يثير اللقاح الروسي "سبوتنيك في" ضدّ كوفيد-19، جدلاً كبيراً حول العالم، بعد أن أعلنت روسيا طموحها في بدء إنتاجه، اعتباراً من سبتمبر/أيلول المقبل، فيما لم تنته الاختبارات بعد، وتبدأ المرحلة الثالثة منها على آلاف المتطوعين الأربعاء. فما الذي يبحث عنه العلماء في المرحلة الثالثة من عملية تطوير أيّ لقاح؟
في عام 1977، لاحظ عالم الفيروسات في جامعة هاواي، سكوت هلستيد، الذي كان يدرس حينها حمى الضنك، أنّ الحيوانات التي تعرّضت لأحد أشكال الفيروسات الأربعة التي تسبّب هذه الحمى، وأنتجت أجساماً مضادة ضدّها، عانت من مشاكل أكبر بعد، عندما التقطت شكلاً آخر من أشكال الفيروس، بسبب الأجسام المضادة التي أفرزتها عندما أصيبت بشكل الفيروس الأول. فكانت إصابتها بالفيروس في المرة الثانية أشدّ فتكاً. سمّيت هذه الظاهرة بـAntibody dependant enhancement (ADE).
تتم استعادة هذه الظاهرة الآن، بحسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، لأنّ هدف المرحلة الثالثة من اختبار أيّ لقاح جديد هو اكتشاف هفوات مثل هذه بالضبط. وهي المرحلة التي لم يصل إليها بعد لقاح "سبوتنيك في" الذي تعرضه روسيا، اليوم.
في الفترة الأخيرة التي تسارعت فيها التجارب على لقاحات لكوفيد-19 حول العالم، عاد النقاش حول ظاهرة الـ ADE إلى الواجهة، بما أنّ العلماء الذين لا يعرفون الكثير حول هذه الظاهرة حتى اليوم، يتساءلون ما إذا كانت الأجسام المضادة التي نحصل عليها من اللقاح، يمكن أن تسبّب هذه الظاهرة.
ويقول عالم الفيروسات، كيفن غيليغان، إنّ "ظاهرة الـADE تقلقنا فعلاً، لأننا إن قمنا بتوزيع لقاح يعزّز المرض، فهذا أخطر بكثير من عدم امتلاكنا للقاح".
داني آلتمان، بروفيسور في علم المناعة في جامعة "إمبيرال كولدج"، كان من بين الأشخاص الذين حذّروا أيضاً من ظاهرة الـADE المرتبطة بتطوير اللقاح. وأضاف أنّ جزءاً من المشكلة هو أنّ روسيا لم تكن شفافة أبداً مع الآخرين في عملها على هذا اللقاح، فلا نعرف إن كان آمناً أو فعالاً".
وأضاف آلتمان أنّ "المقاربة المثالية، هي مقارنة حوالي 150 لقاحاً مختلفاً، بعضها مع بعض بشفافية، باستعمال معايير الاختبار ذاتها، لضمان حصول العالم على اللقاح الأفضل وليس "الأول" فقط".
مناعة كافية؟
غياب الفحوص الكافية، يكشف مشاكل أخرى أيضاً، إذ يقول عالم الفيروسات في جامعة "ريدنغ" البريطانية، إيان جونز، لموقع Science Media Center: "أعتقد أنه لدينا بيانات خلفية كافية، لنعتقد بأنّ اللقاح (الروسي) سيكون آمناً إذا ما أعطي بالكميات المعتادة. لكن الخطر الأكبر هو أن تكون المناعة التي سيولّدها هذا اللقاح، غير كافية لحماية الشخص، ما سيقود إلى استمرار انتشار الفيروس حتى بين الأشخاص الذين تلقوا اللقاح".
وأضاف: "ولو كان هذا مجرد احتمال، إلا أنّ الحماية غير الكاملة قد تؤدي إلى هروب الفيروس من الأجسام المضادة التي ينتجها اللقاح، لتخلق سلالات منه لا تتجاوب مع اللقاحات. بهذا المعنى، يمكن أن يكون اللقاح السيئ، أسوأ من عدم وجود أيّ لقاح، ويجب أن يكون هناك تتبّع دقيق للفيروس بعد إطلاق اللقاح".
بعد إعلان روسيا عن "سبوتنيك في"، حذّرت أصوات من برامج تطوير لقاحات متسرّعة، في الولايات المتحدة وروسيا؛ إذ أشارت ناتالي دين، الأستاذة المساعدة في الإحصاء الحيوي في جامعة فلوريدا الأميركية، إلى المشاكل ذاتها في مقالة لها في الـ"نيويورك تايمز". وقالت: "المرحلة الثالثة من اختبار اللقاح هي علامة مهمة. فنحن لا نريد أشخاصاً غير محميين تماما من الفيروس أن يتصرفوا وكأنهم كذلك. كما أنّ اعتماد لقاح، هو أمر مكلف وسيُبعد الاهتمام عن وسائل نعرف أنها ناجحة في السيطرة على الفيروس، مثل ارتداء الكمامة واختبار لقاحات أفضل".
الأمر الأخير الذي تتضمنه المرحلة الثالثة من الاختبارات على اللقاح هو درجة الأمان. يتمّ اختبار درجة أمان اللقاح في مراحل أوليّة من اللقاح، لكن المرحلة الثالثة تؤمّن إجراء اختبارات على نطاق أوسع، تساعد على ظهور عوارض جانبية أكثر ندرة. وفي النهاية، تضيف ناتالي دين: "إذا كان عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية طبية بين من تلقوا اللقاح، أكبر من الذين لم يتلقوه، فإنّ ذلك سيعلن نهاية اللقاح بشكل واضح".