في مقر "جامعة لورين" في مدينة نانسي الفرنسية، يقام هذه الأيام معرض بعنوان "في مايو 68". أوّل سؤال قد يتبادر لذهن الزائر: لماذا يقام معرض بمناسبة خمسينية مايو 68 في شهر يوليو، وليس في مايو تحديداً؟ سؤال بسيط، لكنه يضع المعرض داخل صورة أوسع ويمنحه ظلالاً وأبعاداً أخرى، فيحوّله من معرض تاريخي إلى سردية معكوسة عن الراهن.
وبالفعل، كان المعرض مبرمجاً - بحسب جدول المعارض السنوية - في أيار/ مايو 2018، غير أن الجامعة كانت مغلقة في تلك الفترة بسبب حركة احتجاجات طلابية (ضمن حركة اجتماعية موسّعة عاشتها فرنسا) جدّت خلال ربيع 2018، دخلت خلالها تنظيمات طلابية في اعتصام مفتوح، لم تنفع لفضّه محاولات الإدارة إيجاد تسوية، مما أدى إلى قرار من رئاسة الجامعة بغلق كل مباني الكلية إلى أجل غير محدّد، ولم تفتح أبوابها إلا مع فترة الامتحانات. هكذا، وبعد أن استقرّت الأمور جرى "ترتيب" المعرض من جديد.
ما حصل يعني بشكل من الأشكال أن "مايو 68"، باعتباره حركة احتجاجية تخرج من الجامعة، حدثٌ لا يزال مستمراً. هذا الأمر تقريباً لا يقوله المعرض، ولكنه رغم ذلك يفعله "رغم أنفه"، فهو يعرض مادة تاريخية تجمع ملصقات وصوراً فوتوغرافية عن الاحتجاجات وكتابات على الجدران، في نفس الوقت الذي يجد فيه زائر المعرض أن الجدران في الخارج تحمل هي الأخرى شعارات احتجاجية لكنها كتبت منذ أسابيع فقط. وهي مفارقة يصعب ألا ينتبه لها الزائر.
بشكل عام، يقدّم المعرض محتوياته بشكل تمجيدي، من خلال الصور وقصاصات الجرائد، وأيضاً من خلال انتخاب عدد كبير من الكتب التي تناولت ما حدث، وإعادة إنجاز بعض اللافتات التي رُفعت في 1968.
لا يخلو هذا الشكل من عرض "مايو 68" من مغالطة فضَحها عام الخمسينية بالذات. فكأن المعرض يقول لزائره إن الحياة الجامعية قد تحرّرت في هذا التاريخ بشكل نهائي، لكن ما يحدث في الخارج يؤكّد أن مطلب تحرير الجامعة من التسلّط، المعرفي والسياسي، لا يزال رهاناً حياً، وأن كل جيل يقف أمام نفس التحدّي وعليه بالتالي أن ينتزع حقوقه، فهي حقوق لا تورّث بين الأجيال، ونزعة التحرر هذه لا يمكن حصرها داخل جدران الجامعة، إذ سرعان ما تتخطّى السجال حول محتويات البرامج التعليمية، أو جودة الخدمات الجامعية، إلى انتقادات عن أداء الحكومات وخياراتها الاقتصادية.
بين 1968 و2018، مرّت خمسون عاماً بلا شك، هكذا تقول التقاويم، وهكذا تحبّ أن تؤكد المعارض والكتب التي تكاثرت في الفترة الأخيرة. لكن يحدث أن نشعر أن كل التواريخ مترابطة متداخلة، وأن عام 1968 لا يفصله عن 2018 سوى أسابيع قليلة.