لا شيء أوقف قطار ترامب السريع نحو الفوز. لا يزال الرجل الثري مهيمناً على منافسيه الأربعة، وفي طليعتهم سناتور فلوريدا ماركو روبيو، وسناتور تكساس تيد كروز. انتصر بفارق لم يخطر على بال أحد قبل بضعة أشهر في الانتخابات التي أجريت في كل من نيوهامبشاير، وكارولينا الجنوبية، ونيفادا. خرج من دون أضرار من الكمين الذي تعرّض له خلال المناظرة الرئاسية الأخيرة من قبل روبيو وكروز. وينجو يومياً من سلسلة انتقادات لاذعة يتلقاها من نخب المؤسسة الحزبية والمحافظة.
معركة "الثلاثاء الكبير" التي انطلقت في 14 ولاية ومقاطعة للحزب الجمهوري، لن تحسم الكثير في السباق لكنها على الأرجح ستكرّس صدارة ترامب حسابياً في سباق المندوبين وليس فقط في استطلاعات الرأي. الأهم من ذلك، أنّ هذه المعركة تعطي صورة عن المشهد الإجمالي لهذا السباق الرئاسي. ترامب يتقدم في الساحل الشرقي وفي جزء كبير من ولايات الجنوب المحافظ، فيما أرقامه ليست جيدة في الوسط الغربي. لعل المحطة الأكثر أهمية في الانتخابات التمهيدية ستكون يوم 15 مارس/آذار المقبل حيث ستنتخب ولاية فلوريدا التي يمثلها روبيو في مجلس الشيوخ، باعتباره مرشح المؤسسة الحزبية الفعلي حالياً.
وإذا لم يحقق روبيو أي انتصار جدي في "الثلاثاء الكبير"، ولم يفز في فلوريدا سيكون من الصعب عليه أن يبقى ورقة رابحة. أمّا إذا فاز كروز بالجائزة الكبيرة لعدد المندوبين في ولايته في تكساس (155)، فسيبقى على الأرجح أطول فترة ممكنة في السباق، وهذا الأمر لصالح ترامب. لكن قد لا تُحسم الانتخابات التمهيدية حسابياً حتى 7 يونيو/حزيران المقبل أي موعد التصويت في ولايات هامة على الساحل الشرقي كما في ولاية كاليفورنيا (172 مندوباً)، وجميع هذه الولايات يُتوقع أن تصب لصالح ترامب إذا بقيت الأمور كما هي عليه الآن.
اقرأ أيضاً معركة "الثلاثاء الكبير" للانتخابات الأميركية: حسم ربع مقاعد المندوبين
العامل الثاني لاحتمال فوز ترامب هي الصعوبات التي تواجه منافسيه. كروز تلقى ضربة جديدة عشية "الثلاثاء الكبير"، إذ أعلن حليفه المحافظ في مجلس الشيوخ، السيناتور عن ولاية ألاباما جيف سيشونز عن دعمه لترامب. ضغوط القيادة الجمهورية في الحزب على كل من جيب بوش وحاكم نيوجيرسي، كريس كريستي للانسحاب من السباق لصالح روبيو أدت الى انقسام داخل هذا المعسكر وعدم التفافه حول روبيو. كريستي فاجأ الجميع بدعمه لترامب، وجيب بوش ملتزم الصمت بعد الانسحاب، وعلى الأرجح لن يدعم أي مرشح في المدى المنظور. وإذا فاز ترامب بشكل مقنع في "الثلاثاء الكبير"، فستبدأ قيادات جمهورية بارزة إعلان تأييدها العلني له، ما سيعزز الانقسام داخل الحزب.
بعض مواقف ترامب تتناقض حتى مع أسس الفكر الجمهوري في قضايا رئيسية، مثل فرض الضرائب على الأثرياء، وفلسفة التغطية الصحية للفقراء، والإبقاء على منظمات محسوبة على الليبراليين مثل "تنظيم الأسرة". خاض الرجل الثري حرباً انتصر فيها على الرئيس الأسبق جورج بوش في معقل قوته في ولاية كارولينا الجنوبية. فتح النار على شبكة "فوكس" المحافظة وكسب الرهان، وخسرت ثلث نسبة مشاهديها نتيجة التلاسن معه خلال الأشهر الأخيرة.
وأكثر من ذلك، انحدار الخطاب الجمهوري لم يصل في العقود الأخيرة إلى هذا المستوى من التدني. كانت الهجمات "القذرة" تأتي من الإعلانات الدعائية فيما يحافظ المرشحون على لباقة التخاطب، هذا كان قبل زمن ترامب الذي يفضل المبادرة وإطلاق الهجمات بنفسه. ترامب يصف كروز بالـ"كذاب"، وروبيو بـ"الرجل الصغير". كما طلب، رافعاً إصبعه، من حاكم فلوريدا السابق جيب بوش السكوت خلال مناظرة رئاسية. لكن روبيو قرّر الردّ بالمستوى ذاته بالقول، إن ترامب "أكبر عملية خداع في التاريخ السياسي الأميركي"، قبل أن يلمح بأنه سيخفف لهجته، على الأرجح لأنه تعرّض لضغوط من قيادة الحزب.
وفي الوقت الذي تبدو فيه وزيرة الخارجية السابقة، المرشحة الديمقراطية المحتملة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون أقرب إلى حسم الانتخابات التمهيدية عند الديمقراطيين، في 12 ولاية ومقاطعة، يقف الجمهوريون أمام مفترق طرق وحرب مفتوحة على هوية الحزب وقيادته وقدرته على الفوز في الانتخابات العامة. وقد لا يكون هناك متسع من الوقت لترامب أو أي مرشح جمهوري آخر للتعافي من رضوض الانتخابات التمهيدية لإعادة تموضع المواقف تماشياً مع متطلبات الانتخابات العامة. والأهم من كل ذلك، يتّجه ترامب إلى قيادة حزب تقول بعض قياداته ونخبه إنها لن تصوت له أبداً. حتى وصل الأمر بالسيناتور ليندسي غراهام إلى القول، إنه سيصوت لهيلاري إذا كان ترامب مرشح الجمهوريين.
اقرأ أيضاً: التنافس على "دعم إسرائيل"... عامل يجمع مرشحي الرئاسة الأميركية