ما الجديد؟

02 سبتمبر 2014
+ الخط -
في اليوم الأول لصدورها، يصعب تجاهل حقيقة أن اسم الصحيفة ذاته يضع التحدّي الأكبر أمام هيئة تحريرها ومراسليها والعاملين فيها. فهل ستكون أهلاً له، شكلًا ومضمونًا؟ على هذا السؤال، سوف يجيب قرّاء ينتظرون "العربي الجديد"، ويأملون أن يجدوا فيها خبرًا ومعلومةً وتحليلًا وأفقًا جديدًا ومنظورًا مختلفًا. قد يتفق بعضها معهم، ويختلف بعضها الآخر، ولكنهم يريدون سنونوّها بشرى جيل عربي قادم، وزمن عربي جديد مختلف. وقبل أن تكون "العربي الجديد" جديدة، يجب أن تكون صحيفة. والمهمّةُ باتت أيسرَ وأشقَّ في الوقت عينه.

ففي مرحلةٍ سابقة، كانت الصحيفة كلَّ ما يطبع ويوزّع في فتراتٍ منتظمة، وما يقرأه العموم من أخبار وتعليقات حول الشأن العام، يخلق زمناً متجانساً عند قرّائها، ولهذا يقال إنها ساهمت في تأسيس المجتمعات المدنية، وبناء الأمم.

ولكن، منذ تلك البواكير، جرت أنهار من المتغيرات والثورات في سبل الاتصال بين الأفراد والشعوب، وأصبح ما يُسمع ويُشاهد في الإعلام أكثر بكثير مما يُقرأ، وصار الجمّ الغفير يُقرأ من دون أن يُكتب، ونقصد من دون أن يُكتب كتابةً صحافيّةً مسؤولةً، شكلًا ومضمونًا.

وأصبحت وفرةُ مصادر المعلومات وتنوعها تحدّياً، فهل من موطئ قدم لصحيفة في الفضاء المزدحم هذا الذي يتغلب فيه الإدهاش على الإعلام، والمشهد على النص، والشائعة على الخبر؟ هذه الفوضى تحديدًا هي التي تضطرُّ الصحيفة أن تثبت هويتها المحددة كصحيفة، وأن تبحث عن تميّزها بين وسائل الاتصال المتعددة، فمهمة التميّز أصبحت أسهل، لأن كلَّ ما يخطر في البال، وليس صحيفة، موجود، ما جعل الصحيفة أكثر قابلية للتحديد.

استحوذت وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة على نقل الخبر السريع، وتنافسها حالياً المواقع الإلكترونيّة، الصحافيّة وشبه الصحافيّة. ونشأت وسائل الإعلام الجديدة التي فرّخت وسائل التواصل الاجتماعي التي تروّج المعرفة، وتكسر احتكارها، وهذا حسن، ولكنها تعمّم الجهل في الوقت عينه.

أمّا الشائعات غير المفحوصة والأخبار المغرضة وما تبثّه أجهزة الأمن من رواياتٍ بوليسيّة رديئة وشائعات، فلم تعد محصورة بوسيلة اتصالٍ بعينها، إذ لم تعد تكتفي بوسائل الإعلام الرسميّة التي لا يشاهدها أحد، وصحف الأنظمة التي لا يقرأها أحد، وراحت تشكّل جيوشًا إلكترونيّة تلوث الشبكة العنكبوتيّة، وتعيث فيها خرابًا. فما الأخيرة إلا وسيلة بالنسبة لها، والغاية تبرر الوسيلة في عُرفها.

بقي أن يقدّم العمل الصحافي خبرًا مفحوصًا مدققًا، وتحليلًا يتقصّى الرابط بين الوقائع، ومعلومةً أكيدة يجب أن تصل إلى الجمهور، وتحقيقًا صحافيًّا يكشف ما يجب أن يكون معروفًا للعموم، غصبًا عن شبكات المصالح السياسيّة الاقتصاديّة التي تحاول أن تخفيه، وأن يفتح فضاءً رحبًا يتسع لتبادل عقلاني للأفكار، ومنبرًا لحوار مسؤول بين الأفكار. وليس من معيارٍ جاهز يمكّن الجمهور من تمييز الغثّ من السمين، والصحافة من الإسفاف المنصوص، سوى مثابرة الصحيفة مهنياً، والفحص الذاتي المستمر، والإصرار على الجودة.

تقدّم "العربي الجديد" الصادرة في لندن عن مؤسسة "فضاءات ميديا" أوراق اعتمادها للجمهور كصحيفةٍ، بعد خمسة أشهر من العمل الدؤوب والمستمر في موقعها الصحافي الرقمي، وهي تخرج، الآن، في حلتها المطبوعة. وليس الفرقُ جوهريًّا برأينا، بقدر ما هو مرتبط بالرونق والمكانة التي تحظى بها الصحيفة المطبوعة. ولا يتوقّف الأمرُ عند هذا، فثمّة اعتبارٌ متعلّقٌ بالإيقاع الزمني.

فالصحيفة تصدر بعد أن تكون الأخبار قد انتشرت، حتى على هواتف الناس المحمولة، ولا يمكن للصحيفة المطبوعة أن تجاري الأخبار السريعة، ما يدفعها إلى تميّزٍ إضافيٍّ، هو فرد مائدةٍ "ماجازينية" يوميّة، أما الوجبات فتحكمها المهنيّة والاتزان والمصداقيّة.

هذه معايير الجودة في هذه الصحيفة، ولكنها ليست المعايير الوحيدة. فـ"العربي الجديد" ترى أنّ الموضوعيّة لا تعني الحياد، بل الانحياز للحقيقة، كما أنّ روحية تحريرها وقيمها منحازةٌ إلى قضايا العدالة والحريّة وحقوق الإنسان، وقضايا الأمّة بمجملها، بمعنى الانتماء إلى الوطن العربي والثقافة العربيّة بشكلٍ عام. ربما سيكون من الغرور القول إن هذا ما يميّز صحيفتنا عن زميلاتٍ كثيرات.

حسنًا، فيا حبذا لو كان هذا هو المشترك مع صحفٍ عديدةٍ أخرى، تتنافس فيما بينها على تطبيق هذه المعايير. وثقة "العربي الجديد" بقرّائها وجمهورها تصونها دائمًا، وتدفعها إلى التطوير والمثابرة والتجدد، وهذا رهان ليس هيّنًا، نبدأه اليوم في عدد اليوم. 
المساهمون