منذ بداية الثورة السورية في عام 2011، تعاقب ثلاثة دبلوماسيين أميركيين على متابعة الملف، كان المبعوث الأميركي الجديد إلى سورية مايكل راتني، أحدثهم، بعدما خلف كلا من سلفه دانيال روبنشتاين والسفير الأميركي السابق روبرت فورد، فيما يرى محللون أنه ليس من المصادفة أن راتني وسلفه في سورية قد عملا في القدس المحتلة.
وينفي مصدر في وزارة الخارجية الأميركية، لـ"العربي الجديد"، أن يكون اختيار راتني مبعوثاً جديداً للإدارة الأميركية إلى سورية، قد جاء على خلفية عمله الدبلوماسي في القدس المحتلة كقنصل عام على مدى ثلاث سنوات، بغرض مراضاة إسرائيل.
ويشير المصدر إلى أن الخلفية الإعلامية لراتني التي اكتسبها من دراسته للإعلام في مرحلة البكالوريوس، فضلاً عن إجادته للغة العربية، كانا العاملين الحاسمين في اختياره.
ويلمّح المصدر إلى أن راتني الذي شغل منصب القنصل العام من 29 يوليو/تموز 2012 حتى الـ28 من يوليو/تموز الحالي، كانت علاقته ببعض المسؤولين الإسرائيليين يشوبها التوتر أحياناً بسبب حياده (النسبي) بين العرب وإسرائيل.
ويرجّح المصدر أن يضيق بعض الإسرائيليين بالتعيين الجديد لراتني في موقع له تأثير على إسرائيل حتى وإن كان غير مباشر، على نقيض ما ذهب إليه بعض المراقبين من أن "إسرائيل ستكون سعيدة بهذا التعيين"، في إشارة إلى أن الهدف من الاختيار قد يكون إغضاب المسؤولين الإسرائيليين الذين فقدوا ارتياحهم لراتني.
ولوحظ أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ولدى إعلانه تعيين راتني في موقعه الجديد، تطرّق إلى إجادة الرجل للغة العربية مثلما تطرّق لذلك عند تعيين سلفه دانيال روبنشتاين العام الماضي. ومع ذلك فإن إجادة اللغة العربية والعمل بالقنصلية الأميركية في القدس المحتلة، عاملان مشتركان يجمعان بين الخلف والسلف، ولكن هذا لا ينفي بالضرورة أن ما يفرّق بينهما قد يكون أقوى من ذلك. وتشير السيرة الذاتية لراتني إلى أنه يناقض روبنشتاين في تعصّب الأخير المفرط لإسرائيل بالمقارنة مع خلو سجل راتني من الانحياز الفاضح ضد المصالح العربية.
وعلى الرغم من نفي العلاقة بين تعيين راتني وخبرته بالشؤون الإسرائيلية، إلا أن معظم المحللين، بمن فيهم أميركيون، يرون أنه ليس من قبيل المصادفة أن يكون اثنان من بين ثلاثة مبعوثين أميركيين إلى سورية قد شغلا منصب القنصل العام في القدس. فمهما كانت سياسة الولايات المتحدة متخبطة بشأن سورية، فإنها ثابتة في حرصها الذي لا تخفيه على أمن إسرائيل. ومهما احتارت الإدارة الأميركية في تحديد ما تريده لسورية ومنها، فإن الأهم من إرادتها وفقاً لما عبّرت عنه آراء عدد من المعلّقين على قرار التعيين الأخير، هو تشكيل هذه الإرادة طِبقاً لما تريده إسرائيل أولاً، أو على الأقل طبقاً لما يخدم أمن إسرائيل.
اقرأ أيضاً: سورية: "النصرة" تحتجز قائد مجموعة معارضة دُرّبت أميركياً
يشار إلى أن المبعوث الأميركي الأول إلى سورية روبرت فورد، هو الوحيد بين الثلاثة الذي لم يأتِ من القدس، ربما لأن تعيينه سفيراً للولايات في دمشق تم في العام 2010 أي قبل الربيع العربي. ويعرف عن فورد أنه على الرغم مما أخذته الإدارة الأميركية عليه من تشدّد، يفهم سورية جيداً، وهي حقيقة يدركها المختلفون معه قبل المتفقين معه في الرأي أو الناقمين على آرائه المتشددة. أما المبعوثان اللاحقان روبنشتاين وراتني، فمعروف عن كليهما فهمهما الجيد لإسرائيل بحكم الموقع السابق لكل منهما.
وخلال سنوات خدمته الثلاث في القدس، حرص راتني على توجيه تهان مسجلة باللغة العربية إلى المسلمين الفلسطينيين في مناسباتهم الدينية كان آخرها التهنئة الصوتية لهم بمناسبة شهر رمضان المنصرم. وتضمنت كلمته إشارة إلى أنه على وشك ترك منصبه لتولي منصب آخر لم يفصح عنه حينها، لكن سرعان مع انتشرت التكهنات بأنه سيكون المبعوث المقبل إلى سورية، وهو ما تحقق بالفعل.
وكان من اللافت في كلمة راتني إيراده لمقولة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش: "سلامٌ لأرضٍ خُلقت للسلام. وما رأت يوماً سلاماً"، مقدّماً اعترافاً صريحاً بأن السنوات الثلاث التي قضاها في القدس لم يتم إنجاز العمل فيها ولم يتحقق السلام، ولكنه شدد على أن حلمه في السلام لا يزال قائماً.
ولا تشير السيرة الذاتية لراتني المنشورة في الموقع الرسمي للخارجية الأميركية إلى تاريخ ميلاده ولكن مصادر أخرى تفيد بأنه من مواليد العام 1962، في بيدفورد بولاية ماساشوسيتس وهي الولاية التي ينتمي إليها كيري وكان يمثلها في مجلس الشيوخ. وربما أن هذا الرابط بين راتني وكيري، ساعد الأول على الصعود في السلك الدبلوماسي ليشغل في سن مبكرة مواقع دبلوماسية رفيعة على الرغم من عدم وجود ما يؤكد ذلك بشكل قطعي. والده كان قد تقاعد قبل سنوات من العمل في أحد المرافق الصحية التابعة للحكومة الفدرالية في بوسطن بولاية ماساشوسيتس، ووالدته كانت أستاذة للتمريض في جامعة هارفارد. حصل راتني على أول درجة جامعية له في الإعلام والاتصال الجماهيري من جامعة بوسطن قبل أن ينتقل إلى جامعة جورج واشنطن ليحصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية ويصبح قريباً من مراكز صنع القرار.
خلال دراستة لمرحلة الماجستير تعرّف إلى زوجته كايرين ساساهارا التي تصغره بأربعة أعوام وتنتمي لمدينة نيوتين في ولاية ماساشوسيتس أيضاً. تولى عقد قرانهما في منتصف العام 1998 قسيس مسيحي من دعاة التسامح بين الأديان، وهو ما يشير إلى اختلاف ديانة الزوجين. ولم ينشر عن زوجته سوى أنها أصبحت أيضاً دبلوماسية في الخارجية الأميركية وعملت مع زوجها عقب تخرجهما في وظيفة دبلوماسية بالسفارة الأميركية في تونس.
ليست اللغة العربية هي اللغة الثانية الوحيدة التي يجيدها راتني بل إنه يتحدث لغات أخرى من بينها الإسبانية، ولهذا أرسلته الخارجية الأميركية في العام 2003 للعمل كملحق اقتصادي في سفارة الولايات المتحدة في المكسيك، قبل إرساله لاحقاً إلى العراق كمستشار لبول بريمر الحاكم الأميركي للعراق إبان الاحتلال الأميركي في ذلك الوقت، ثم أصبح منسّقاً سياسياً إقليمياً لقوات التحالف في البصرة. بين الأعوام 2006 و2009 عمل نائباً لرئيس البعثة الأميركية في الدوحة. وفي العام 2010 عاد إلى واشنطن ليشغل منصباً دبلوماسياً إعلامياً كمتحدث باسم دائرة الشرق الأدنى التي تقع معظم الدول العربية في نطاق اختصاصها. ومن خلال موقعه في هذه الدائرة وقبل إرساله إلى القدس ليتولى منصب القنصل الأميركي العام فيها، كان راتني قد أصبح نائباً لمساعد وزير الخارجية للشؤون الإعلامية، وقبل ذلك تم تعيينه أول مدير لمكتب الإعلام والتواصل الدولي الأميركي. ومن أعمال راتني أنه أشرف على تأسيس ستة مراكز إعلامية إقليمية للولايات المتحدة في لندن وبروكسل ودبي وجوهانسبرغ وطوكيو وميامي.
اقرأ أيضاً: أوباما يعيّن الموفد الأميركي إلى سورية سفيراً في تونس