يقول فيديريكو فيلليني في سياق الاعتراض على تتبّع التقاطعات بين سيرته الذاتية وبين أفلامه "يبدو لي أنني اخترعت كل شيء تقريباً: الطفولة، والشخصية، والحنين إلى الماضي، والأحلام، والذكريات، كلّ ذلك من أجل المتعة في القدرة على إعادة سردها".
بدأ كاتب السيناريو والمخرج السينمائي الإيطالي (1920 – 1991) حياته المهنية برسم الكاريكاتير وكتابة المقالات الساخرة في الصحف الأسبوعية في نهاية الثلاثينيات، ورغم التحاقه بكلية الحقوق إلا أنه لم يدخل القاعات الدراسية قط، وربما ألهمه ذلك سيل التهريج والتهكّم اللذين لا ينتهيان في أعماله التي تنتسب إلى الواقعية الجديدة.
تحتفل إيطاليا وبلدان أخرى حول العالم هذه السنة بمرور مئة عام على ميلاد صاحب فيلم "الطريق" (1950) من خلال تنظيم ندوات ومحاضرات، وافتتاح متحف يضمّ جميع الوثائق والحاجيات الخاصة والصور والشواهد والرسوم التي أنجزها الفنان الراحل في غضون خمسة عقود تقريباً.
تتركّز العديد من الفعاليات في روما، التي اعتبر فلليني لحظة قدومه للإقامة فيها عام 1939 هي لحظة مولده الحقيقية، حيث أحسّ أنها المكان الوحيد الذي سيتحضن إبداعه، ومنها المعرض الذي افتتح في "قصر فينيسيا" في العشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، الذي يصادف ذكرى ميلاده في مدينة ريمني شمالي البلاد، والذي يغلق أبوابه الأحد المقبل بسبب إجراءات الوقائية من فيروس كورونا، على أن يعاد فتحه لاحقاً، قبل أن ينتقل إلى مدن لوس أنجليس وموسكو وبرلين.
يضمّ المعرض ثلاثة أقسام رئيسة، الأول يروي تاريخ إيطاليا بدءاً من عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، أيّ فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى وتنتهي في الثمانينيات من خلال صور أفلام فيلليني، والثاني يخصص لعدد من أصدقاء ومجايلي الفنان الذين تعاونوا معه وعايشوه في كثير من المراحل، ويحوي الثالث المقتنيات والوثائق التي ستؤثث المشروع الدائم لمتحف "فيديريكو فيليني الدولي" في مسقط رأسه.
بالتوازي، يقام المعرض في ريمني التي لم يصوّرها صاحب فيلم "الشيخ الأبيض" (1951) في أيّ من أعماله، حيث يُعرض بعضها في المركز التاريخي للمدينة، المكان الذي شاهد فيه فلليني فيلماً سينمائياً للمرة الأولى في حياته وهو يجلس في حضن والده عام 1926، وكان فيلم "الرجل القوي في الجحيم" لبريغنوني.
تُخصص أيضاً أسابيع في المعاهد الثقافية الإيطالية المنتشرة في العالم لعرض أفلام المخرج الراحل، وعقد اللقاءات والنقاشات حول تأثيرها سواء على مستوى الاهتمام بالمشهدية أكثر من اعتماده على الحوار، أو في نقده اللاذع لإيطاليا المتمسكة بالمظاهر والقشور بعد خسارتها حربين عالميتيْن، أو في تناوله أحداثاً تاريخية وأخرى تنتمي إلى الواقع وتتنبأ بالمستقبل، وكلها ضمن معالجاته التي تستنند إلى أحلامه؛ ومنظوره لرؤية العالم ولحلّ مشاكله أيضاً.