ما بعد استفتاء السيسي: تعديلات للتحكّم بالقضاء والبرلمان

26 ابريل 2019
تشكيك بنتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية (Getty)
+ الخط -
باتت التعديلات الدستورية في مصر نافذة بعد نشر نتائجها من قِبل الهيئة الوطنية للانتخابات في الجريدة الرسمية، من دون الحاجة إلى مصادقة من رئيس الجمهورية، لتحصّن بقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منصبه إلى حين إعادة انتخابه عام 2024، كما تؤكد مصادر برلمانية مصرية لـ"العربي الجديد"، كاشفة أن مجلس النواب سيعمل على إدخال تعديلات تشريعية موسعة على قوانين انتخابات الرئاسة والبرلمان ومباشرة الحقوق السياسية.

وكانت الهيئة الوطنية للانتخابات قد أعلنت، مساء الثلاثاء، إقرار التعديلات الدستورية بموافقة 23 مليوناً و416 ألفاً و741 صوتاً، بما يعادل نسبة 88.83 في المائة من الأصوات الصحيحة، مقابل رفض مليونين و945 ألفاً و580 صوتاً، بنسبة 11.17 في المائة، من مجموع 27 مليوناً و193 ألفاً و593 ناخباً شاركوا في الاستفتاء، بأصوات باطلة بلغت 831 ألفاً و172 صوتاً، بنسبة 3.06 في المائة، من أصل 61 مليوناً و344 ألفاً و503 ناخبين.

وأوضحت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن مجلس النواب لن يتدخّل تشريعياً لتفعيل مواد الدستور الجديدة في دور الانعقاد الحالي، والذي من المقرر أن ينتهي خلال شهرين من الآن، نظراً لانشغال لجانه النوعية في مناقشات بنود الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2019-2020، لافتة إلى أن البرلمان سينتظر إعداد الحكومة لمشاريع القوانين المكمّلة للتعديلات الدستورية، بهدف إقرارها في دور الانعقاد المقبل.
وأضافت المصادر أن التعديلات التشريعية المرتقبة ستمرر كلها في دور الانعقاد المقبل، والذي يبدأ في الأسبوع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وهي تشمل تعديل قانون الانتخابات الرئاسية بمد الفترة الرئاسية من أربع إلى ست سنوات، وكذلك انتخاب مجلس النواب، من خلال إعداد قانون انتخاب يسمح بتخصيص ربع عدد المقاعد للمرأة، ويضمن تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوي الإعاقة والعمال والفلاحين.

وأوضحت المصادر أن "كوتة المرأة" وُضعت خصيصاً في التعديلات الدستورية، حتى ينص القانون على إجراء انتخابات قانون مجلس النواب من خلال النظام المختلط، بواقع 75 في المائة من المقاعد لنظام القائمة المغلقة المطلقة، مع منح المرأة ثلث مقاعد القائمة بما يحقق النسبة الدستورية المحددة لها بـ25 في المائة من المقاعد، وتطبيق نظام الانتخاب الفردي على 25 في المائة من المقاعد، بما يمهد لاستحواذ النظام الحاكم على كل مقاعد البرلمان المقبل.
وبحسب المصادر، فإن نظام السيسي يستهدف "إخفاء" المعارضة الحالية في مجلس النواب في تشكيله الجديد، المقرر انتخابه نهاية عام 2020، في ضوء الارتباط الوثيق بين تشكيل القوائم المغلقة والأجهزة الأمنية، وكون الأخيرة معنية باختيار جميع أسمائها، لضمان الاستحواذ على ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان، مع سيطرة رجال الأعمال الموالين على الربع الأخير، من خلال الدوائر الفردية المتسعة على النطاق الجغرافي، لقطع الطريق على احتمال فوز أحد المعارضين، على حد تعبير المصادر.

وأشارت المصادر، المحسوبة على المعارضة الحالية في البرلمان، إلى أن النظام الانتخابي ذاته سيُطبّق على التشريع الجديد لمجلس الشيوخ، والذي سيضم 180 عضواً يُعيّن السيسي 60 منهم، ويُنتخب 120 آخرين بواقع 75 في المائة للقائمة المغلقة، و25 في المائة للمقاعد الفردية، مشيرة إلى أن التعديلات التشريعية ستطاول أيضاً قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، ما سيسمح بتطبيق النظام الانتخابي الجديد على مقاعد مجلسي النواب والشيوخ.

حصة القضاء
وستكون للقضاء "حصة وافرة من التعديلات"، بحسب المصادر، من خلال تعديل قانون السلطة القضائية، ليصبح تعيين النائب العام بقرار من السيسي، بدلاً من مجلس القضاء الأعلى، من بين ثلاثة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى من بين نواب رئيس محكمة النقض، والرؤساء في محاكم الاستئناف، والنواب العامين المساعدين، وذلك لمدة أربع سنوات، أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد (أيهما أقرب)، ولمرة واحدة طوال مدة عمله.

وستشمل التعديلات قانون المحكمة الدستورية، لتمنح السيسي حق اختيار رئيس المحكمة، بدلاً من المجلس الأعلى للقضاء وفقاً لمبدأ الأقدمية، من بين أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة، كما يعيّن نواب رئيس المحكمة من بين اثنين ترشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة، ويرشح الآخر رئيس المحكمة، وكذلك تعيين رئيس هيئة المفوضين وأعضائها بقرار من رئيس الجمهورية، بناءً على ترشيح رئيس المحكمة، وبعد أخذ رأي الجمعية العامة لها.

وأكدت المصادر أن هذه التعديلات من شأنها الإجهاز تماماً على ما تبقى من استقلال للقضاء، وتحويله إلى مرفق تابع للدولة، وليس سلطة مستقلة، يُدار بواسطة السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية، منبهة إلى أن السيسي هو الذي سيختار النائب العام، المنوط به التحقيق مع رئيس الجمهورية في حال اتهامه بانتهاك أحكام الدستور، أو بالخيانة العظمى، وأيضاً رئيس المحكمة الدستورية الذي يفصل في مدى دستورية أي تشريع يصادق عليه رئيس البلاد.
واستطردت بالقول "إن منح السيسي سلطة تعيين النائب العام، ورئيس المحكمة الدستورية، فضلاً عن رؤساء كل الجهات والهيئات القضائية، سيجعل القضاة يتسابقون على إبداء الولاء له طمعاً في الحصول على المنصب، عوضاً عن مبدأ الأقدمية الذي ظل راسخاً لعشرات السنوات في القضاء المصري"، مستدركة بأن "الطامة الكبرى تتمثل في قانون إنشاء المجلس الأعلى للهيئات والجهات القضائية برئاسة رئيس الجمهورية".

واعتبرت المصادر أن رئاسة السيسي للمجلس الأعلى، وتفويضه من يحل محله عند غيابه من رؤساء الجهات والهيئات القضائية بموجب التعديلات الدستورية، سيجعل منه المتحكّم في كافة الشروط المتعلقة بتعيين أعضاء الجهات والهيئات القضائية، وترقيتهم، وتأديبهم، علاوة على اشتراط موافقته على أي قرار يُصدره المجلس، أي أن رئيس الجمهورية يملك سلطة تعطيل أي قرار ليس على هواه، حتى وإن أيدته أغلبية أعضاء المجلس.


مجلس الدولة

أما عن تعديل قانون مجلس الدولة، فقالت المصادر إن التعديلات الدستورية نزعت من المجلس العديد من الاختصاصات، منها عدم المراجعة المسبقة للتشريعات قبل إصدارها، إلا في حالة إحالتها فقط من مجلس النواب، أو العقود التي تكون الدولة، أو إحدى الهيئات العامة طرفاً فيها، والتي لطالما كشف المجلس عن أوجه الفساد التي تشوبها، إلى جانب عدم اختصاصه وحده بالإفتاء في المسائل القانونية التي تُثار أمام الجهات الحكومية.
وحسب المصادر، فإن تعديلات الدستور ألغت كل مكتسبات مجلس الدولة في الدساتير المتعاقبة بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، في إطار رغبة السيسي بتحجيم دور المجلس، وعقابه على إصدار أحكام بطلان اتفاقية تنازل النظام عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وتعطيله عدداً من مشاريع الحكومة لإصدار قوانين "سيئة السمعة" أو مطعون في عدم دستوريتها.

وقضت المحكمة الإدارية العليا، التي عيّن السيسي رئيسها (رئيس مجلس الدولة) بموجب تعديلات تشريعية أدخلها البرلمان، برفض كل الدعاوى القضائية التي تطالب بوقف تنفيذ قرار الهيئة الوطنية للانتخابات بدعوة الناخبين للاستفتاء على التعديلات الدستورية، بحجة أنه مجرد عمل تنفيذي لما أوجبه الدستور من عرضها على الشعب، وهو ما استشهدت به المصادر كمثال لسيطرة السلطة التنفيذية على قرارات السلطة القضائية.

المواد الأخطر

وبشأن تعديلات الدستور التي أدخلت على مواد القوات المسلحة، قالت المصادر إنها الأخطر على الإطلاق، لأنها تمنح المؤسسة العسكرية اختصاصات دستورية جديدة تتمثّل في "صون الدستور والديمقراطية" و"الحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها" و"مكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد"، ما يُعد زجاً للجيش في أتون الحياة السياسية، ومدخلاً لمنع وصول غير العسكريين إلى منصب الرئاسة بعد انتهاء ولاية السيسي.
وتفتح هذه الاختصاصات باب الانقلاب على أي رئيس مدني في مصر مستقبلاً، في حالة أراد تعديل الدستور لإعادة استقلال القضاء، أو تحجيم سلطات الجيش في الدستور، علاوة على الانحياز إلى فصيل سياسي بعينه على حساب آخر في حالات الانقسام داخل المجتمع، على غرار ما شهدته البلاد إبان أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013، وانحياز الجيش إلى معارضي الرئيس المعزول محمد مرسي على حساب مؤيديه ارتباطاً بمصالحه.

المحاكمات العسكرية
ولفتت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إلى أن التعديلات الدستورية قضت على أحد أهم مطالب الثورة المصرية، بعدم التوسع في إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية، من خلال حذف كلمة "مباشراً" التالية لكلمة "اعتداءً" في المادة 204 من الدستور، لتنص المادة على جواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري في الجرائم التي تمثل "اعتداءً" على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة، أو ما في حكمها.
وأوضحت أن محاكمة المدنيين عسكرياً يشمل كذلك المنشآت التي تتولى حمايتها القوات المسلحة، أو المناطق العسكرية أو الحدودية، وبالتالي إمكانية إحالة أحد المشجعين في مباراة لكرة القدم إلى المحاكمة العسكرية في حال نشوب شغب في محيط ملعب تابع للقوات المسلحة أو تتولى حمايته، باعتبار أن لفظة "اعتداءً" فضفاضة، ويمكن تأويلها (تفسيرها) على أوجه عدة، بخلاف النص السابق في دستور 2014 (اعتداءً مباشراً).

شكوك بالنتائج
وكانت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، وهي منظمة مجتمع مدني محلية، قد أصدرت دراسة قانونية مفصلة أظهرت فيها مدى تعارض التعديلات "غير الدستورية" مع المبادئ الدستورية، ومخالفتها الواضحة لنص المادة 226 من الدستور المنظّمة لشروط تعديله، تحديداً في ما يخص تعديل المادة 140 المتعلقة بمدد الرئاسة، والنص الانتقالي الذي فُصّل خصيصاً للسيسي للبقاء في الحكم حتى عام 2030.
وشددت الدراسة على بطلان عملية تعديل الدستور، وكافة الإجراءات والقرارات المتعلقة بها، لمخالفتها الصريحة والضمنية للمادة 226 من الدستور، التي حددت ثمانية شروط يجب توافرها في طلب تعديل الدستور، مشيرة إلى خطورة توسع دور القوات المسلحة في العملية السياسية، وجعلها "مؤسسة عليا حامية للدستور" و"مفسرة لمبادئه"، بالإضافة إلى إهدار مبادئ دستورية مستقرة، كالتداول السلمي للسلطة، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات.

وشكّكت منظمات مجتمع مدني مصرية في النتائج الرسمية التي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات بشأن الاستفتاء على تعديلات الدستور، والتي زعمت فيها أن نسبة المشاركة بلغت 44.33 في المائة من إجمالي عدد الناخبين، في ضوء ما رصدته من ضعف إقبال على التصويت خلال أيام الاستفتاء الثلاثة، ومنع وسائل الإعلام من متابعة أعمال الفرز في اللجان الفرعية، وكذلك أثناء عملية تجميع أرقام المصوتين في اللجان العامة في المحافظات.
وبلغت الخروقات الانتخابية ذروتها خلال أيام الاستفتاء، في مواجهة انخفاض معدلات الإقبال على التصويت، إذ تورطت الأجهزة الأمنية في اتباع طرق "فجّة" لجمع المواطنين من الشوارع، ودفعهم للتصويت قسراً، إلى جانب استخدام وسائل ترهيب متعددة لإجبار الموظفين والعاملين في الجهات الحكومية والخاصة على التصويت، وحشد الناخبين إلى اللجان الانتخابية، مقابل الحصول على "كرتونة" تحتوي على بعض السلع الغذائية.