ماستر محمد أيوب... معلّم أبناء الفقراء في حدائق إسلام أباد

إسلام أباد
avata
صبغة الله صابر
صحافي باكستاني؛ مراسل "العربي الجديد" في مناطق أفغانستان وباكستان.
07 فبراير 2020
99E2504D-CF24-4DE7-9586-618AD79A3148
+ الخط -

منذ نحو أربعة عقود، يتكرر مشهد خارج عن المألوف في حديقة عامة بمدينة إسلام أباد. فيه، يقدّم ماستر محمد أيوب التعليم لمهمّشين باكستانيين وهدفه خدمة الوطن وأبنائه.
في إحدى حدائق العاصمة الباكستانية إسلام أباد، يجمع ماستر محمد أيوب فقراء من المدينة ويعلّمهم من دون مقابل منذ نحو 37 عاماً. وكانت فكرة تعليم الأطفال هذه قد خطرت له بحسب ما يخبر "العربي الجديد"، عندما "رحت ألاحظ عن كثب ويلات شعبي وأبنائه في الأزقة وداخل المنازل، خصوصاً الفقراء منهم. ففكّرت في تغيير حالهم، وتوصّلت إلى أنّ العمل على نشر التعليم والمعرفة هو الطريق الوحيد. وهكذا بدأت بتعليم أبناء الفقراء".

يقول ماستر محمد أيوب إنّ "الأمر بدأ بين عامَي 1981 و1982 عندما كنت موظفاً في الدفاع المدني في العاصمة الباكستانية. فأنا كنت أعمل من ضمن طاقم الإطفاء وكنت أعمل على احتواء الحرائق وأشهد على ما يعيشه الناس من مشكلات وحالات مختلفة. فصرت أتمّنى لو أنّني أستطيع فعل شيء مميّز لأبناء شعبي كي أغيّر حالهم، وليس فقط إطفاء الحريق مثلما كنت أعمل آنذاك". يضيف: "وبدأت حينها بإجراء مسح ميداني في العاصمة تمهيداً لخطوة ما تفيد الشعب. فوجدت أنّ كثيرين هم الفتيان والفتيات المهمّشين في الأزقة والشوارع بلا كتب ولا أقلام، بعيداً عن مقاعد الدراسة. واقتنعت بفكرة تعليم هؤلاء وتثقيفهم، فكرّست بالتالي حياتي لذلك".



بالنسبة إلى ماستر محمد أيوب، كان "لا بدّ من العمل منذ ذلك الحين للاستفادة من هؤلاء الذين يُعَدّون ثروة هائلة للبلد من شأنها أن تحسّن حاله"، فهو مقتنع بأنّه "في حال ترعرع هؤلاء في الشارع فإنّهم سوف يتحوّلون إلى لصوص ومدمنين لا أكثر. بالتالي تضيع الثروة". وأتت البداية مع طفل يعيش وحده من دون أب ولا أمّ، ويعمل مع الناس من أجل توفير لقمة العيش. ثمّ كان طفل يمتهن التسوّل للبقاء على قيد الحياة، ثمّ ثالث اعتاد السرقة في الطرقات. وهكذا انطلقت عملية ماستر محمد أيوب، قبل أن يتخطّى عدد تلاميذه وتلميذاته المئات. ويشرح ماستر محمد أيوب أنّ هؤلاء ينقسمون إلى مجموعتَين: "تلاميذ وتلميذات لا يتلقّون تعليمهم في أيّ مكان بسبب العوز، فيحضرون صباحاً ويتابعون تعليمهم حتى الظهر. ولا يتوجّب عليهم سوى شراء ما يحتاجونه من كتب ودفاتر وما إليها. أمّا المجموعة الثانية فتتألف من تلاميذ وتلميذات يتابعون تعليمهم في المدارس، وهم يقصدونني بعد الظهر لأنّ مستواهم ضعيف وبالتالي أراجع معهم الدروس أو المواد التي يعانون نقصاً فيها. وهكذا تتواصل هذه العملية منذ 37 عاماً".



ويشدّد ماستر محمد أيوب على أنّ "الطريقة الوحيدة لإخراج باكستان من الأزمات الحادة هي التعليم، وتحديداً تعليم أبناء الفقراء لأنّهم محرومون ومعوزون ولا يملكون شيئاً وضائعون بمعظمهم، وهو ما يدفعهم إلى السرقة والإدمان وغيرهما من المصائب الاجتماعية التي يشكو منها المجتمع الباكستاني". يُذكر أنّ ثمّة باكستانيين تلقّوا تعليمهم مع ماستر محمد أيوب في حديقة إسلام أباد، تابعوا دراستهم في المعاهد والجامعات وتخرّجوا منها، وهم يساندونه اليوم لمواصلة عمله هذا. ويشير إلى أنّه "في خلال أربعة عقود تقريباً تأسّس هنا أطباء ومهندسون، وهؤلاء يتردّدون على المكان أحياناً ويساعدونني وأنا فخور بهم"، ويقول مؤكداً "لا أعمل ذلك لإرضاء أيّ كان، بل من أجل باكستان بلدي الذي يستحق الخير". ويؤكد: "ليست لديّ أيّ انتماءات سياسية أو فكرية أخرى، وهدفي الوحيد هو تثقيف أبناء البلاد وبناتها. ولا أتطلع إلى جمع المال ولا إلى الحصول على أيّ منفعة مادية. همّي هو تثقيف المهمّشين. وأنا أفعل ذلك من أجل شباب مثقّفين، ينضمون إلى الجيش ويصيرون أطباء ومهندسين وحرفيين".



يدعو ماستر محمد أيوب جميع المعنيين إلى "حمل هذا الهمّ والقيام بما أفعل لأنّه الطريق الوحيد نحو الخلاص من الوضع المعيشي الصعب وممّا تواجهه باكستان من أزمات حادة". ويقول إنّ "أعداد السارقين والمدمنين في تزايد يومي في بلادنا، والسبب هو الجهل وتهميش ناشئة البلد. بالتالي، أنا أدعو المثقفين والعلماء وكلّ من تعلّم أن ينهجوا هذا النهج ويتأهبوا من أجل تعليم الأبناء المهمّشين. وفي الإمكان ضمّ مثقّفين إلى مشروعي، إذ إنّ عدد التلاميذ والتلميذات يزداد وأنا الوحيد الذي يقوم بتعليمهم، علماً أنّ وضعي الصحي لا يسمح في بعض الأحيان بالإضافة إلى تقدّمي في السنّ. أنا في حاجة إلى من يقف إلى جانب مشروعي ويساندني". وعلى الرغم من كلّ ما يواجهه من ظروف قاسية وأوضاع صعبة، يتعهّد ماستر محمد أيوب أن يواصل هذه المسيرة "حتى آخر رمق". يُذكر أنّ الرجل لا يملك إلا منزلاً متواضعاً في إحدى ضواحي العاصمة، وهو يعتمد في معيشته على راتبه التقاعدي الذي تؤمّنه له الحكومة.

دلالات

ذات صلة

الصورة

سياسة

قُتل 13 شخصاً على الأقل وأصيب أكثر من 40 آخرين بجراح، اليوم الجمعة، في باكستان جراء انفجار انتحاري وقع بالقرب من مسجد بداخله مهرجان ديني في إقليم بلوشستان شمال غرب البلاد.
الصورة
وزير الصحة الفدرالي في حكومة باكستان نديم جان (فيسبوك)

مجتمع

فرضت الحكومة المحلية في إقليم البنجاب الباكستاني حظراً لمدة أسبوعين على بيع واستخدام دواء مصنّع محلياً تسبب في فقدان عدد من المرضى البصر، وشكّلت لجنة لتقصّي الحقائق وإجراء تحقيق في القضية.
الصورة

مجتمع

نجحت السلطات الباكستانية في إنقاذ سبعة طلاب ومعلمهم حوصروا في عربة تلفريك معلقة على ارتفاع كبير في الجو فوق وادٍ عميق في باكستان، اليوم الثلاثاء، بعد انقطاع أحد السلكين الحاملين لها، وذلك في عملية إنقاذ وصفت بأنها "بالغة الخطورة" عرقلتها الرياح
الصورة
أنوار الحق كاكر (تويتر)

سياسة

بخلاف المتوقع، تولى أنوار الحق كاكار، منصب رئيس الحكومة الانتقالية في باكستان، ما دفع بحالة من الارتياح في البلاد، لأن الرجل معروف بعدم انحيازه إلى أي جماعة أو جهة معينة، وعدم قربه من المؤسسة العسكرية إلى حد يقلق الأحزاب السياسية في البلاد.