01 نوفمبر 2024
ماذا بعد انفجار شعبي قادم في مصر..؟
تناقل كثيرون من معارضي نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي، بغبطة، شهادات ثلاثة خبراء أميركيين في شؤون منطقة الشرق الأوسط، في جلسة استماع عقدتها اللجنة الفرعية للاعتمادات في مجلس الشيوخ الأميركي، رسموا خلالها صورةً كئيبةً للأوضاع في مصر. المشكلة، أن المعارضين أنفسهم الذين تراقصوا طربا أمام فشل السيسي في حكم مصر، وبدأ الحديث أميركيا، بصوت عال، عن ضرورة إعادة تقويم العلاقة مع نظامه، لا يقدّمون لنا أجوبة حول كيف سيتعاملون مع مثل هذا الانفجار الشعبي، لو وقع، مترافقا مع مقاربة أميركية جديدة، قد تَرْسي على التخفف من حمل السيسي الثقيل.
جلسة الاستماع المعنية هنا كانت يوم الثلاثاء الماضي (25/4)، وضمت مديرة برنامج الشرق الأوسط في معهد كارنيجي، والمسؤولة السابقة في وزارة الخارجية، ميشيل دون، والباحث في مركز الدراسات الشرق أوسطية في مجلس العلاقات الخارجية، والمسؤول السابق في إدارة جورج بوش الابن، إليوت إبرامز، بالإضافة إلى مساعد وزير الخارجية السّابق لشؤون حقوق الإنسان في عهد الرّئيس باراك أوباما، توم مالينوسكي. وقد أجمع ثلاثتهم، ووافق معهم كثيرون من أعضاء لجنة مجلس الشيوخ، من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، وفي مقدمتهم رئيس اللجنة، السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، بأن مصر اليوم تقف على أبواب انفجار شعبي، يبدو حتميا، خلال سنوات قليلة، ودعوا إدارة الرئيس، دونالد ترامب، إلى أن تربط المساعدات الخارجية لمصر بأوضاع حقوق الإنسان فيها.
تحدث الخبراء الثلاثة بإسهاب، عما نعرفه جميعا، عن الأوضاع الكارثية في مصر، والتي
كل ما سبق نعرفه، ويعرفه كذلك المعارضون لنظام السيسي. ولكن، هَبْ أن ثورة شعبية قامت في مصر اليوم، فهل تملك المعارضة رؤية ومشروعا للتعامل معها وتوجيهها؟ شخصيا لا أظن ذلك، إذ لا توجد مؤشرات على مثل هذا الأمر.
بداية، ينبغي الاعتراف أن ثورة محتملة، أو حتمية في مصر، إنما ستكون ثورة جياع، والانفجار سيكون على أرضيةٍ اقتصاديةٍ بالدرجة الأولى. في وَعْيِ المواطن المصري العادي فإن كل التوصيف السابق لأزمات مصر، من فساد وفقر وكبت وقمع وقتل.. إلخ، يصب في خانة واحدة، وهي قوته وقوت عياله. هذا لا يعني أنه لا يريد الحرية، ولا يرنو لها، بل إنه، كما أي إنسان عربي، يطمح إلى الانعتاق من إسار القمع والتخلف. ولكن، إن كنا تعلمنا شيئا من الثورات العربية عام 2011، فهو أن شعوبنا، بقدر ما ترنو إلى الحرية والكرامة، فإنها كذلك تبحث عن الأمن والاستقرار. ومن أسفٍ، أفلح معسكر البطش العربي في أن يُهَنْدسَ، خلال الثورات، فوضى وقلاقل أثرت على أمن المواطن العربي وجيبه مباشرة، وذلك لوضعه أمام خيارين أحلاهما مُرُّ، إما الحرية فالفوضى أو القمع فالاستقرار. المشكلة، أننا نعلم اليوم يقينا، أن الاستقرار الموهوم، المبني على القمع والفساد، لم يمنع الفوضى أبدا، ولم يأت باستقرار حقيقي.
في مقابل هَندسَة النظام الرسمي العربي للفوضى والقلاقل، لم تنجح المعارضات العربية، بكل ألوانها وتفريعاتها، من إسلاميةٍ وعلمانيةٍ وقوميةٍ ووطنيةٍ وليبراليةٍ ويسارية.. لم تفلح في
إن انفجارا شعبيا على أسس اقتصادية يكون في العادة مدمرا، وما يلجم عنانه تقديم إطار سياسي واع له، وهذه وظيفة النخبة. نعلم أن مصر على طريق الانفجار في السنوات المقبلة، اللهم إلا أن يتدارك نظام السيسي ذلك بمعجزة، ولكننا، في الوقت نفسه، لا نرى إطارا سياسيا لتوجيه دفة ذلك الغضب الشعبي الهادر، وجعله بنّاءً بدل أن يكون مدمرا. غياب الإطار السياسي البناء هو نتيجة تشرذم قوى الثورة ومناكفاتها البينية. إنه نتيجة لعنادها وصلفها مجتمعة. لا أحد فيهم يريد أن يعتذر للشعب المصري، بل ولأمة العرب جمعاء، عن كيف وأدوا حلمنا الجَمَعِيِّ. كل طرف يلوم الآخر، أو الآخرين، ولا أحد يريد أن يتحمل قسطه من المسؤولية عمّا انتهينا إليه. وحتى يتحقّق ذلك، وحتى يتوقف كل طرفٍ عن التنصل من مسؤوليته عمَّا اقترفوه بحق انتفاضاتنا، وحتى يتواضعوا فيما بينهم على وضع مشروعاتٍ وطنية، توافقية لا تغالبية، لثوراتنا، فإن أي انفجار شعبي قادم، لا في مصر فحسب، بل وفي أي قطر عربي، سيكون مدمرا للأسف، ولن تلبث "الدولة العميقة" أن تستعيد زمام المبادرة. بكلمةٍ أخرى، أي أن أي ثورةٍ غير مؤطرة سياسيا وتوافقيا، ستكون جهدا ضائعا، ولكنه باهظ الثمن.