تدل كل المؤشرات على أن الجولة المكوكية التي شرع بها وفد يضم كبار قادة جهاز المخابرات العامة المصرية بين تل أبيب وغزة تهدف بشكل أساس إلى محاولة منع انفجار مواجهة عسكرية، يخشى رئيس وزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن تؤثر نتائجها بشكل سلبي على حظوظه بالفوز بالانتخابات التشريعية التي ستنظم في التاسع من إبريل/ نيسان القادم.
فنتنياهو يعي أنه بغض النظر عن مآلات الوساطة المصرية، فإن انفجار مواجهة مع غزة تحديدا سيوفر مسوغات لخصومه، وتحديدا في معسكر "الوسط" و"اليسار" لمهاجمته والتدليل على فشل استراتيجيته الأمنية؛ حيث إن قادة المعارضة في تل أبيب يعكفون على المحاججة بأن "التنازلات" التي قدمتها الحكومة لحماس أسهمت في تآكل قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة غزة، والتي تراكمت في أعقاب الحرب التي شنتها تل أبيب في صيف 2014.
ويتضح من التقارير الصادرة عن غزة وتل أبيب، أن الهدف الرئيس للتحرك الذي شرعت به قيادة المخابرات المصرية، التي ستعود غدا الخميس لغزة مجددا، يتمثل في محاولة إقناع قيادة حركة حماس بوقف إطلاق البالونات الحارقة، التي يطلقها النشطاء الفلسطينيون المشاركون في مسيرات العودة وكسر الحصار، ضمن إطار جديد للتهدئة بين إسرائيل وحماس.
ومما يدلل على أن اعتبارات نتنياهو الانتخابية تلعب دورا مركزيا في إذكاء حماس الجانب المصري للتدخل، حقيقة أن قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية "كان" كشفت الليلة الماضية أن رئيس جهاز "الموساد" يوسي كوهين، والذي يوصف بأنه أمين سر نتنياهو وأكثر قادة الأجهزة الأمنية قربا منه، هو الذي بادر للاتصال بقادة الأمن المصري والطلب منهم التدخل لدى حماس لمحاولة تقليص فرص اندلاع مواجهة جديدة.
ويأتي حرص قادة المخابرات المصرية بشكل خاص على محاولة إقناع حماس بوقف إطلاق البالونات الحارقة تحديدا، لأن هذا يعد أكثر مناشط حراك مسيرات العودة، تأثيرا على مواقف الرأي العام الإسرائيلية وذلك بفعل انعكاسه النفسي على المستوطنين، على الرغم من محدودية تأثيراته المادية، سيما في ظل فصل الشتاء.
ومما يفاقم مصاعب نتنياهو أن المستوطنات والبلدات والمدن الإسرائيلية التي تقع بالقرب من غزة، والتي تسقط فيها البالونات الحارقة، تعد معاقل لليمين ولحزب "الليكود" تحديدا، مما قد يسهم في التأثير سلبا على التأييد للحزب في الانتخابات المقبلة والحاسمة.
ولا يكتسب توظيف نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في محاولة منع تفجر مواجهة مع غزة، أهمية كبيرة بالنسبة لنتنياهو، فقط لأنه يقلص من فرص خسارة "الليكود" الانتخابات، بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يعتقد أن تحقيق فوز مقنع في الانتخابات القادمة سيقنع المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت بإعادة النظر في بنود لوائح الاتهامات التي وجهها له بعد جلسات الاستماع التي حددها له، والتي ستنتهي بعد عام.
لكن معضلة نتنياهو تكمن في أن فرص نجاح وفد المخابرات المصرية في منع اندلاع مواجهة لا تبدو كبيرة، على اعتبار أن جسر الهوة بين الحد الأدنى الذي تشترطه حماس لوقف إطلاق البالونات لا يبدو نتنياهو مستعدا لقبوله عشية الانتخابات تحديدا، لأن خصوم نتنياهو في المعارضة واليمين على حد سواء، سيعمدون لاتهامه بالخضوع "للإرهاب".
فبسبب حساسيته من ردود المعارضة في تل أبيب، فإن نتنياهو يرفض طلب حماس إدخال المنحة القطرية قبل وقف إطلاق البالونات، ناهيك عن أنه غير مستعد حاليا للنظر في مطالب حماس بالبدء في نقاش حول تدشين ممر مائي يربط غزة بالعالم الخارجي، أو وضع حل جذري لمشكلة انقطاع التيار الكهربائي.
نتنياهو المعني بإبعاد غزة عن الحملة الانتخابية، لا يمكن أن يقبل، حتى إجراء الانتخابات، في البحث في القضايا التي تشكل ركائز تفاهمات التهدئة التي تطالب حماس بتضمينها في أي تفاهم بشأن التهدئة طويلة الأمد.
وفي المقابل، فإن نتنياهو يبدو مستعدا للموافقة، بعد وقف إطلاق البالونات، على خطوات تضمن تخفيف الأوضاع الاقتصادية في القطاع، دون أن تشكل دليلا على خضوعه لحماس، في نظر خصومه في الداخل، مثل الموافقة على إدخال المنحة القطرية لدعم العوائل الفقيرة، وتوسيع مساحة صيد السمك.
وقد سبق لنظام السيسي أن أقدم على خطوات، بناء على طلب إسرائيل، وبهدف المساعدة في منع انفجار مواجهة جديدة، مثل: التراجع عن إغلاق معبر رفح، والسماح لقيادات حركة حماس بالقيام بجولات خارجية.
لكن من الواضح أن حركة حماس، على الرغم من إدراكها طابع البيئة الإسرائيلية الداخلية عشية الانتخابات وتأثيراتها على أنماط التعاطي مع القطاع، إلا أن تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية يتواصل بوتيرة عالية، بشكل يدفع الحركة للضغط على تل أبيب لأن تعمد إلى إيجاد حل لمشاكل غزة، التي تسبب بها الحصار.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن أن يلجأ نتنياهو إلى توظيف ثقل إسرائيل الإقليمي والدولي في إيجاد حلول للواقع الاقتصادي والإنساني في غزة، بحيث يتولى طرف ثالث إدارة مهمة التخفيف عن القطاع، حتى لا يتضرر انتخابيا من ذلك؟