مبادرة الحوثي تدخل حيز التنفيذ: محاولة لامتصاص تصعيد الساحل

31 يوليو 2018
دعا محمد علي الحوثي لإيقاف العمليات العسكرية البحرية(فرانس برس)
+ الخط -
عقب أيام من التصعيد العسكري الذي ساد أغلب جبهات الحرب في اليمن، بما في ذلك محافظة الحديدة الاستراتيجية غرب البلاد، يعود الحديث عن التهدئة، ولكن هذه المرة من بوابة مبادرة  لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وعنوانها الرئيسي هو البحر الأحمر. ولم تمضِ ساعات على كشف رئيس ما يُعرف بـ "اللجنة الثورية العليا" التابعة للجماعة، محمد علي الحوثي، عن مبادرة بإيقاف العمليات العسكرية البحرية لمدة محددة قابلة للتمديد ولتشمل جميع الجبهات، حتى عاد ليعلن مساء الثلاثاء، أن الهدنة تبدأ منتصف ليل الثلاثاء-الأربعاء.


وقال الحوثي في تغريدة بحسابه الشخصي على موقع تويتر إن "الهدنة التي تم الترحيب بها من وزارة الدفاع اليمنية (الخاضعة للجماعة)، ستبدأ من الساعة الثانية عشرة لهذه الليلة حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً من يوم الأربعاء الثالث ذو الحجة 1439 الموافق ليوم 15 أغسطس/آب 2018، قابلة للتمديد إن قوبلت بخطوات من التحالف الأميركي السعودي وحلفائه".

وتأتي هذه المبادرة في خطوة تسعى من خلالها الجماعة إلى امتصاص وتيرة التصعيد ودعم الفرص المتاحة أمام جهود الأمم المتحدة للسلام، إلا أنّها لا تلبي الحدّ الأدنى من متطلبات التحالف والحكومة الشرعية، في ما يتعلّق بالانسحاب من مدينة الحديدة، كمفتاح برأي الأخيرة، نحو استعادة مسار السلام.

 وكان الحوثي قال في تصريحات الثلاثاء: "نعلن عن مبادرتنا بدعوة الجهات الرسمية اليمنية (إشارة إلى قيادة الجماعة) إلى التوجيه بإيقاف العمليات العسكرية البحرية لمدة محددة قابلة للتمديد ولتشمل جميع الجبهات، إن قوبلت هذه الخطوة بالاستجابة والقيام بخطوة مماثلة من قبل قيادة هذا التحالف".


وقدّم الحوثي تفسيراً لدوافع مبادرته المعلنة ومنها "استجابة للجهود الدولية"، قائلاً إنّ الإعلان هو "من منطلق الحرص على الدماء اليمنية وانطلاقاً من القيم والمبادئ الدينية والإنسانية، وتعظيماً لشعائر الله والأشهر الحرم (إشارة إلى الحج)، واستجابة وتعزيزاً للتحركات والجهود الرامية لإحلال السلام؛ سواء ما كانت في صورة مبادرة تبنتها الشخصيات العربية أو الدور الذي يقوم به المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث والدول الداعمة للسلام".

وجاءت المبادرة لتحمل العديد من الأبعاد المرتبطة بالتوقيت وبالتصعيد الميداني، إذ إنّ الإعلان عن وقف التصعيد باتجاه البحر الأحمر، يبدو محاولةً لنزع فتيل التصعيد الذي أعقب اتهام السعودية للجماعة باستهداف ناقلتي نفط كبيرتين في البحر الأحمر، يوم الأربعاء الماضي، وما أعقب ذلك من حملة جوية، أكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، استمرارها حتى أمس الثلاثاء، من خلال ضربات مكثّفة تركّزت على مدينة الحديدة ومحيطها، في ظلّ تحضيرات معلنة لاستئناف العمليات العسكرية الميدانية الهادفة إلى انتزاع السيطرة على المدينة من الحوثيين.

وفي هذا السياق، تبدو المبادرة كمحصلة طبيعية لردّ فعل التحالف، الذي جعل من صواريخ الجماعة بحراً، مبرراً لما تخشى منه الجماعة، وهو المضي بعمليات الساحل الغربي بحجة تأمين الملاحة الدولية. ويحاول الحوثيون من خلال المبادرة تفويت الفرصة على التصعيد، في حين كان الموقف الصريح للحكومة اليمنية وللتحالف، والذي عبّرت عنه مختلف البيانات والتصريحات على مدى الأيام الماضية، يشدّد على أنّ "الملاحة في البحر الأحمر مهدّدة طالما بقيت سيطرة الحوثيين على الحديدة".


يذكر أنّ محمد الحوثي، سبق أن أعلن عن مبادرات، منها مبادرة في فبراير/شباط الماضي، وُصفت بأنها استباق لاجتماع مجلس الأمن خلال الشهر نفسه، لمناقشة تقرير أوصى بإدراج اسمه ضمن قائمة العقوبات الدولية. لكنّ الرابط الأهم المتعلق بالحوثي نفسه، هو أنّ مبادرة وقف العمليات العسكرية باتجاه البحر، جاءت في ذكرى إطلاقه مبادرة مشابهة في 30 يوليو/تموز2017، حين دعا إلى هدنة مع السعودية، وقال يومها: "لحرمة الحج وقداسة الأشهر الحرم وتحريم القتال فيها - إلا لدفع العدوان - أدعو السعودية للتوقيع على هدنة فعلية في البيت الحرام، يلتزم خلالها الجميع بعدم القتال في كل محاور المواجهات العسكرية، وفكّ الحصار، والسماح للحجاج اليمنيين بالحج حتى تنتهي هذه الأشهر إكراماً وتعظيماً لها بما عظمها الله".


وكما أفصح الحوثي نفسه في مبادرته، فإنّ إعلانه بدا متناغماً مع الجهود الدولية المستمرة، والتي تدافعت نحو استئناف مفاوضات السلام، إذ جاء عقب يوم من اجتماع دبلوماسي ضمّ سفراء مجموعة الدول الـ18 المعنية بالتسوية في اليمن، بما فيها الخمس الدائمة في مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي مع وزير الخارجية في الحكومة الشرعية خالد اليماني. وهو الاجتماع الذي دافع خلاله الأخير عن التحرّك العسكري للحكومة بدعم من التحالف في الحديدة، فيما أكّد السفراء موقفهم بأن الحلّ السياسي هو الخيار الوحيد في اليمن.

كذلك، جاءت مبادرة محمد الحوثي قبل يومين من اجتماع مجلس الأمن الدولي المقرّر يوم غدٍ الخميس، للاستماع إلى إحاطة غريفيث حول آخر التطورات. ومن المتوقّع أن يحتلّ التصعيد بحراً في الأسبوع الأخير، جزءاً مهماً من إحاطته. ومن شأن المبادرة الحوثية بوقف العمليات العسكرية نحو البحر والإعلان عن الاستعداد لإيقافها في مختلف الجبهات، أن تساهم في تخفيف اللوم الملقى على الجماعة بالتصعيد الأخير، وما أعقبته من عمليات جوية في الساحل الغربي، وبالتالي المزيد من العقبات أمام جهود غريفيث، الذي تزامنت الأزمة بحراً مع وجوده في العاصمة صنعاء.

الجدير بالذكر، أنّ وقف التصعيد في الحديدة من قبل التحالف والحكومة، مشروط من قبلهما بانسحاب الحوثيين من المدينة والميناء الذي يعدّ الشريان الأهم في اليمن. وهو ما يقلّل من أيّ حديث عن مبادرات تتصل بالتصعيد باتجاه البحر ولا تناقش سيطرة الحوثيين في الساحل. ومع ذلك، فإن المبادرة على هذا النحو، تخدم الجهود الدولية أو موقف الجماعة على الأقل، لتخفيف الاتهامات لها بتهديد الملاحة الدولية، في حين تبقى تطورات الأيام المقبلة هي المؤشّر الحاسم إلى السياق الذي جاءت فيه مبادرة الحوثي.