إعلان التحالف، فجر الاثنين، الإغلاق المؤقت لكافة المنافذ اليمنية الجوية والبحرية والبرية بدا مستغرباً، خصوصاً في ظل وقوع أغلب تلك المنافذ بحراً وجواً وبراً في مناطق سيطرة الشرعية وقوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات. أما التبرير الذي قدم للإغلاق فتمثل في "سد الثغرات الموجودة في إجراءات التفتيش الحالية، والتي تسببت في استمرار تهريب الصواريخ والعتاد العسكري" إلى من وصفتها بـ"المليشيات الحوثية التابعة لإيران في اليمن".
فهناك منفذان بريان وحيدان عاملان لليمن، الأول مع السعودية في محافظة حضرموت وهو منفذ الوديعة الذي يعد الشريان الرئيسي الرابط بين البلدين، وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إنه أغلق أمام المعاملات وبقي مفتوحاً للحالات الإنسانية والاستثنائية، أما المنفذ الآخر، فهو الحدودي مع سلطنة عُمان شرقاً ويقع في محافظة المهرة اليمنية الواقعة بدرجة أو بأخرى تحت سيطرة الشرعية والتحالف. وسبق أن تحدثت تقارير صحافية، نفتها مسقط، عن تهريب أسلحة إيرانية إلى الحوثيين عبر الحدود العُمانية، الأمر الذي تُثار الشكوك حول إمكانية حدوثه باعتباره يتطلب مرور الشحنات من مناطق سيطرة الشرعية.
وحمل تعميم التحالف بإعلانه عن إغلاق "كافة المنافذ اليمنية"، تفسيرات متعددة، إذ إنه يعني مناطق الشرعية (ما لم يتم استدراكها لاحقاً بالاستثناء). أما في مناطق سيطرة الحوثيين وحلفائهم الموالين لعلي عبدالله صالح، فإن ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر، والذي تصل إليه أغلب الواردات التجارية إلى البلاد، يعدّ هو المتضرر الأول، بالإضافة ما يتعلق بالرحلات الجوية لمنظمات الأمم المتحدة إلى مطار صنعاء الدولي، المغلق أمام الرحلات التجارية منذ أكثر من عام.
وعبّر مواطنون في العاصمة اليمنية صنعاء لـ"العربي الجديد"، عن خشيتهم من أن يؤدي الإغلاق للمنافذ إلى انعدام بعض المواد الغذائية والمشتقات النفطية المستوردة في الغالب، بما من شأنه أن يخلق أزمة إنسانية مضاعفة فوق الأزمة التي تعانيها البلاد في الأصل، ما لم يعلن التحالف في وقتٍ لاحق، تفاصيل تسمح بدخول الواردات الغذائية، والتي تتعرض للتفتيش بآلية تراقبها الأمم المتحدة، لكن التحالف شكك بتلك الإجراءات أكثر من مرة.
وربط بيان التحالف الخاص بإغلاق المنافذ بين الخطوة ووصول صاروخ بالستي انطلق من اليمن، خصوصاً أنه يعد أول صاروخ يقترب من الهدف الذي تم إطلاقه نحوه، وهو مطار الملك خالد الدولي في الرياض، خلافاً للصواريخ السابقة التي كان التحالف عادة ما يعلن اعتراضها وإسقاطها في مناطق بعيدة.
وقال بيان التحالف إنه "وإلحاقاً لما تم الإعلان عنه سابقاً بشأن الصواريخ البالستية التي أطلقتها المليشيات الحوثية التابعة للنظام الإيراني من داخل الأراضي اليمنية مستهدفة المملكة العربية السعودية"، وأن آخرها "العدوان العسكري"، الذي استهدف الرياض، بـ"استخدام صاروخ بالستي تجاوز مداه 900 كيلومتر"، وإنه "بمعاينة وفحص حطام تلك الصواريخ ومنها الصاروخ الذي تم إطلاقه في الـ28 من أكتوبر/ تشرين الأول، بمشاركة خبراء التقنية العسكرية المختصة، ثبت ضلوع النظام الإيراني في إنتاج هذه الصواريخ وتهريبها إلى المليشيات الحوثية في اليمن، بهدف الاعتداء على المملكة وشعبها ومصالحها الحيوية".
وكان المتحدث باسم التحالف، العقيد تركي المالكي، عرض خلال مؤتمر صحافي عقده في الرياض، مساء الأحد الماضي، تفاصيل حول الصواريخ البالستية التي يطلقها الحوثيون، وعن الصاروخ الذي فجرته الدفاعات الجوية السعودية في سماء الرياض على نحو خاص. وتطرق إلى القوة الصاروخية للجيش اليمني التي وقعت تحت سيطرة الحوثيين بعد اجتياحهم لصنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، وقال إن "هذه القدرات دعمت بوجود خبراء إيرانيين، حيث توفر إيران للمليشيات الخبراء العسكريين في مجال التقنية والتدريب والتخطيط".
وأشار المتحدث باسم التحالف إلى أن الصاروخ الأخير أطلق عليه الحوثيون اسم "بركان 2"، وقال إن "هذا يدل على وجود تهريب للصواريخ البالستية حيث لم تكن موجودة في تسليح الجيش اليمني".
من جانب آخر، لم يكن إغلاق المنافذ هو التصعيد الوحيد، إذ دعت قيادة التحالف المواطنين اليمنيين وكافة "الأطقم المدنية من بعثات إنسانية وإغاثية للابتعاد عن مناطق العمليات القتالية وتجمعات المليشيات الحوثية المسلحة والأماكن والمنافذ التي تستغلها تلك المليشيات". وحثت "البعثات الدبلوماسية على عدم التواجد في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية". علماً أن أغلب البعثات أغلقت أبوابها في صنعاء منذ فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2015، في حين بقيت السفارة الروسية من أبرز البعثات التي تواصل عملها حتى اليوم.
ومن أبرز الخطوات التصعيدية على الإطلاق، إعلان السعودية غير المسبوق، عن أسماء 40 قيادياً في جماعة الحوثيين، اتهمتهم بـ"تخطيط وتنفيذ ودعم الأنشطة الإرهابية المختلفة في جماعة الحوثي"، التي وصفتها بـ"الإرهابية". ورصدت السعودية مكافآت مالية لـ"من يدلي بأي معلومات تُفضي إلى القبض عليهم أو تحديد أماكن تواجدهم".
وتشمل القائمة التي وصفها بيان السعودية بأنها "القائمة الأولى"، قيادات عسكرية وسياسية ومسؤولين بارزين، وعلى رأسهم زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، الذي رصدت الرياض مكافأة لمن يدلي بمعلومات تقود إليه 30 مليون دولار، وتلته أسماء تسع قيادات رُصدت حولها مكافأة 20 مليون دولار مقابل كل اسم منها، وأبرزهم، رئيس ما يُسمى بـ"المجلس السياسي" صالح علي الصماد، ورئيس ما يُسمى بـ"اللجنة الثورية العليا" محمد علي الحوثي. ومن القيادات الأخرى زكريا الشامي، عبدالله يحيى الحاكم (أبو علي الحاكم)، وعبدالخالق بدر الدين الحوثي (شقيق زعيم الجماعة)، ومحمد ناصر العاطفي (وزير الدفاع بحكومة الانقلابيين)، ويوسف المداني، وعبدالقادر الشامي، ويحيى الشامي، وعبدالرب جرفا، وعبدالكريم الحوثي (15 مليون دولار).
وبصرف النظر عن الأسماء، التي هي في الغالب من القيادات البارزة أو الفاعلة، فإن أبرز ما يمثله الإعلان عنها بعد أكثر من عامين على بدء عمليات التحالف بقيادة السعودية في البلاد، أنه مؤشر على تراجع فرص الحل السياسي إلى حد كبير، وعودة التصعيد مجدداً، مع عقبات إضافية أمام الحل السياسي، بالنظر إلى الملابسات التي ترافقت مع الإعلان والاتهامات المضمنة في بيانات التحالف، باعتبار الحوثيين "جماعة إرهابية"، تابعة لإيران، وبأنها تستهدف أمن المملكة.
ومن الجانب الآخر، كان اللافت في القائمة، أنها شملت قيادات الحوثيين ومسؤولين في الجماعة أو الحكومة التي شكلتها، ولم تشمل القيادات العسكرية التابعة لصالح، الأمر الذي يمثل تطوراً له ما له من التبعات على صعيد تحالف الحوثيين وصالح في ظل الخلافات المتصاعدة بين الطرفين منذ أشهر. وذهبت بعض التفسيرات إلى أن الخطوة بإعلان القائمة، وبقدر ما هي تصعيد جاءت كردة فعل على الصاروخ الذي استهدف الرياض، وتتناغم مع التطورات الإقليمية والدولية بالتصعيد ضد حزب الله وإيران، فإنها في موازاة ذلك، تمثل مسماراً في نعش "تحالف الضرورة" بين الحوثي وصالح.
وبصورة مجملة، يمثل إغلاق المنافذ وما رافقه من دعوات للبعثات الدبلوماسية بعدم التواجد بمناطق سيطرة الحوثيين وكذا إعلان قائمة 40 قيادياً حوثياً مطلوباً للسعودية، مؤشراً إلى تصعيد غير مسبوق للحرب الدائرة في البلاد منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، ليبدو وكأن الحرب عادت إلى الأيام الأولى التي بدأت فيها "عاصفة الحزم"، وأُعلن معها عن إغلاق المنافذ وغيرها من الإجراءات، لتبدو فرص ومؤشرات وقف الحرب أضعف من ذي قبل، ما لم تطرأ تطورات مغايرة في الأيام المقبلة.