مؤشرات اقتصادية في ذكرى ثورة السوريين

18 مارس 2020
للنازحين نصيبهم من مخاطر كورونا أيضاً (الأناضول)
+ الخط -


عرف السوريون يقيناً، منذ أول إطلالة لرئيس النظام بشار الأسد في 30 مارس/ آذار 2011، أي بعد أقل من 15 يوماً على أول صيحة بثورة الشعب، أنهم مقبلون على الدمار، فالرئيس الذي رأى في الثورة "إثارة فتنة لتطغى على الإصلاح وتلبية الحاجات اليومية" واعتبر أن سورية "تتعرض لمؤامرة كبيرة" وأن "مدبري المؤامرة خلطوا بين الفتنة والإصلاح" ولا بد من مواجهة الشعب، وعرفوا أن وريث الحكم بدمشق لا يمكن أن يجنح لمطالب المحتشدين بالساحات، من كرامة وحرية وعدالة بتوزيع الثروة.

بل سيسوق بالحل الأمني والعسكري حتى النهاية، مستشهدين بما رأوه من قمع وقتل واعتقال، وما خطته أقلام الأمن والجيش على جدران المدن الثائرة "الأسد أو نحرق البلد" في أول شعار، حمل من الوجودية والعدمية في آن ما لم يتضمنه سواه حتى اليوم، فإما بقاء الأسد الابن الذي ورث الحكم عن أبيه منذ نهاية عام 2000، بعد حكم الأب لثلاثين عاماً، وإما، فخراب سورية بكل من وما فيها، هو البديل.

وبدأ مشوار التهديم منذ ذاك، يطاول الإنسان أولاً ويمتد إلى البنى والهياكل الاقتصادية، ليصل إلى التسلح بقوى خارجية يستقوي بها على أحلام الشعب، إن كان من طهران منذ 2012 أو من موسكو عام 2015، ويقايض كرسي أبيه بكل مقدرات وثروات وجغرافيا سورية، لتبدأ فاتورة الخسائر تتعاظم حتى وصلت اليوم إلى أكثر من 300 مليار دولار وفق أكثر المؤشرات العالمية تفاؤلاً.

ولأنه من الصعوبة، أو اللاعلمية، ضبط خسائر حرب الأسد على ثورة السوريين وحريتهم، نظراً لاستمرار الحرب أولاً وزيادة المحتلين والسيطرة على ثرواتها ثانياً، سنحاول التقريب للقارئ، وفق البيانات والأرقام الصادرة عن مؤسسات الأسد والمراكز البحثية بدمشق.

تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار عام 2011 إلى نحو 10 مليارات دولار عام 2019، كما تراجع حجم الموازنة العامة للدولة من 18.1 مليار دولار إلى نحو 8 مليارات العام الجاري. لتتزايد بالتالي نسبة البطالة من 8.4% عام 2011 إلى أكثر من 83% اليوم ونسبة الفقر من نحو 24% إلى أكثر من 90% مطلع العام الجاري.

وجاءت هذه النسب الكارثية، إثر تهديم القطاعات الاقتصادية واعتماد نظام الأسد سياسة التفقير لمزيد من إخضاع السوريين وإذلالهم، ففي حين تهدم نحو 27 % من مجموع الوحدات السكنية وخرج ما نسبته 76% من قدرة سورية الصناعية بعد أن خسرت الزراعة 25 مليار دولار والسياحة 14 ملياراً وقطاع النفط أكثر من 60 ملياراً.

آثر نظام الأسد تثبيت الأجور أو رفعها بنسب ضئيلة لم تصل إلى 3 أضعاف ما كانت عليه قبل الثورة، رغم ارتفاع الأسعار 15 ضعفاً بين عام 2011 واليوم إثر تهاوي سعر صرف الليرة السورية من نحو 45 ليرة للدولار إلى 1100 ليرة اليوم.

ولتتجلى معادلة المعيشة مستحيلة الحل بدخل يقل عن 50 ألف ليرة وإنفاق يزيد عن 250 ألفاً، وما بينهما من ثغرات، سيكون ثمنها بيع الممتلكات والفقر والذل، بل وبيع ما يباع لمرة واحدة، كالكرامة والشرف.

وربما الأكثر أثراً وخطورة على أمل السوريين وتطلعاتهم بعد الأسد، لبناء دولة ديمقراطية مستقلة، كانت الخسائر البشرية، إذ كان هاجس نظام الأسد الأول القصاص من السوريين الذين تجرأوا وطالبوا بالحرية والعدالة بمنح الفرص وتقسيم الثروة.

فقتل واعتقل الأسد زهاء مليوني سوري، جلهم من الكفاءات والشباب المنتج، ليجهز على الأمل، عبر تهجير نصف السكان عن منازلهم ومواقع عملهم، إن كان بنزوح داخلي بنحو 5.5 ملايين سوري أو بتهجير خارج حدود الوطن لأكثر من 6 ملايين.

نهاية القول: ربما السؤال الذي يتوثب على شفاه كل من يقرأ هذه الأرقام الكارثية هو، هل تستأهل الكرامة والحرية كل هذه التضحيات والتي قد تبقي سورية لعقود طويلة مهدمة ومحتلة وتحت رحمة الأوصياء والدائنين؟

الإجابة تأتي واضحة عبر السوريين في ذكرى انطلاقة ثورتهم التاسعة اليوم، أجل تستحق الكرامة وأكثر، بل ويعد السوريون شهداءهم ومهجريهم بأنهم سيستمرون حتى إزالة نظام بشار الأسد المستبد من السلطة، لأنهم ببساطة يعتبرونه صفر سورية، ولا يمكن أن تبدأ بلادهم بالعد التصاعدي وعلى جميع المؤشرات والصعد، إلا بعد زوال ذلك الصفر المعطل.
المساهمون