عام 2003، فاز المخرج الأميركي مايكل مور بجائزة "أوسكار أفضل فيلم وثائقي" عن فيلمه الرائع Bowling for Columbine. كان فيلماً يبحث في جذور العنف والسلاح في الولايات المتحدة، على خلفية الجريمة البشعة التي جرت عام 1999 وسميت إعلامياً بـ "مذبحة ثانوية كولومبين"، حين قام طالبان من المدرسة بقتل 12 من زملائهم، وجرح 21 آخرين بواسطة أسلحة وبنادق ثقيلة.
خطبة تسلُّم مور لجائزته أصبحت من أهم اللحظات في تاريخ "جوائز الأوسكار"، حيث وقف يوم 23 مارس/آذار 2003، في لحظة عالمية مشتعلة بشدة، بعد ثلاثة أيام فقط من بدء الجيش الأميركي حربه على العراق، ليقول بشجاعة وأمام عشرات الملايين من المشاهدين للحفل، داخل الصالة وخارجها حول العالم: "نحن نعيش في زمن فيه انتخابات زائفة تنتخب رئيساً زائفاً، نعيش في زمن يرسلنا فيه رجل واحد إلى الحرب لأسباب وهمية، العار عليك يا سيد بوش.. نحن لا نريد هذه الحرب".
منذ تلك اللحظة تحول مايكل مور إلى الرمز السينمائي الأبرز في مناهضة السياسات الأميركية، وهو ما أكده فيلمه التالي "Fahrenheit 9/11"، العمل السينمائي الأعنف في انتقاد كل ما يخص تعامل الحكومة الأميركية مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2011، والحرب المفتعلة التي سموها "حرباً على الإرهاب". كان عرض الفيلم الأول في مهرجان "كان" السينمائي عام 2004، ونال "السعفة الذهبية"، كبرى جوائز المهرجان، كأول ــ وآخر ــ فيلم وثائقي ينال أرفع جائزة سينمائية في العالم، ولاحقاً صار "فهرنهايت 9/11" أيضاً هو "أنجح" فيلم وثائقي من ناحية الإيرادات.. حيث حصد 222 مليون دولار تقريباً في شباك التذاكر الأميركي.
لاحقاً أخرج مور ثلاثة أفلام وثائقية أخرى لم تنل نفس نجاح فيلميه الأخيرين: Sicko عام 2007 عن النظام الصحي في الولايات المتحدة الأميركية، Slacker Uprising عام 2007 عن جولته في قرابة 60 مدينة أميركية ومحاولة التقاط ما يسميه "ولادة جيل سياسي جديد"، وأخيراً Capitalism: A Love Story عام 2009 كدراسة للفوائد وأرباح الشركات الكبرى في مقابل خسائر الحياة العامة والضغوطات الاقتصادية على الناس العاديين.
منذ ذلك الوقت توقف "المخرج الصاخب" عن صخبه، لـ6 سنوات كاملة، قبل أن يعود أخيراً يوم الخميس 10 سبتمبر/أيلول، بفيلمه الجديد Where to Invade Next، الذي عرض في افتتاح مهرجان "تورنتو" السينمائي الدولي.
"أين الغزو التالي؟" ينطلق من سؤال افتراضي عن محاولة الولايات المتحدة، بعد فشل كل غزواتها خلال تاريخها، وعلى رأسها الخسائر البشرية والمالية في فيتنام والعراق، أن تجرب طريقاً جديداً للغزو، يقوم به مور نفسه، فيتنقل بين عدد من الدول، في أفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية، ويتجاذب الحديث مع الناس بلطف وهو يحمل العلم الأميركي، يحاول اكتشاف علاقتهم ببلده وتأثيرات عالمها الاقتصادي والاجتماعي عليهم.
اقرأ أيضاً: هيلين توماس: الصحافية التي دفعت ثمن الحقيقة
الشيء الملفت في كل المقالات النقدية التي تناولت الفيلم هو كونه قد صنع "بمزاج" مختلف عن أفلام مور السابقة كلها، فالمخرج الذي "اعتاد الحديث عن الرعاية الصحية ونظام التعليم والسيطرة على السلاح في الولايات المتحدة، وتوجيه انتقادات قاسية للحكومة الأميركية، قد يفاجئك قليلاً هنا" كما تقول الناقدة ديبرا يونغ في "هوليوود ريبورتر"، قبل أن توضح: "هذا الفيلم سعيد بالكامل تقريباً، فيه لحظات من الضحك بصوت مرتفع، بدلاً من الصراخ على الإخفاقات الاجتماعية".
"خفة" و"لطف" الفيلم كانتا الأوصاف الدارجة له في بقية المقالات أيضاً، "هنري بارنز" في "الغارديان" يقول إنه "فيلم بسيط جداً.. تخلى فيه مور عن غضبه وسمح لنفسه بالتخفف"، "آلان هانتر" في "سكرين ديلي" يرى أن "مور ينشد الخيال الجذاب في الفيلم، زيارات لأماكن جميلة، استراحة مع الناس، تغذية جيدة وتعليم جيد، وتقديم مقترحات في عمق ذلك أن يكون "الغزو" المقبل هو استيراد كل ذلك".
مايكل مور نفسه بدا واعياً لهذا الاختلاف في المؤتمر الصحافي الذي تلى عرض الفيلم في "تورنتو"، حيث قال للصحافيين "أقدم لك فيلم "مايك" السعيد"، في تأكيد على اختلاف هذا العمل عن كل أعماله السابقة، موضحاً أن "ذلك لا يعني عدم وجود أمور تستحق الانتقاد، ولكن بعد 6 سنوات شعرت بالرغبة في تقديم شيء مختلف، رحلة طويلة بين عدد من البلدان لاكتشافها وتوثيق ذلك في فيلم".
من المقرر أن يعرض الفيلم بدور السينما في 2 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مع وجوده ضمن الأسماء محتملة الترشح لأوسكار أفضل فيلم وثائقي.. بالنظر إلى الاستقبال النقدي الجيد الذي ناله في عرضه الأول في "تورنتو".
خطبة تسلُّم مور لجائزته أصبحت من أهم اللحظات في تاريخ "جوائز الأوسكار"، حيث وقف يوم 23 مارس/آذار 2003، في لحظة عالمية مشتعلة بشدة، بعد ثلاثة أيام فقط من بدء الجيش الأميركي حربه على العراق، ليقول بشجاعة وأمام عشرات الملايين من المشاهدين للحفل، داخل الصالة وخارجها حول العالم: "نحن نعيش في زمن فيه انتخابات زائفة تنتخب رئيساً زائفاً، نعيش في زمن يرسلنا فيه رجل واحد إلى الحرب لأسباب وهمية، العار عليك يا سيد بوش.. نحن لا نريد هذه الحرب".
منذ تلك اللحظة تحول مايكل مور إلى الرمز السينمائي الأبرز في مناهضة السياسات الأميركية، وهو ما أكده فيلمه التالي "Fahrenheit 9/11"، العمل السينمائي الأعنف في انتقاد كل ما يخص تعامل الحكومة الأميركية مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2011، والحرب المفتعلة التي سموها "حرباً على الإرهاب". كان عرض الفيلم الأول في مهرجان "كان" السينمائي عام 2004، ونال "السعفة الذهبية"، كبرى جوائز المهرجان، كأول ــ وآخر ــ فيلم وثائقي ينال أرفع جائزة سينمائية في العالم، ولاحقاً صار "فهرنهايت 9/11" أيضاً هو "أنجح" فيلم وثائقي من ناحية الإيرادات.. حيث حصد 222 مليون دولار تقريباً في شباك التذاكر الأميركي.
لاحقاً أخرج مور ثلاثة أفلام وثائقية أخرى لم تنل نفس نجاح فيلميه الأخيرين: Sicko عام 2007 عن النظام الصحي في الولايات المتحدة الأميركية، Slacker Uprising عام 2007 عن جولته في قرابة 60 مدينة أميركية ومحاولة التقاط ما يسميه "ولادة جيل سياسي جديد"، وأخيراً Capitalism: A Love Story عام 2009 كدراسة للفوائد وأرباح الشركات الكبرى في مقابل خسائر الحياة العامة والضغوطات الاقتصادية على الناس العاديين.
منذ ذلك الوقت توقف "المخرج الصاخب" عن صخبه، لـ6 سنوات كاملة، قبل أن يعود أخيراً يوم الخميس 10 سبتمبر/أيلول، بفيلمه الجديد Where to Invade Next، الذي عرض في افتتاح مهرجان "تورنتو" السينمائي الدولي.
"أين الغزو التالي؟" ينطلق من سؤال افتراضي عن محاولة الولايات المتحدة، بعد فشل كل غزواتها خلال تاريخها، وعلى رأسها الخسائر البشرية والمالية في فيتنام والعراق، أن تجرب طريقاً جديداً للغزو، يقوم به مور نفسه، فيتنقل بين عدد من الدول، في أفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية، ويتجاذب الحديث مع الناس بلطف وهو يحمل العلم الأميركي، يحاول اكتشاف علاقتهم ببلده وتأثيرات عالمها الاقتصادي والاجتماعي عليهم.
اقرأ أيضاً: هيلين توماس: الصحافية التي دفعت ثمن الحقيقة
الشيء الملفت في كل المقالات النقدية التي تناولت الفيلم هو كونه قد صنع "بمزاج" مختلف عن أفلام مور السابقة كلها، فالمخرج الذي "اعتاد الحديث عن الرعاية الصحية ونظام التعليم والسيطرة على السلاح في الولايات المتحدة، وتوجيه انتقادات قاسية للحكومة الأميركية، قد يفاجئك قليلاً هنا" كما تقول الناقدة ديبرا يونغ في "هوليوود ريبورتر"، قبل أن توضح: "هذا الفيلم سعيد بالكامل تقريباً، فيه لحظات من الضحك بصوت مرتفع، بدلاً من الصراخ على الإخفاقات الاجتماعية".
"خفة" و"لطف" الفيلم كانتا الأوصاف الدارجة له في بقية المقالات أيضاً، "هنري بارنز" في "الغارديان" يقول إنه "فيلم بسيط جداً.. تخلى فيه مور عن غضبه وسمح لنفسه بالتخفف"، "آلان هانتر" في "سكرين ديلي" يرى أن "مور ينشد الخيال الجذاب في الفيلم، زيارات لأماكن جميلة، استراحة مع الناس، تغذية جيدة وتعليم جيد، وتقديم مقترحات في عمق ذلك أن يكون "الغزو" المقبل هو استيراد كل ذلك".
مايكل مور نفسه بدا واعياً لهذا الاختلاف في المؤتمر الصحافي الذي تلى عرض الفيلم في "تورنتو"، حيث قال للصحافيين "أقدم لك فيلم "مايك" السعيد"، في تأكيد على اختلاف هذا العمل عن كل أعماله السابقة، موضحاً أن "ذلك لا يعني عدم وجود أمور تستحق الانتقاد، ولكن بعد 6 سنوات شعرت بالرغبة في تقديم شيء مختلف، رحلة طويلة بين عدد من البلدان لاكتشافها وتوثيق ذلك في فيلم".
من المقرر أن يعرض الفيلم بدور السينما في 2 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مع وجوده ضمن الأسماء محتملة الترشح لأوسكار أفضل فيلم وثائقي.. بالنظر إلى الاستقبال النقدي الجيد الذي ناله في عرضه الأول في "تورنتو".