فتح تصريح قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين في سورية باب السجال السياسي في الأوساط المعارضة، تحديداً عبر توجيهه اتهامات غير مباشرة لتركيا بالتخلي عن مدينة حلب، إذ ذكرت مصادر أن خلافات بدأت تطفو على السطح داخل هذه الجماعة، التي توصف بأنها "الأقوى والأكثر تنظيماً من بين قوى المعارضة السورية"، على الرغم من تأكيد قيادي فيها لـ"العربي الجديد" بأن "الجماعة متماسكة، وتجري مراجعات سياسية بشكل دائم".
في هذا السياق، طالب مدير مركز الشرق العربي، القيادي السابق في الجماعة، زهير سالم، من سماهم "قيادات المعارضة في تركيا"، بعدم دفع "ثمن ما تتمتعون به من امتيازات في تركيا من دم أطفال حلب"، مضيفاً في منشور على صفحته على موقع فيسبوك منذ أيام: "اصدعوا بالحق، واخرجوا بتظاهرات في قلب إسطنبول ضد سياسات التخاذل، ضد درع الفرات التي رفعت شعار: شرق الفرات وغرب الفرات، وجعلت بلدة جرابلس أرضها وبلدة الباب سقفها".
وأثارت تصريحات سالم، والذي قدّم استقالته في عام 2013 من عضوية قيادة الجماعة، ردود أفعال متباينة، وخصوصاً أنها حملت للمرة الأولى اتهامات مبطنة لتركيا، التي تُعدّ من أبرز داعمي الجماعة، بالتخلّي عن مدينة حلب لنظام بشار الأسد والروس والايرانيين، مقابل نفوذ لها بدأ يتنامى في الآونة الأخيرة في ريف حلب الشمالي، والشمالي الشرقي من خلال عملية "درع الفرات" العسكرية.
ولم يتأخر رد الجماعة التي تتخذ من مدينة إسطنبول التركية مقراً لها، بعد إعلانها في بيان على صفحتها على فيسبوك رفضها ربط ما وصفته بـ"مواقف وآراء شخصية" بالجماعة ومواقفها. وأكد المكتب الإعلامي للجماعة أن "من يعبّر عن وجهة نظر الجماعة الرسمية، هو المراقب العام، وبيانات وتصريحات المكتب الإعلامي فقط، والجماعة غير مسؤولة عن أية تصريحات أو آراء صادرة عن جهات أخرى مهما كانت صفتها". ونوّه المكتب إلى أن "الجماعة تثمّن عالياً الموقف التركي الداعم للثورة"، ومقدماً الشكر لـ"تركيا حكومة وشعباً على الدعم السياسي واللوجستي والإنساني الذي تقدمه للشعب السوري"، وفق البيان.
وسبق الجدل الذي أحدثته تصريحات سالم المعروف بـ "الشخصية المعتدلة داخل الجماعة"، موقف لفت أنظار المتابعين للمشهد السوري المعارض، وعُدّ محاولة متأخرة من الجماعة لإجراء "مراجعات سياسية وثورية"، إذ أعلنت الجماعة في حينه إنها "تدرس قرار انسحابها من مؤسسات العمل الوطني المعارضة، لتلتفت إلى ما تعتبره الأهمّ في تحصين العمل الثوريّ والإنسانيّ، في هذه المرحلة الحرجة من عمر ثورتنا المظفرة". وأشارت إلى أنها "ستسعى دائماً لتكون مواقف هذه المؤسسات منسجمة مع أهداف الثورة، خادمة لمصلحة الوطن، بعيدة عن الانسياق مع رغبات الآخرين"، وذلك في اشارة واضحة إلى أن الجماعة فقدت الثقة بالمؤسسات السياسية الثورية القائمة، التي كانت ومنذ بدء تشكيل هذه المؤسسات في أواخر عام 2011 من خلال المجلس الوطني السوري شريكة وفاعلة فيها، بل يذهب البعض إلى القول أنها كانت، ولا تزال، تفرض وصايتها عليها.
وشدّدت الجماعة على أنها "لن تكون معبراً لجريمة تصفية الثورة، ولا جسراً تمرّر عليه الإرادات الشريرة للروس والإيرانيين والمتواطئين معهم". وأكدت على "استقلاليّة قرارها الوطني"، مؤكدة أنها لن تساوم على "دماء الشهداء، وتضحيات السوريين، وانحيازها للمصلحة العليا لثورة السوريين". ولفتت إلى أنها محاصرة "من قِبَل قوى دولية وإقليمية متعددة"، مؤكدة في الوقت نفسه إيمانها بـ "الحوار السياسي وسيلة أساسية لتحقيق الأهداف الوطنية العامة على كل صعيد".
وأكدت مصادر مطّلعة فضّلت عدم الكشف عن اسمها، أن خلافات وصفتها بـ"الجوهرية" تعصف بالجماعة، خصوصاً لجهة ارتهان قيادتها الواضح للقرار الاقليمي، مشيرة إلى أن ما قاله زهير سالم "دليل واضح على وجود استياء لدى عدد من منتسبي الجماعة من هذا الارتهان".
من جهته، اعتبر القيادي في الجماعة ملهم الدروبي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الجماعة تمارس الديمقراطية الحقيقية داخلياً، فتكفل حرية التفكير وحرية التعبير عن الرأي قبل صدور أي قرار أو موقف رسمي من الموضوع قيد البحث"، مضيفاً أن "على الجميع الالتزام بقرارات ومواقف القيادة بعد صدورها". ورأى أن تصريحات سالم "لم تخرج عن هذه الآلية"، مشيراً إلى أن سالم "ملتزم".
ونفى الدروبي، في سياق حديثه، وجود خلافات داخل الجماعة "تهدد وحدتها"، مشدداً على أنها "متماسكة". وردا على سؤال يتعلق بنية الجماعة القيام بمراجعات، أكد أن "المراجعات السياسية عملية مستمرة ولم تتوقف في يوم من الأيام، وهذه من السمات الإيجابية للجماعة"، على حد قوله.
وتعد جماعة الإخوان المسلمين من أقدم القوى السياسية الفاعلة في سورية، وتأسست في مطلع الثلاثينيات من القرن الفائت، أي بعد سنوات قليلة من تأسيس الجماعة في مصر وهي تعد نفسها جزءا من الجماعة في العالم. وكان مصطفى السباعي أول مراقب لإخوان سورية بين عامي 1945 و1964، ثم تولت شخصيات عدة قيادتها، منهم عصام العطار، وعدنان سعد الدين، وعلي صدر الدين البيانوني، ومحمد رياض الشقفة، وصولاً إلى المراقب العام الحالي محمد حكمت وليد.
تركز نشاط الجماعة منذ تأسيسها في مراكز المدن الكبرى في سورية، خصوصاً في دمشق، وحمص، وحماة، وحلب، ولم تكن على وفاق مع السلطات المتعاقبة في سورية، تحديداً العسكر الذين هيمنوا على المشهد السياسي عقب انقلاب عام 1963، وحاولت الحركة تغذية التمرد على الانقلاب في معقلها الرئيسي وهو مدينة حماة، ولكن سرعان ما قمع الحكم العسكري هذا التمرد.
مع ذلك ظلّت الحركة تمارس نشاطاً سرياً ضد سلطة حزب البعث والعسكر بدأ يطفو إلى السطح في السبعينيات من القرن الماضي إثر انقلاب حافظ الأسد في عام 1970 على انقلاب عام 1963. وتفجّر مطلع الثمانينيات، خصوصاً في حلب، وحماة، حيث ارتكب الأسد في الأخيرة مجزرة مروّعة استمرت طيلة شهر فبراير/شباط من عام 1982 وانتهت بمقتل نحو 40 ألف شخص، معظمهم من المدنيين.
غادر قياديو ومنتسبو الجماعة سورية بعد المجزرة، إلى بلدان عربية عدة، أبرزها العراق والأردن، وأصدر الأسد الأب قانوناً يجرّم كل منتسب للحركة وينصّ على إعدامه. بقيت العلاقة بين الجماعة ونظام الأسد الأب متوترة على الرغم من محاولات تفاوض في عواصم عدة، فشلت بسبب التباين الحاد بين الجانبين. كما لم تنجح محاولات إقليمية للتقريب بين الجماعة وبين بشار الأسد الذي خلف والده في مطلع القرن الجديد.
وعندما بدأت الثورة السورية في عام 2011، انخرطت الجماعة فيها، محاولة تصدّر المشهد الثوري متعكزة على معارضتها التقليدية للنظام، وتُتهم من قبل تيارات وشخصيات سورية معارضة بأنها حاولت اختطاف الثورة، ووسمها بطابعها، رغم أنه لم يكن لها أي دور في اندلاعها. أما الجماعة فجزمت أنها مع "بناء دولة تقوم على دستور مدني، قائم على توافقية وطنية، تضعه جمعية تأسيسية منتخَبة، ويضمن التمثيل العادل لكل مكونات المجتمع"، كما تدعو إلى "دولة تقوم على فصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وتكون القوات المسلحة، وأجهزة الأمن فيها لحماية الوطن والشعب، لا لحماية سلطة أو نظام، ولا تتدخل في التنافس السياسي بين الأحزاب والقوى الوطنية"، وفق ما ورد في وثيقة "عهد وميثاق" صدرت في مارس/ آذار من عام 2012 بعد عام من اندلاع الثورة السورية.