وفي الوقت نفسه، أدلى رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي، أمام اجتماع رؤساء الدول والحكومات في المجلس الأوروبي، الخميس، بتصريحات قاسية للغاية في حق تركيا، قائلاً إنها تتطلب عقوبات عسكرية واقتصادية وسياسية أقوى، وهذا يتجاوز بكثير ما ترغب الدول الأعضاء، مع استثناءات قليلة، القيام به.
اتفاق رابح ـ رابح
نادراً ما احتفى طرفان بـ"الطلاق". وهذا ليس حال الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة اللذين أعلنا عن التوصل إلى اتفاق "بريكست" بتصريحات سارة. اتفاق حل المشكلة المعقدة للحدود الأيرلندية عبر القبول ببقاء أيرلندا الشمالية داخل النظام الجمركي البريطاني، مع تطبيق مجموعة محدودة من قواعد الاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بالسلع. بالإضافة إلى ضمان دعم ديمقراطي طويل الأجل لتطبيق سلطات المملكة المتحدة لقواعد الاتحاد ذات الصلة في أيرلندا الشمالية.
وكما قال ميشل بارنييه كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي لـ"بريكست"، خلال الندوة الصحافية للإعلان عن الاتفاق: "بعد مرور أربع سنوات على دخول البروتوكول حيز التنفيذ، سيتمكن الممثلون المنتخبون لأيرلندا الشمالية من اتخاذ قرار، بأغلبية بسيطة، فيما إذا كان يجب الاستمرار في تطبيقه أم لا. وهذا الدعم الديمقراطي يشكل حجر الزاوية في نهجنا المتفق عليه حديثاً".
ويأمل الأوروبيون والبريطانيون أن تكون علاقاتهما المستقبلية أفضل "بعد الطلاق"، إذ تم تعديل البيان السياسي الذي يرافق الاتفاق ليضم الإشارة إلى اتفاق تبادل حر بين الطرفين، سيبدأ العمل عليه مباشرة بعد خروج المملكة المتحدة من التكتل.
ولم يتردد بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني، في التأكيد على أنّ "الآن هو الوقت المناسب لتنفيذ بريكست والدخول في المفاوضات حول العلاقة المستقبلية التي أعتقد أنها إيجابية للغاية لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأود فقط أن أذكر بما أقوله دائماً أننا بلد أوروبي أساساً".
وإذا كان إقرار الاتفاق في البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي عملية سهلة، فإنّ إقناع جونسون للبرلمان البريطاني وحصوله على أصوات الحزب "الديمقراطي الوحدوي الأيرلندي" الشمالي، الذي أعلن رفضه للاتفاق الجديد، مهمة صعبة.
ورغم تشديد المسؤولين الأوروبيين على وجود ضمانات باعتماد الاتفاق في الوقت المحدد لتنفيذ البريكست، فإن تصريحات بعض السياسيين البريطانيين تدحض ذلك.
ماذا بعد؟
إذا تم اعتماد معاهدة خروج المملكة المتحدة التي تم التوصل إليها، فهذا سيعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل في منتصف الليل.
ماذا سيحدث بعد ذلك؟ "لا شيء، أو تقريباً لا شيء"، يفسر لـ"العربي الجديد" جوريك كوشنيشك الخبير في الشؤون الأوروبية، مضيفاً "لأنه حتى إذا لم تعد المملكة المتحدة، من الناحية القانونية، عضواً في الاتحاد الأوروبي، فإن اتفاقية الخروج تنص على فترة انتقالية حتى نهاية عام 2020، لن يتغير خلالها أي شيء للمواطنين أو للقطاعات الاقتصادية. ستواصل بريطانيا ببساطة العمل في ظل نظام الاتحاد الأوروبي. وإذا لم تبرم الكتلتان خلال هذه المدة اتفاقية تجارة حرة، فيمكن تمديد هذه الفترة الانتقالية لمدة سنة أو سنتين".
أما الفرق الوحيد مقارنة بالوضع الحالي، فيتمثل في أنّ "الدولة العضو السابقة لن تشارك في أي مؤسسة تابعة للاتحاد الأوروبي. وسوف يغادر أعضاء البرلمان الأوروبي البريطانيون الجمعية، حيث تم انتخابهم في شهر مايو/أيار الماضي، ولن ترسل لندن مفوضاً أوروبياً، كما يتوقف ممثلوها في المؤسسات الأوروبية عن المشاركة في الإدارة والعمل".
ويشير كوشنيشك إلى أنّه "كان لدى الأوروبيين قلق في حال قامت المملكة المتحدة، بعد بريكست، بتحرير سوقها ومعاييرها بشكل كبير، على نحو سنغافورة، بحيث تصبح المنافسة بين الشريكين المستقبليين مشوهة، على حساب الاتحاد الأوروبي. لكن ميشيل بارنييه، كبير المفاوضين، شدد على أنّ الأوروبيين عملوا كل ما وسعهم لـ"الإبقاء على قواعد لعبة متساوية".
وكان بارنييه قد حذر من أن "مستوى الطموح في اتفاق التجارة الحرة المستقبلي سيكون متناسباً مع مستوى وجودة قواعد اللعبة الاقتصادية بيننا".
إدانة قوية للعملية التركية
ديفيد ساسولي، الذي دشن أول ظهور له أمام رؤساء الدول والحكومات، منذ توليه رئاسة البرلمان الاوروبي، "أدان بشدة وبدون تحفظ" الهجوم التركي في شمال شرق سورية، معتبراً أنه "انتهاك خطير للقانون الدولي"، و"يعرض للخطر استقرار وأمن المنطقة ككل، ويسبب معاناة السكان المتأثرين بالفعل بالحرب، ويعوق وصول المساعدات الإنسانية"، مشدداً على ضرورة "وقف هذا العمل العسكري على الفور".
وقد اعتبر أنّ الخطوات الأولى التي اتخذها الأوروبيون، عبر تنسيق تدابير الحظر الوطنية على مبيعات الأسلحة المستقبلية لتركيا، "لا تكفي"، إذ يجب أن يكون هناك "حظر مشترك من قبل الاتحاد الأوروبي ليس فقط لعمليات تسليم الأسلحة في المستقبل، ولكن أيضاً للصادرات الحالية".
وقال إنه "يجب علينا أيضاً أن نضع على الطاولة أي إمكانية لفرض عقوبات اقتصادية ضد الحكومة التركية؛ يجب أن يتعلق الأمر فقط بالأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، وليس المجتمع المدني المتأثر بالفعل بالأزمة الاقتصادية". كما يتعين على الأوروبيين "بذل كل ما في وسعنا لوضع حد لهذا العمل الحربي وإطلاق مبادرة ستتم مناقشتها داخل الناتو ولفت انتباه مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة".
كما دعا البرلمان الأوروبي، كما فعل في الماضي، إلى "تعليق مفاوضات الانضمام مع تركيا مرة أخرى"، معتبراً أنه غير مقبول "أي محاولة من جانب السلطات التركية لربط العمل العسكري في شمال شرق سورية بمصير اللاجئين السوريين في الأراضي التركية".
وجاء كلام ساسولي قبل إعلان نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الخميس، عن توصل تركيا والولايات المتحدة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في شمال شرق سورية، يفسح المجال لانسحاب المليشيات الكردية.
وقال بنس، في مؤتمر صحافي، بعد محادثات أجراها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في العاصمة التركية أنقرة، إنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ممتن لقبول أردوغان وقف إطلاق النار في سورية، موضحاً أنّ "هذا الحل سينقذ الأرواح".
وذكر بنس أنّ العمليات العسكرية ستتوقف 120 ساعة في شمال سورية لتتمكن "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من الانسحاب بـ120 ميلاً من الحدود شمالي سورية، ثم سيسري اتفاق دائم لوقف إطلاق النار.
ومن المتوقع أن يزيد البرلمان الأوروبي من الضغط، الأربعاء المقبل، 23 أكتوبر/تشرين الأول، خلال دورته العامة وقبيل الاجتماع الوزاري لحلف شمال الأطلسي.
وبحسب الخبير في الشؤون الأمنية، نيكولا غرو فرهايد، فإنّ "البرلمان الأوروبي يدرك أن لا تأثير له في السياسة الخارجية الأوروبية، لذا يسمح لتصريحاته بأن تكون قاسية أكثر من مواقف الدول الأعضاء. إنها لعبة يتقنها الأوروبيون عندما يتعلق الأمر بالشؤون الخارجية".