على هامش المؤتمر الذي نظمه الإثنين الماضي "مركز هرتسليا متعدد الاتجاهات"، لمّح وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إلى أن تل أبيب لن تتردد في استهداف المليشيات الموالية لطهران في العراق بعد حصولها على صواريخ باليستية بعيدة المدى من إيران.
وأوضح ليبرمان أن إسرائيل ملزمة بالعمل عسكريا في أية بقعة جغرافية في المنطقة تعمل إيران على التمركز عسكريا فيها.
وقد لوحظ أن دوائر صنع القرار السياسي والأمني قد حرصت على تسريب المزيد من التقديرات التي تعكس مخاوف تل أبيب من حصول المليشيات الطائفية العراقية على سلاح نوعي، مثل الصواريخ الباليستية، وإمكانية أن يسهم هذا التطور في تهديد عمق إسرائيل الاستراتيجي.
وتبدي إسرائيل حساسية كبيرة إزاء حصول تلك المليشيات على صواريخ باليستية، لأنها تخشى أن تكون هذه مقدمة لتوجه طهران لتغيير قواعد الاشتباك معها.
وتعي إسرائيل أن إيران في الوقت الحالي غير قادرة على الرد على الضربات الجوية التي توجهها لها في سورية، والتي بلغت 202 غارة في العام الماضي فقط، كما أكد ذلك بيان صادر عن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أمس الثلاثاء.
وتخشى تل أبيب أن تلجأ طهران إلى تقليص قدرتها على مواصلة استهداف قواتها في سورية من خلال مشاغلتها عسكريا انطلاقا من بيئة أكثر تعقيدا عبر توظيف المليشيات الموالية لها طائفيا المتمركزة في العراق.
ومما يضفي صدقية على المخاوف الإسرائيلية، حقيقة أنه قد تم بالفعل استهداف العمق الإسرائيلي بصواريخ انطلاقا من العراق، خلال حرب الخليج الأولى، حيث يخشى صناع القرار في تل أبيب أن تنصب تلك المليشيات منصات الصواريخ الباليستية في مناطق غرب العراق لتحسين قدرتها على المس بمعظم المناطق داخل إسرائيل.
وتتحسب تل أبيب لمرحلة ما بعد "معركة إدلب"، والتي تراهن عليها إيران لتكريس استقرار نظام الأسد، مع العلم أن إسرائيل كانت تنطلق من افتراض مفاده أن طهران لن تغامر بالتصعيد معها طالما لم يستقر النظام في دمشق.
إلى جانب ذلك، فإن هناك مخاوف إسرائيلية جدية من أن إيران عمدت من خلال تزويد المليشيات في العراق بالصواريخ الباليستية إلى الاستعداد لإمكانية تعرضها لهجوم أميركي أو إسرائيلي ردا على أي قرار تتخذه طهران بالانسحاب من الاتفاق النووي، في حال لم تقدم الدول الأوروبية على مساعدتها في احتواء تأثير العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
وبخلاف ما عليه الأمور في سورية، فصناع القرار في تل أبيب يعون أنه لا يمكن تأمين شرعية دولية تبرر قيام إسرائيل بشن غارات داخل العراق. إلى جانب ذلك، فأن إقدام إسرائيل على شن غارات داخل العراق في الوقت الحالي يتعارض تماما مع مصالح الولايات المتحدة. فعمليات عسكرية إسرائيلية في العراق تعني المس بالأطراف السياسية العراقية التي تراهن واشنطن عليها في مواجهة الجهات الموالية لإيران هناك؛ سيما في ظل المحاولات لتشكيل الائتلاف الحاكم الجديد في بغداد.
إلى جانب ذلك، تعي تل أبيب أن رد المليشيات العراقية على أي هجوم إسرائيلي قد يضطرها إلى مواجهة شاملة لا تخدم مصالحها، سيما في ظل التوتر وحالة انعدام اليقين على الحدود الشمالية والجنوبية. في الوقت ذاته، فأن عدم مجاورة العراق فلسطين، يزيد من مخاطر مواجهة ممتدة مع المليشيات العراقية، ناهيك عن أن قدرة إسرائيل على توفير المعلومات الاستخبارية التي تساعدها على بناء بنك أهداف داخل العراق متدنية جدا مقارنة بقدرتها على القيام بذلك في سورية.
من ناحية، وعلى الرغم من التهديدات الإسرائيلية، فأن التجربة دللت على أن حصول تل أبيب على معلومات استخبارية حول حصول جهات مرتبطة بإيران على سلاح نوعي، سيما صواريخ بعيدة المدى، لم يكن كافيا لدفع إسرائيل لمهاجمتها. فإسرائيل تكرر دائما أن لدى "حزب الله" صواريخ بإمكانها ضرب أي هدف داخل إسرائيل، حيث تؤكد أيضا أن الكثير من هذه الصواريخ ذات مستوى دقة كبير وتحمل رؤوسا متفجرة يصل وزن بعضها إلى طن؛ ومع ذلك لم تقم بمهاجمة قواعد "حزب الله" في لبنان لأنها غير معنية بمواجهة قد تفاقم تحدياتها الأمنية.
من هنا، فإن التهديدات الإسرائيلية تهدف إلى ردع المليشيات عن مواصلة التزود بالصواريخ الباليستية، إلى جانب أن تل أبيب قد تكون معنية بممارسة ضغوط على حكومة حيدر العبادي وإدارة ترامب للتدخل لمنع المليشيات العراقية من مواصلة التزود بالصواريخ الباليستية الإيرانية.