفاعاً عن النقاب ولم تكن متحدثة باسمه، وبالتالي فهي تتعامل مع الموضوع كغيره من المسائل التي تأخذ وقتها من النقاش والتداول. وإذا كانت الدوافع مقنعة، خصوصاً في سياق مكافحة الإرهاب، فإنها لن تقف في وجه مصلحة البلاد، على ألا يكون ذلك مخالفاً للدستور الذي يظل الضابط الأول للمنع أو الإباحة".

ويرى الباحث في الجماعات الإسلامية، سامي براهم، أنه "لا يوجد أي مبرر لمنع النقاب في الفضاءات العامة. لكن في المقابل لا بد من إلزامية وضع قوانين تجعل المنقّبات على ذمة الإدارة، والأمن، ويكشفن عن هويتهن متى يُطلب منهن ذلك". ويؤكد براهم لـ"العربي الجديد" أنّ إلزام المنقّبات بنزع النقاب، يحدّ من الحرية الشخصية والحريات بصفة عامة، معتبراً أنّ البعض يبرر المنع بأن النقاب قد يستغل من الجماعات المتشددة، ويسهّل تنقلهم. لكن عوض المنع لا بد من إجراء آخر، يقوم على كشف الهوية وأن تكون المنقّبة مهيأة لذلك عندما يُطلب منها"، وفقاً للباحث ذاته.

ويضيف براهم أنّه "لا بد من الموازنة بين الحرية الشخصية وحق الدولة في فرض النظام"، لافتاً إلى أنّه "يحق للمؤسسات التي يقضي فيها عمل المرأة كشف الهوية، وعدم استعمال النقاب أن تمنعه، مثل الروضات، إذ إنّ الوالد الذي يودع طفله يحق له معرفة الشخص الذي استأمنه على ابنه كي لا يكون مجهولاً، وكذلك الشأن في الفضاءات المالية، كالبنوك لأنّ المعاملة تقتضي أن يكون الطرف المتعامل معه مكشوفاً، باعتبار أنّ عدم الكشف قد يكون ضد مصالح عملاء المصرف. في ما عدا ذلك يمكن للمرأة أن تضع نقابها طالما أن وظيفتها لا تتطلب منها الكشف عن هويتها"، على حدّ تعبيره.

اقرأ أيضاً: تحوّلات معركة بنقردان