ماذا بعد زغرودة التخرج؟

01 يونيو 2016
+ الخط -
قد يكون حلمنا بالتخرّج من الجامعة، والانتهاء من تكاليفها ومصاريفها، واللهاث خلف علاماتها، جعلنا ننسى الحلم والطموح الأكبر بما بعد ذلك، فكم من واحد منا فكّر بما بعد هذا الحفل المهيب، والزي الرائع المزركش والطاقية السوداء الشيك! هناك، حيث العالم الذي ينتظرنا بشغف ليراقب نجاحاتنا أو انكساراتنا، فنحن من نحدّد حينها إلى أي فريقٍ سننضم، هل هو فريق الأمل والتحدّي أم فريق اليأس والإحباط؟ ولماذا لا نسأل أنفسنا على الدوام بما يجب أن نكون عليه مستقبلاً؟ ما هو هدفنا؟ وما هي الصورة التي يجب أن يرانا عليها هذا العالم قريبا؟
كم من حلم قد تحطم واندثر، عندما اصطدم بجدار الواقع المرير، مع أنه جدار هش، لا يقوى على إرادة حديديةٍ، يخفيها الواحد منا بين ثنايا عقله وقلبه. لا أنكر واقع البطالة والحصار والمآسي، وأيضاً لست بصدد ذكر معدلات البطالة الصادمة في بلادنا العربية، ولا معدلات الإحباط الحكومية، وتطفيش الكفاءات، ولا شيء من ذلك القبيل بتاتاً، لأني أؤمن أن ذلك كله يتلاشى أمام عقولنا المتفتحة، لو كانت كذلك! وأمام بصماتنا التي نتركها في كل مكانٍ تدوسه أقدامنا، لتكون إشارة لنصر جديد في معركة طاحنة، تسمى الحياة.
في كل يوم، نستمع لقصص نجاح جديدة هنا في بلدنا العربي المشؤوم كما يصفه بعضهم، ولدت تلك القصص من تحت الحصار في غزة، ومن بين الأنقاض في سورية، ومع أزيز الطائرات وأصوات المدافع في العراق. نعم، كانت هذه العقبات دافعاً لأولئك لكي يبدعوا ويُخرجوا من رحم المعاناة روحاً وفكراً جديداً، يقتلع كل المعتقدات الراسخة في العقول، وينتزع أصولها من بواطن الأرواح، كما انتزعت أشلاء الأطفال من تحت الركام، هي الطريقة نفسها، والألم نفسه، لكن النتيجة تختلف في الحالتين.
أولئك الذين أبدعوا وحققوا النجاح الساحق تلقفتهم كل الأيادي، وانفتحت أمامهم جميع الأبواب، ويا لاندهاشكم، عندما تعلمون أنها هي الأبواب نفسها التي أغلقت في وجوههم يوماً، عندما كانوا لا شيء يذكر، عندما أهينوا ومسحت بكرامتهم شوارع المدن، وطردوا واستسلموا مؤقتاً لكل الإحباط المتراكم في هذا الكون، وقالوا لا طريق لنا، فكل شيء يسير، هنا، بالواسطة أو كما نسميها هنا في غزة فيتامين "و"، لكنهم أدركوا، بعد برهة، أن لا شيء سوى الابتكار، فهو طاقة الحياة الوحيدة في مقبرة الاستسلام.
تدفعنا كل الظروف من حولنا نحو طريقٍ مظلمٍ، نتحسّس فيه العقبات فقط، لا بصيص أمل يشدنا تجاهه، فلا دولة ولا حكومة ولا رئيس مكترث برعيته. تدقّ هذه الأجواء ناقوس الخطر كل يوم، بل كل ثانية تمر من حياتنا، لنتيقظ ونعلم أن الاعتماد بعد الله هو اعتماد على النفس بأن نشد بأيدي بعضنا، ونبدأ بتنمية قدراتنا ومهاراتنا التي ستساعدنا على تخطّي الطريق، للوصول إلى بر الأمان بلا إحباط ولا استسلام، فكل تنمية وتطوير ذاتي بتعلم لغة أو تدريب أو نشاط اجتماعي يفعل المجتمع ويحرّكه ويحرك ذواتنا نحو بصيص الأمل المفقود.
دعونا لا ننتظر تلك الحناجر الملغمة، حتى تصرعنا بزخاتٍ من الزغاريد المزيفة، اجعلوها قطراتٍ من السعادة الحقيقية، بداية لأمل متفتح وجديد ينبض بكل الإبداع، فما بعد زغرودة التخرج، أنا وأنت فقط من نحدّده، كي لا نكون عالة جديدة على مجتمعاتنا، فيكفيها ما فيها من عالة على عروش الحكم والسلطة، وما فيها من همجية تشدّها للوراء، وقطار التقدم يدعسها ولا يكترث بمن فيها، والمبرّر أنهم استسلموا جميعا لواقعٍ كانوا يظنون ظن السوء بأن المستحيل فيه لا يتحقق.
687DA23D-C8CE-4020-BB1D-1851559AB145
687DA23D-C8CE-4020-BB1D-1851559AB145
دينا أحمد (فلسطين)
دينا أحمد (فلسطين)