تدل المؤشرات على أن مؤتمر "السلام والأمن"، الذي سيلتئم في العاصمة البولندية وارسو، بعد أسبوعين، والذي دعت إليه الإدارة الأميركية، سيسهم في تحسين مكانة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عشية الانتخابات التشريعية، التي ستنظم في التاسع من إبريل/ نيسان المقبل، وسيمنح حزب الليكود، الذي يقوده، المزيد من الطاقة لمواجهة خصومه.
ولعل الصورة الجماعية لممثلي الدول السبعين التي ستشارك في المؤتمر، وضمنهم نتنياهو ووزراء خارجية مصر، والأردن، والسعودية، والإمارات، والبحرين، والمغرب، ستكون أهم مُركب في الحملة الدعائية لحزب الليكود. إذ إن الحزب سيقدمها على أنها تضفي صدقية على التطمينات التي قدمها نتنياهو للإسرائيليين، على مدى عامين، بأن تحولات دراماتيكية قد طرأت على طابع العلاقات والشراكات الاستراتيجية التي باتت تربط إسرائيل، تحت حكمه، بالدول العربية. وفي حال تم توثيق اللقاءات الثنائية، التي يفترض أن تجمع على هامش المؤتمر نتنياهو بممثلي الدول العربية، وتحديداً التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بالصوت والصورة، فإن هذا سيمثل قيمة دعائية كبيرة لحملة حزب الليكود.
ونظراً لأن المؤتمر سيبحث قضية السلام في منطقة الشرق الأوسط، فإن نتنياهو سيوظف مشاركته، إلى جانب وزراء الخارجية العرب، في التدليل على صوابية المواقف الأيديولوجية والسياسية التي يتبناها إزاء الصراع مع الشعب الفلسطيني. فنتنياهو، الذي أعلن يوم الثلاثاء الماضي، ليس فقط تمسكه بالمشروع الاستيطاني والتهويدي في الضفة الغربية والقدس المحتلة، بل عبّر عن ندمه أيضاً على تفكيك بعض النقاط الاستيطانية التي دشنت من دون إذن حكومته، سيوظف مشاركة ممثلي الدول العربية إلى جانبه في المؤتمر، على أنه تسليم عربي رسمي بمواقفه. مع العلم أنه سبق لنتنياهو أن ادعى أن نظم الحكم العربية التي تتواصل مع تل أبيب أوصلت إليه رسالة مفادها أنها لم تعد تربط مستقبل علاقاتها بإسرائيل بـ"نزوات الفلسطينيين". ومن الواضح أن مشاركة ممثلي الدول العربية في المؤتمر إلى جانب نتنياهو، في ظل إعلانه هذه المواقف، تجسد تخلي الدول العربية عملياً عن خطة السلام العربية التي تبنتها في قمة بيروت في عام 2002. وفي الوقت ذاته، فإن نتنياهو سيوظف مشاركته في المؤتمر في التشديد على التزامه بخطوط تل أبيب الحمراء في أي مشروع تسوية يمكن أن تعلن عنه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا سيما وأن العديد من مسؤولي الإدارة الأميركية أكدوا أنه سيتم الإعلان عنها قريباً.
إلى جانب ذلك، ونظراً لأن المؤتمر سيبحث بشكل أساسي سبل مواجهة "الخطر الإيراني"، فإن هذا سيمثل فرصة لنتنياهو لفرض جدول أعمال أمني على الحملة الانتخابية، وتقليص قدرة منافسيه على توظيف قضايا الفساد، التي يُتهم بها، للمس بمكانته. وسيوظف نتنياهو خطاباته وإطلالاته الإعلامية خلال المؤتمر لتكريس الانطباع الذي يقدمه عن نفسه كـ"سيد أمن" أخذ على عاتقه مواجهة إيران. ومن أجل تعزيز هذا الانطباع، فمن المتوقع أن يأمر نتنياهو، كوزير للدفاع، بتكثيف الغارات ضد الوجود الإيراني في سورية قبيل بدء أعمال المؤتمر، خصوصاً في ظل تقديرات المحافل العسكرية في تل أبيب بأن فرص أن ترد إيران على الغارات، انطلاقاً من سورية أو لبنان، تكاد تكون معدومة. ويكاد يكون في حكم المؤكد أن نتنياهو سيستغل مشاركته في مؤتمر وارسو في مواصلة استراتيجية تبني الغارات التي تنفذ في سورية، وذلك بهدف تسجيل نقاط أمام الدول العربية المشاركة في المؤتمر، من خلال الزعم أن إسرائيل تتولى مواجهة إيران بالأفعال، فضلاً عن توظيف ذلك في تحسين مكانته أمام الرأي العام الإسرائيلي.
ونظراً لأن المؤتمر سيبحث أيضاً مواجهة القوى المتحالفة مع إيران في المنطقة، فإن نتنياهو قد يوظف ذلك في التدليل أمام الرأي العام الإسرائيلي على أنه نجح في محاصرة كل من "حزب الله" وحركة "حماس" دبلوماسياً. وعلى الرغم من الموقف العدائي الذي تبديه العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية حيال نتنياهو، لا سيما في أعقاب تفجُر قضايا الفساد ضده، ورداً على الحملة التي شنها شخصياً ضد كبار المعلقين في قنوات التلفزة الرئيسية، فإن هذه القنوات ستضطر، عبر تغطيتها لوقائع المؤتمر، إلى منح نتنياهو وقتاً ثميناً لكي يخاطب الجمهور الإسرائيلي وليدلل على مزاعمه بأن تحولاً "هائلاً" طرأ على مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية. إلى جانب ذلك، فإن نتنياهو يُرجح أن يستغل التئام المؤتمر لكي يقلص حدود الجدل حول قضايا الفساد التي يتهم بها، لا سيما وأن عقد المؤتمر قد يتزامن مع إعلان المستشار القضائي للحكومة أفيخاي مندلبليت قراره بشأن تقديم لوائح اتهام ضد نتنياهو في هذه القضايا.