ماض لن يتكرّر؟

13 نوفمبر 2014
هل بات الفكر الجهادي لا يستهوي الشباب الجزائري؟ (أ.ف.ب)
+ الخط -

من سورية والعراق، تأتي مشاهد القتل والذبح التي يقوم بها تنظيم "داعش" حاملة معها ذكريات أليمة إلى الجزائريين، الذين يستعيدون معها صور عشرية دامية، حصدت أزيد من 250 ألف قتيل وآلافا أخرى من المعطوبين والمفقودين.

يقترب تنظيم أبي بكر البغدادي من الجماعات الإسلامية المسلّحة التي نشطت في الجزائر، خاصّة بين 1992 و2002، في نوعية جرائمه بحق المدنيين. وإن كانا يفترقان في تفاصيل أخرى، فالأول يضمّ جهاديين من دول مختلفة من العالم، عكس الجماعات الجهادية الجزائرية التي ظلّت تعتمد على جهاديين محليّين. وبينما يوثّق التنظيم عملياته بالصوت والصورة، وينشرها على الشبكة العنكبوتية، لم تعمد الجماعات المسلّحة في الجزائر إلى توثيق جرائمها التي لم تعبر صورها العالم، بل ظلّت فقط محفورة في وجدان وذاكرة الجزائريين.

تلك التجربة التي كلّفت الجزائريين أكبر حصيلة لضحايا الجماعات الجهادية في العالم، إلى حدّ الآن، كانت ربّما أحد الأسباب التي أدّت إلى تراجع كبير في التحاق شباب الجزائر بالتنظيمات الجهادية المحلية والدولية. فعدد الجزائريين الذين يقاتلون مع تنظيم "الدولة الإسلامية" لا يتجاوز 400 شخص. وهو رقم صغير نسبيا بالمقارنة مع نظرائهم التونسيين الذين تقدّر السلطات التونسية عددهم بأكثر من 2500 جهادي متواجدين في العراق وسورية. ولكن هل طوى الجزائريون صفحة الإرهاب نهائيا؟ وبات الفكر الجهادي لا يستهوي الشباب الجزائري؟

لعلّ جانبا من الإجابة تقدّمه لنا مواقع التواصل الاجتماعي التي تكشف وجود نوع من التعاطف مع تنظيم "الدولة الإسلامية" في أوساط بعض الشباب، خاصّة من الأجيال الجديدة التي لم تعش مرحلة "العشرية السوداء" كما يسمّيها الجزائريون. لا يتحرّج البعض من الإشادة بأعمال التنظيم المنشورة عل الإنترنت، باعتبارها "جهادًا ضدّ الكفّار والروافض" و"خطوة في طريق تأسيس دولة الخلافة الإسلامية".

فمع تنامي استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أضحت الفضاءات الافتراضية المكان الأنسب للتنظيمات الجهادية لاستقطاب الشباب، سواء بالالتحاق بها، أو بتبني فكرها والتعاطف معه.

يشير تقرير صدر العام الماضي عن مركز الأمن الإلكتروني، التابع للمخابرات الجزائرية، إلى أن التنظيمات الإرهابية في الجزائر، كما في العالم، تستخدم التكنولوجيا المتطورة للتخطيط لهجماتها وتنفيذها، وأنها نجحت في تجنيد أعضاء جدد عن طريق الإنترنت، داعيا الحكومة إلى بذل مزيد من الجهود لمواجهة التطرف عبر الشبكة العنكبوتية، وهو ما أدى إلى التوجه إلى حظر على المنتديات الجهادية ومواقع تلك التنظيمات التي يقول الخبراء الأمنيون إنها تستهدف الشباب والمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا.

في الصيف الماضي، بثّ شخص من ولاية وهران، غربي الجزائر العاصمة، على موقع "يوتيوب"، شريطا مصوّرا يعلن مبايعة أبي بكر البغدادي والولاء لتنظيم "الدولة الإسلامية". لم يظهر أصحاب الشريط على الشاشة بل اكتفوا بإظهار ورقة كتبت عليها عبارات البيعة والولاء إضافة إلى تاريخ تصويره واسم المدينة. وكان لافتا أن الشريط صوّر بطريقة استعراضية داخل سيارة تتجوّل في قلب المدينة، كما لو كان الأمر تحديا وإعلانا بأن المتعاطفين مع التنظيم ليسوا فقط من بقايا الجماعات المسلحة التي ما زالت تنشط في الجبال، وإنما من أشخاص يتجولون في الشارع. لم يعر الكثيرون اهتماما للشريط، لكنه كان بمثابة مؤشّر على أن ثمّة متعاطفين مع التنظيم وإن كانت كلّ المؤشّرات توحي بأن لا وجود له على الأرض.

لكن سواء كان التنظيم موجودا على الأرض أم لا، فإن أفكاره موجودة بالتأكيد، ومنفذه إلى الشباب وأدواته لا شك قائمة!

المساهمون