اتخذت مافيات تجارة السلاح في العراق من المحافظات الجنوبية سوقاً رائجة لتداول بضاعتها التي حصلت على غالبيتها من مخلفات الحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي، والتي اشترك فيها عدد كبير من أبناء الجنوب ضمن مليشيات "الحشد الشعبي"، فضلاً عن الأسلحة التي تدخل البلاد عن طريق المهربين.
ولا يمكن لأحد أن يشير بأصابع الاتهام لأي من تجار السلاح في البصرة (590 كيلومترا جنوب بغداد) بسبب ارتباطهم بجهات سياسية متنفذة، بحسب ما يؤكده ضابط في شرطة المحافظة، قال لـ"العربي الجديد" إن مافيات تجارة السلاح أصبحت متغلغلة في غالبية المفاصل الحكومية، مبيناً أن الجميع يقصدها حتى رجال الأمن.
وأضاف الضابط "حدثت بعض الحالات التي اضطر فيها عناصر شرطة إلى قصد سوق السلاح لشراء بدائل لبنادقهم التي فقدت نتيجة الإهمال أو السرقة"، مؤكداً أن بعض التجار يحتفظون بكميات كبيرة من الأسلحة في منازلهم.
وأشار إلى انخراط عدد غير قليل من وجهاء وأفراد العشائر في تجارة السلاح التي تنتعش أكثر في القرى والبوادي، مبيناً أن البصرة تشهد عمليات تهريب سلاح من إيران، فضلاً عن كميات أخرى من الأسلحة المتنوعة التي تصل من المحافظات الأخرى.
ويبرر الزعيم القبلي محمد علي المالكي وجود أسواق للسلاح في البصرة بالهاجس الأمني الذي يدفع كل منزل لاقتناء سلاح متوسط أو خفيف، موضحاً أن عدم قدرة الإرهابيين على الوصول إلى المحافظات الجنوبية لا يعني أنها في مأمن منه.
وأضاف المالكي في حديث مع "العربي الجديد"، أن "البصرة تعد من أكثر المحافظات العراقية التي تشهد نزاعات عشائرية، وهذا الأمر يتطلب حصول كل عشيرة على سلاح مواز لما تحوزه العشائر الأخرى"، مؤكداً أن سلاح العشائر ليس ظاهرة جديدة، بل قديمة وتعود إلى بداية تأسيس الدولة العراقية قبل قرن من الزمن.
وهذا ما دفع عضو التيار المدني في محافظة ذي قار (جنوب العراق) سعد عباس إلى انتقاد الطبقة العراقية الحاكمة التي حولت الدولة إلى غنائم لأحزابها وعشائرها والمليشيات المرتبطة بها، مؤكداً أن سلاح العشائر والمليشيات يكفي العراق لخوض حرب.
وقال عباس، لـ"العربي الجديد"، إن "العشائر والجماعات المسلحة الخارجة على القانون تمتلك جميع أنواع الأسلحة عدا الطائرات"، مبيناً أن هذا الأمر مخيف لأنه يمثل وقودا لانفجار بركان الحروب والصراعات في جنوب العراق مع أية أزمة لا يمكن السيطرة عليها.
وأضاف "شاهدنا كيف تستخدم العشائر مختلف الأسلحة المتوسطة والخفيفة في نزاعاتها"، متوقعاً أن تكون حدة الصراعات أكبر في حال تجاوزت الصراعات مستوى العشائر.
وفي السياق، قال نائب رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة ميسان (جنوب العراق) إن أي اتفاق لتأجيل نزع السلاح بالمحافظة يمكن أن يمثل قنبلة موقوتة، مشيراً إلى امتلاك العشائر والأحزاب أسلحة تفوق تلك التي بحوزة القوات العراقية.
ولفت نائب الرئيس، خلال تصريح صحافي، إلى أن الأوضاع الأمنية في ميسان وبقية المحافظات الجنوبية أصبحت شبه منفلتة، مطالباً بإطلاق عمليات خاصة من أجل فرض هيبة الدولة، ونزع السلاح في ميسان.