ما لكم كيف تحكمون؟

13 مارس 2015
+ الخط -

يجلس مئات بل آلاف الكتّاب والصحافيين والإعلاميين العرب ليكتبوا عن مصر وأهل مصر وأحداث مصر. تسمع منهم حكايات ونظريات وتحليلات، كثير منها لا علاقة له بالواقع على الأرض في البلاد، تجد هذا الكاتب أو ذاك حريصاً على الكتابة حرصه على الطعام والشراب.

يخطئ أو يخلط الأمور، فتعيب عليه أو تنهره، أو ربما تنصحه بالتركيز وعدم الخوض في ما لا يفهم. فيعاجلك برد مكرر ممجوج مفاده بأن "مصر أم الدنيا"، ناقص يقول "وهتبقى أد الدونيا"، ثم يكرر على مسامعك تلك الجمل الباهتة المحفوظة، من عينة أن من حق كل العرب الاهتمام بالشأن المصري، وأن شأن مصر يؤثر في الشأن العربي، وهذا حق يراد به عادة باطل.

لا خلاف في أن مصر دولة عربية على قدر كبير من الأهمية، ولا خلاف أن ما يجري في مصر يؤثر في محيطها، ولا خلاف أيضاً في حق العرب الاهتمام بما يجري في مصر، وقد لاحظ كل المصريين المهتمين بالشأن العربي، كيف أن العرب كانوا يتابعون يوميات الثورة على الرئيس المخلوع حسني مبارك ساعة بساعة، بل دقيقة بدقيقة.

لكن عندما يتحول الاهتمام العربي إلى تأثير، وعندما يضحي التأثير انحيازاً لتيار على تيار، وعندما لا يناقش الكتّاب والمثقفون العرب دور بلدانهم السلبي في الشأن المصري، يصبح من المرجح أنهم يكتبون في الشأن المصري لأسباب أخرى غير الاهتمام.

بين الأسباب الظاهرة للعيان، أن الكاتب لا يملك أن يكتب حرفاً عما يجري في بلده، والذي ربما كان أكثر تأثيراً عليه، حيث يخشى غضب الحاكم أو الطائفة أو الحزب، وبين الأسباب أن المصريين الآن منشغلون بالداخل وغير ملتفتين إلى شؤون جيرانهم، ما يجعلهم غير قادرين على مبادلة الرأي عن بلدهم برأي عن بلد آخر، وبين الأسباب بلا شك أن البعض مدفوع للكتابة لأغراض كثيرة متباينة.

في المقابل، يتصادف أن تنتشر واقعة في بلد الكاتب غير المصري، فيكتب مصري عنها أو يعلق عليها أو يحاول تحليلها، فتسمع هناك في البلد الآخر صراخاً وضجيجاً من هؤلاء المتفرغين للكتابة عن الشأن المصري. تجدهم يطالبون المصريين بالتفرغ لشأن مصر وترك شؤون البلاد الأخرى لمواطنيها.

تكتشف دون عناء مدى الخلل العقلي الذي يتحلى به بعض الرافضين، قبل يوم أو أيام فقط كان يصر على حقه الكامل غير القابل للنقاش أن يكتب عن مصر، ثم فجأة يقرر أنه لا حق للمصريين في الكتابة عن شأن داخلي يخص بلده. تجد الكاتب خصص نصف وقته لتدبيج كتابات ومقالات وتدوينات عن مصر، ثم تجده نفسه يكره أن يكتب مصري تدوينة واحدة على مواقع التواصل عن بلده.

عزيزي الكاتب العربي: بعد التحية، "كفاك استهبالاً. مالكم كيف تحكمون".
المساهمون