مافيا سوق العمل... الفساد والعمالة الأجنبية يفاقمان بطالة العراقيين

24 مايو 2019
تظاهرة سابقة تطالب بتعيين عراقيين بقطاع النفط (فرانس برس)
+ الخط -
تتضارب الأرقام حول أعداد العمال الأجانب في العراق، إلا أن مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة والمراقبين اتفقوا على أنها زادت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة وسيطرت على قطاعات مهمة أبرزها النفط، الأمر الذي أدى إلى تعاظم نسبة البطالة بين العراقيين.
وفي وقت لا تمتلك وزارة العمل أرقاما محددة حول عدد العمال الأجانب، كشف برلمانيون أن عددهم يتجاوز مليون عامل يستنزفون ثروات البلاد.

أما رئيس اتحاد نقابات العمال العراقية وليد نعمة، فأكد لـ"العربي الجديد" أن العمالة الأجنبية في العراق تقدر بـ600 ألف عامل. وقال إن "العمالة الأجنبية في العراق ساهمت بتردي سوق العمل العراقية وأدت إلى تدني الأجور"، موضحاً أن العراقي الذي ينجز عملا بـ300 دولار، ينجزه الأجنبي بـ100 دولار، ما تسبب في ازدياد نسب البطالة.

وأرجع رئيس اتحاد نقابات العمال العراقية السبب إلى وزارة العمل التي لم تضع ضوابط محددة للحد من هذه الظاهرة ولم تخضع الأجانب لقانون العمل العراقي.

وتابع: على وزارة العمل أن تكثّف الرقابة وتشرك النقابات المستقلة في متابعة هذه القضية، لافتاً إلى أن الطامة الكبرى في أن كثيراً من العمال الأجانب جاؤوا إلى العراق لا لغرض العمل، وإنما من أجل التسول، وقد رصدنا الكثير منهم في بغداد، أما في كربلاء فالإيرانيون يستحوذون على سوق العمل لأنهم يقبلون بربع أو بنصف الأجر الذي يعطى للعامل العراقي".

وفي المقابل، قال المتحدث الإعلامي لوزارة العمل العراقية نجم عبد العقابي، إن "وزارة العمل لديها 13 ألف عامل أجنبي مسجلاً، يعمل في القطاع النفطي والاستثماري، ولا تمتلك الوزارة أرقاما واضحة للعمال من بلدان شرق آسيا وغيرهم الذين دخلوا إلى العراق خلال السنوات الماضية عبر السياحة الدينية أو عن طريق شركات متخصصة".

وأوضح عبد العقابي لـ"العربي الجديد"، أن "العمل الوزاري مستمر من أجل معرفة العدد الحقيقي لهم، لأن تعاظم عدد العمال الأجانب بات يؤثر على البطالة بين العراقيين، وتوجَد مساع من قبل وزير العمل الحالي من خلال لقاءاته بممثلي الشركات النفطية في البلاد، لتوقيع اتفاقية تسمح للشركة بتوظيف 50 بالمائة من عمالها من الأجانب، أما النسبة المتبقية فتخصص للعراقيين، تشجيعاً للعمالة الوطنية".

وبحسب تقارير رسمية، يعاني العراق منذ الاحتلال الأميركي في عام 2003 وحتى الآن من نسب بطالة مرتفعة، ومع تبدل الحكومات وتعاقبها تزداد هذه النسب، جرّاء غياب السياسات الواضحة التي توفر فرص تعيينات حكومية أو ضمن قطاع الشركات شبه الحكومية أو الخاصة. وتبلغ نسبة البطالة في العراق نحو 22%، وفقاً لوزارة التخطيط العراقية، في حين أكد نواب في البرلمان أنها تصل إلى نحو 40% في بعض المدن المحررة شمال البلاد وغربها.

وأكد مراقبون لـ"العربي الجديد" أن أحد أهم أسباب تفاقم البطالة هو الفساد والتلاعب بالدرجات الوظيفية واختصارها على أقارب مسؤولين وحاشيتهم من وزراء ونواب وغيرهم، الأمر الذي أدى في النهاية إلى انفجار شعبي وتظاهرات انطلقت خلال السنوات الماضية في أكثر من محافظة بوسط العراق وجنوبه، حتى انتهت في البصرة نهاية العام الماضي.

وكان من أبرز مطالب المحتجين، توفير فرص عمل وتعيينات مع تحجيم العمالة الأجنبية في الشركات النفطية العاملة بمحافظة البصرة وتعيين العمالة الوطنية محلها.


ويسعى نواب في البرلمان العراقي، خلال المرحلة الحالية، إلى فتح ملف "العمالة الأجنبية"، عبر توجيه أسئلة داخل مجلس النواب إلى وزراء العمل والنفط والداخلية، بعد أن قال برلمانيون إن "نسب البطالة ارتفعت لدى العراقيين، بسبب العمالة الأجنبية وهي ظاهرة خطيرة تتطلب الجدية القصوى في مواجهتها والتقليل من حجمها، خصوصاً مع غياب الفرص الوظيفية في موازنة العام الحالي وانعدام الخطط لاستيعاب العاطلين عن العمل في القطاع الخاص".

النائب في البرلمان العراقي حسين العقابي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "الأرقام التي توصلنا إليها بما يتعلق بالعمالة الأجنبية هائلة، مع العلم أنه لا توجد معلومات دقيقة من وزارتي العمل والداخلية، وآخر الأرقام تشير إلى وجود مليون عامل أجنبي داخل العراق، يستنزفون مقدرات البلد، ويستحوذون على فرص العمل الخاصة بالعراقيين، وتؤدي إلى تعاظم ظاهرة البطالة".

وأضاف أن "مجلس النواب عازم على مواجهة وزارة العمل والجهات المقصرة في هذا الجانب، إضافة إلى مواجهة الحكومة وتحميلها كامل المسؤولية".

وتابع أن "استقدام العمالة الأجنبية يحصل حالياً بلا حسيب أو رقيب، ويدار عبر مافيات متخصصة ومستفيدة من علاقاتها بالمسؤولين، والمشكلة الأساسية ليست مع وزارتي الداخلية والعمل وإنما مع وزارة النفط التي تهدر عشرات الآلاف من فرص العمل بمنحها للأجانب وهي في الأصل من حق العراقيين"، مشيراً إلى أن فرص العمل في القطاع النفطي هي الأوسع والأكثر تنظيماً، ولكن الوزارة تعاني من سوء إدارة، بحسب تعبيره. يُذكر أن التوترات السياسية والأمنية الأخيرة في المنطقة كانت لها تداعيات على العمالة الأجنبية في العراق.

وكانت شركة إكسون موبيل الأميركية قد نفذت عملية إجلاء لعمالها في حقل غرب القرنة النفطي بمحافظة البصرة جنوبي العراق، على خلفية تصاعد الأزمة الحالية بين واشنطن وطهران، والمخاوف من تعرض العاملين الأميركيين في البلاد لأعمال انتقامية من قبل ما تسميها أميركا الأذرع الإيرانية، في إشارة إلى مسلحين عراقيين موالين لطهران.

ووفقا لمسؤولين عراقيين في البصرة، فإن الشركة أجلت العاملين إلى دبي حيث سيواصلون عملهم من هناك، بينما أكد وزير النفط العراقي، ثامر الغضبان، الأحد الماضي، أنه أرسل خطابا إلى شركة "إكسون موبيل" الأميركية للمطالبة بالعودة الفورية إلى العمل في حقل غرب القرنة 1 النفطي. واعتبر الغضبان أن إجلاء إكسون موبيل موظفيها الأجانب من حقل غرب القرنة 1 في جنوب العراق، "غير مقبول ولا مبرر".

وتابع في بيان له أن "انسحاب عدد من العاملين في شركة إكسون موبيل من حقل غرب القرنة النفطي بشكل مؤقت أو احترازي رغم أعدادهم القليلة ليس له علاقة إطلاقا بالوضع الأمني في الحقول النفطية بجنوب العراق أو تهديدات ما، وإنما هو لأسباب سياسية"، على حد تعبيره.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد دعت، موظفيها "غير الأساسيين" إلى مغادرة العراق، وذلك بعد الحديث عن تهديدات محتملة ضد القوات الأميركية هناك.

المساهمون