ويعود حديث التحالف هذا، والذي كرّره المتحدث الرسمي باسمه، العقيد تركي المالكي في مؤتمر صحافي أول من أمس الجمعة، عن أنّ العمليات العسكرية تمكّنت منذ انطلاقها من انتزاع السيطرة على 85 بالمائة من الأراضي اليمنية وتسليمها للحكومة الشرعية، إلى الأشهر الأولى التي أعقبت انطلاق العمليات العسكرية خلال العام 2015. لكن كيف تمّت هذه السيطرة؟ ولماذا لا يزال الحوثيون في الواقع يحكمون مناطق الغالبية من اليمنيين؟
بالعودة إلى تطورات الحرب في عامها الأول، فقد اندلعت مع محاولة الحوثيين وحلفائهم السيطرة على مدينة عدن التي أعلنتها الحكومة اليمنية آنذاك "عاصمة مؤقتة" للبلاد، لتدور أبرز معركة حول وفي المحافظات الجنوبية المتمثلة في شبوة وأبين والضالع ولحج وعدن. أمّا في المحافظات المحسوبة على الشمال، فقد كانت أبرز جبهتين في محافظتي تعز (جنوب غرب) ومأرب (وسط).
في الفترة من يوليو/تموز وحتى أكتوبر/تشرين الأول من ذاك العام، تحقّقت أغلب الانتصارات على مختلف جبهات المحافظات الجنوبية وأطراف مأرب، مع تمددها لجبهات جديدة في الجوف وشرق صنعاء (من بوابة نِهم طريق مأرب) والساحل الغربي للبلاد (المناطق الغربية لتعز قرب باب المندب).
في تلك الأثناء، تردّدت عشرات التصريحات الصادرة عن قادة التحالف والحكومة اليمنية، بما في ذلك، مقابلات صحافية لوزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان، والذي كان في ذلك الحين يشغل منصب ولي ولي العهد السعودي، فحواها أنّه جرى انتزاع 80 إلى 85 بالمائة من الأراضي اليمنية من أيدي الحوثيين، وذلك خلال الردّ على التساؤلات الخاصة بطول أمد الحرب، التي مازالت مستمرة، خلافاً للتوقعات كافة، التي كانت تقول إنّ الحرب ستنتهي في غضون أشهر في الغالب.
اليوم، يبرز التساؤل التالي: هل يسيطر التحالف والحكومة اليمنية على هذه 85 بالمائة من الأراضي بالفعل؟ ومن أين أتت هذه النسبة؟ الإجابة الواقعية هي أنّ أبرز المناطق التي تمكّن التحالف والقوات الحكومية من انتزاعها من أيدي الحوثيين لا تتعدى تقريباً ما هو أقل من نصف هذه النسبة، وتتمحور بالمحافظات الجنوبية (عدن ومحيطها)، وأجزاء من محافظتي مأرب والجوف والبيضاء، مروراً بأجزاء غير قليلة من محافظة تعز وحتى الحديدة وحجة، في حين أنّ المساحة الأكبر لم يكن للحوثيين أي سيطرة فيها أساساً، ولم تشهد أي نوع من المعارك المباشرة، على غرار محافظة حضرموت (تشكل أكثر من ثلث مساحة اليمن)، وكذلك المهرة الحدودية مع سلطنة عُمان.
وفي أحد حواراته الصحافية، منذ ما يقرب من عامين، سئل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، عن ما يتعلّق باستعادة السيطرة على 80 إلى 85 بالمائة من الأراضي اليمنية، فكانت إجابته بالتأكيد، لكنّه أقرّ في الوقت ذاته، بأنّ مجمل هذه المساحة لا تمثّل سوى نسبة الكثافة السكانية الأقل، في حين أنّ أغلب اليمنيين لا يزالون يعيشون في مناطق الحوثيين، الذين يسيطرون على أغلب محافظات شمال ووسط وجنوب غرب البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء.
إلى جانب ذلك، فإنّ تحقيق الحرب انتصارات ميدانية محورية، على غرار ما حصل في عدن ومحيطها، توقف إلى حدٍ كبيرٍ منذ العام 2015، لتقتصر المعارك منذ ذلك الحين على التقدّم المحدود، كما حصل في الساحل الغربي، بدءاً من باب المندب وحتى أطراف مدينة الحديدة، في وقت تحوّلت فيه جبهات أخرى إلى ما يشبه حرباً استنزافية لمختلف الأطراف، بما فيها القوات الحكومية، على غرار منطقة نهم شرق صنعاء.
وفي مقابل محدودية "الانتصارات" الميدانية للتحالف في الأعوام الثلاثة الأخيرة، حقّق الحوثيون نجاحات غير مسبوقة، كان أبرزها تطوير الصواريخ البالستية وجعلها تصل إلى عمق السعودية أكثر من مرة، وصولاً إلى الطائرات المسيرة التي برزت أخيراً أكثر من أي وقتٍ مضى، جنباً إلى جنب مع تحويل موازين المعركة لصالح الحوثيين في بعض الجبهات، من خلال محاولة التقدّم في مناطق فقدوا السيطرة عليها منذ سنوات، كما هو حاصل في محافظة الضالع.