ما مِن غويتيسولو عربي

05 يونيو 2017
(خوان غويتيسولو، تصوير: أولاف أندرسن)
+ الخط -

في 2009، أطلق معمّر القذّافي ما سماها "جائزة القذّافي العالمية للآداب". لكن، لسوء حظّه ربما، لم يختر القائمون عليها كاتباً عربياً لتُمنَح له في دورتها الأولى، بل وقع اختيارهم على كاتب إسباني كان اسمُه سيضفي على الجائزة المستحدَثة ثقلاً ومصداقيةً. لكن خوان غويتيسولو (1931 - 2017)، اتّخذ موقفاً آخر.

رفض غويتيسولو، والذي رحل أمس، الجائزة. وكان ذلك متوقَّعًا من رجلٍ ظلّ يقف إلى جانب القضايا العادلة أينما كانت: ساند الثورة التحريرية الجزائرية، وناهض الأنظمة الفاشية والدكتاتورية في الشرق والغرب.

أرجع الكاتب قراره إلى أسباب سياسية وأخلاقية. وفي بيان له، اعتبر أن الموقف "ينسجم مع قناعاتي ومواقفي المناصِرة لقضايا العدل"، وأنه "خطوة في اتجاه البحث الدائم عن التماهي مع مواقفي المناهِضة دوماً للأنظمة الاستبدادية".

تبلغ قيمة الجائزة 150 ألف يورو، وهي قيمة مغرية ما في ذلك شك. لكن المبلغ لم يكن يساوي شيئاً أمام صاحب "علامات هوية"، والذي قال إنه لا يُمكن أن يقبل مالًا من رجل "وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري، وظلّ فيه لأكثر من أربعين عامًا". بالنسبة إليه، ثمّة ما هو أهم من المال: "لم يكن بوسعي قبول جائزة تجلب لي الخزي والعار. كان لا بد من قول لا لطاغية مثله".

ذلك هو موقف غويتيسولو، والذي استقرّ في مدينة مرّاكش منذ 1997 ورحل فيها، وظلّ يفخر بكونه كاتباً إسبانياً يتحدّث العربية. فماذا عن المثقّفين العرب؟

لنبق في ليبيا؛ بلد الروائي إبراهيم الكوني، الذي سيصف نفسَه بعد اندلاع الثورة ضدّ القذّافي بـ "أوّل معارض ليبي"، و"العدو رقم واحد لنظام القذّافي". المفارَقة أن "المعارِض" و"العدو رقم واحد" كان يعيش في جنيف على نفقة الدولة الليبية. كما أن "جائزة القذّافي العالمية" نفسَها أُطلقت باقتراح منه، وهو من سيختار الناقد المصري صلاح فضل رئيساً للجنة تحكيمها.

كأن القائمين على الجائزة أيقنوا أن قلّة قليلة في هذه الجغرافيا قد تقول "لا"، كما قالها غويتيسولو من قبل. وهكذا، سيقرّرون منحها لكاتب عربي.

لم يكن هذا الكاتب سوى المصري جابر عصفور، الذي سيكون آخر وزير ثقافة في عهد حسني مبارك، بعد أن عُيّن في منصبه خلال ثورة يناير. المثقّف "التنويري" و"التقدّمي" و"اليساري" لم يُبد أدنى تردّد في قبولها، بل سارع إلى استلامها، مبرّراً ذلك بكونه "مناصرًا للاشتراكية والحرية".

وحين خرجت جموع المتظاهرين الليبيين ضدّ "الزعيم"، بحث صاحب "محنة التنوير" عن مَخرج من محنته؛ فقرّر القفز من المركب والتنازل عن الجائزة. الطريف أنه استبعد فكرة إرجاع قيمتها المادية "لأن الشعب الليبي هو من أعطاني المال، وردُّه سيكون بمثابة إهانة لليبيين!".

عشرات المثقّفين العرب تصرّفوا مثل عصفور والكوني ودخلوا خيمة الزعيم الذي كان يُغدق بسخاء. المهمّ أن يظهر ''القذافي كاتباً ومبدعاً''، وهذا عنوان ندوة أُقيمت في طرابلس الغرب، عام 2003، حول "أدب القذّافي"، وشاركت فيها عشرات الأسماء الثقافية العربية التي تغنّت بـ "عبقرية الزعيم" الأدبية المتجلّية، تحديداً، في مجموعته القصصية اليتيمة "القرية القرية، الأرض الأرض، وانتحار رائد الفضاء''، والتي قدّم لها الناقد الليبي أحمد إبراهيم الفقيه، الذي لن يخجل من الحديث عن نضالاته من أجل الحرية والديمقراطية في زمن القذّافي.

في الندوة ذاتها، شارك الروائي الجزائري واسيني الأعرج بدراسة بعنوان "المدينة والمثال في مجموعة معمّر القذّافي القصصية"، ومواطنه الشاعر عز الدين ميهوبي بدراسة حول "البعد الإنساني في إبداعات معمّر القذّافي".

ولئن كان الثاني قد قالها صراحةً بأنه "مثقّف السلطة" (تقلّد مناصب رسمية عديدة، وحالياً يشغل منصب وزير للثقافة)، فإن الأوّل لا ينفكّ ينظّر في علاقة المثقّف بالسلطة، ويزعم أن كتاباته تنبّأت بالثورات العربية.

نتحدّث عن القذّافي من خلال موقف غويتيسولو بمقارنته مع مواقف كتّاب عرب. لكن القصّة تنسحب، بالتأكيد، على مناطق أخرى، في طول البلاد العربية وعرضها.

المساهمون